العدد 7 - أردني
 

مناقشات الثقة بحكومة نادر الذهبي شهدت استمرارا لحملات تشهير ومحاولات اغتيال شخصية شنّها محمود الخرابشة (البلقاء)، صالح الجبور (بدو الوسط) وناريمان الروسان (الكوتا النسائية).

هذه الغارات الصوتية، بحسب توصيف مصادر نيابية، أثارت تساؤلات حول أحقية النائب في توجيه الاتهامات شرقا وغربا بدون مسوغات قانونية.

يرى قانونيون وسياسيون أن نوابا “يتعسفون” في استغلال مادة دستورية تعطيهم الحق في “قول ما يريدون تحت القبة دون مساءلة”، ويرون أن بعضهم يفسر تلك المادة “بشكل مغلوط”.

استنادا إلى هذا التفسير، ينفرد بعض النواب في كيل اتهامات شخصية لشخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأكاديمية، دون تقديم بينات تثبت ما ذهبوا إليه.

تنص المادة 87 من الدستور على أن «لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب، ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس المنتسب إليه. ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه في أثناء جلسات المجلس».

خلال نقاشات مجلس النواب تطايرت اتهامات بحق مسؤولين سابقين وحاليين من دون تقديم بيانات تثبت حقيقة تلك الاتهامات. تضمنت بعض الكلمات عبارات جارحة وأوصاف مؤذية لرؤساء وزارات سابقين ووزراء وشخصيات أكاديمية، كما حملت اتهامات حادة سواء بالفساد أو استغلال الموقع.

ويعتقد قانونيون بأن اتهامات بعض النواب لا تخرج عن كونها «شخصية وضيقّة»، معتبرين أن بعض النواب «يتعمدون استغلال منبر المجلس من أجل الضغط على المسؤول لتمرير ما يريد من معاملات وواسطات. وإذا رفض الاستجابة يقوم النائب بتوجيه شتى أنواع الاتهامات له».

ويرى النائب الإسلامي السابق والقانوني المحامي زهير أبو الراغب، أن الحصانة غير موجودة في مجلس النواب بشكل مطلق، وتحديدا فيما يتعلق بالذم والقدح والشتم، موضحا أن النائب الذي يمارس ذلك الأسلوب يعرض نفسه للمسؤولية الجزائية، إذا عجز عن إثبات ما ذهب إليه.

ويضيف أن «الذم والقدح» يقع تحت المسؤولية الجزائية حتى ولو كان ذلك فوق المنبر وتحت القبة. ويؤكد أيضا أن: «للنائب الحق الكامل بان يخوض في ما يريد، ولكنه لا يمتلك الحق بأن يتهم من يريد»، معتبراً ذلك «تعسفاً في استخدام حق دستوري واستغلالاً في غير مكانه وموضعه».

ويرى أبو الراغب عضو المجلس النيابي السابق الذي حجب الثقة عن حكومة علي أبو الراغب «أن المشرع قصد من وضع المادة السابقة في الدستور أن يترك للنائب كامل الحرية في القول والنقد دون تجريح»، مشيراً إلى وجود «فرق هائل بين نقد الحكومات أو ممارسات بعض الوزراء وبين التجريح بالأشخاص وصولا إلى اغتيال الشخصية».

كان الخرابشة خصص ثلاثا من 17 صفحة في خطاب مناقشة الثقة بالحكومة لانتقاد جامعة البلقاء ورئيسها عمر الريماوي، قائلا «إن هناك ممارسات غير قانونية يمارسها رئيس الجامعة» وإنه، أي رئيس الجامعة «يتصرف وكأنه في مزرعة خاصة به دون مراعاة للقوانين».

واتهم الخرابشة رئيس الجامعة «بالحصول على مبالغ دون وجه حق وبشكل يخالف القانون»، وتساءل أمام زملائه وعدسات الإعلام: «هل يعقل أن يحصل رئيس الجامعة وخلال أقل من سنتين على مبلغ 112 ألف دينار خلافاً لأحكام لقانون»، متهما من اسماه بأحد «محاسيب الرئيس» بالحصول على 204 آلاف دينار خلال المدة ذاتها.

من المعلوم أن الخرابشة سبق له أن تعرض بالنقد خلال مناقشات الثقة في حكومات سابقة لعدد من الشخصيات، كان أوسعها الاتهامات التي وجهها لرئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة ثم عاد ووجه اتهامات لإدارات سابقة للتلفزيون الأردني.

ويرد رئيس جامعة البلقاء التطبيقية على اتهامات الخرابشة بالقول للسجل: «كان الخرابشة وخلال العامين الماضيين يتغنى بإنجازات جامعة البلقاء التطبيقية، إلى ان تم تجميد عمل أحد أقاربه العاملين في الجامعة ومنذ ذلك الوقت أخذ الرجل بمهاجمة الجامعة».

وبين الريماوي أن الخرابشة «عرض إعادة المياة إلى مجاريها وعودة قريبه إلى الجامعة، إلا أن رئيس الجامعة رفض ذلك الأمر الذي أبقى حالة الخلاف قائمة». وحول الاتهامات بالفساد الإداري قال الريماوي: «منذ الأيام الأولى لتسلمي رئاسة الجامعة ذهبت إلى ديوان المحاسبة وطلبت منهم ان يدققوا ماليا على سجلات الجامعة قبل أي عملية صرف مالي، ومنذ ذلك الوقت لا ينفق أي فلس دون معرفة الديوان وإشرافه».

وكان للنائب صالح الجبور دور أيضا في توجيه الاتهامات إذ نال رئيس الوزراء الأسبق علي ابو الراغب نصيب كبير منها. وقال الجبور في معرض مدحه لرئيس الحكومة نادر الذهبي «.. ولا يوجد له أجندة خاصة كمن عمل قبله من رؤساء الوزارات على شاكلة علي أبو الراغب الذي فصّل قوانين لتخدم مصالحه وشركاته واستثماراته (...) كان تاجراً بارعاً استغل السلطة لخدمة مصالحه ونحن نتفرج ونهلل ونكيل المديح والثناء».

وتابع الجبور انتقاداته من على منبر الثقة حتى وصل إلى وزير الخارجية صلاح الدين البشير ليقول «.... كأن بعض المسؤولين مقطوع وصفه ولا يستغنى عنه الوطن. ومثال ذلك الدكتور صلاح الدين البشير الذي يتنقل بين الوزارات يطلبها بلسانه (...) وهذه الوزارة الوحيدة التي تركب على شخصيته المتعالية الفوقية».

ووصل الأمر بالنائبة ناريمان الروسان إلى اتهام رئيس الحكومة السابق معروف البخيت بـ “الخيانة العظمى” في بعض فقرات كلمتها علماً أنها منحت حكومته الثقة.

كذلك اتهمت الرئيس السابق البخيت بـ “ممارسة ضغوط على بعض الوزراء سعياً لاجبارهم على مخالفة القانون”، دون تقديم أية أدلة ملموسة، مشيرة إلى “أن الفساد الذي مارسه الرئيس البخيت فاق كل حد”.

وفي هذا يرى أبو الراغب بأن «أي اتهام يجب أن يكون متبوعا بأدلة حتى لو كان تحت القبة. وعلى النائب تقع مسؤولية إثبات الاتهام إذا ما تم تحويل القضية إلى محكمة الجزاء».

ويرفض أبو الراغب استغلال منبر مجلس النواب للشتم والتحقير، مشيراً إلى أن ذلك يساهم في «تقزيم» دور المجلس وتخفيض سقف التوقعات منه.

ويتفق النائب السابق سليمان عبيدات مع أبو الراغب، في «ضرورة وأهمية عدم الاعتماد على منبر مجلس النواب من أجل توجيه اتهامات جزافية إلى شخصيات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية» مشيرا إلى أن ذلك «يضع مجلس النواب في خانة من يطلق الاتهامات ولا يقدم أدلة تذكر».

ويؤمن النائب السابق محمد ارسلان بما ذهب اليه ابو الراغب وعبيدات، بـ “عدم جواز استغلال منبر المجلس بالشكل الذي يرضي رغبات وأهواء النائب نفسه”. ويصر أرسلان على “أن ذلك المنبر للشعب ويجب التعامل معه على القاعدة نفسها”.

إلى ذلك يطالب أرسلان «بعدم الاعتماد على الأقاويل أو ما يسمعه في الصالونات السياسية ونقله على الفور إلى المجلس قبل ان يتمحص الأمر ويتأكد منه»، مشيرا إلى «أهمية تمتع المنبر النيابي بصدقية عالية والنأي عن استخدامه لأغراض شخصية».

الاتهامات التي جاءت على لسان النواب الثلاثة وقفت عند منبر المجلس، ولم تأخذ طريقها في المتابعة والتمحيص، الأمر الذي يلقي بظلال الشك على أسباب توجيه الاتهامات للأشخاص دون تقديم الأدلة اللازمة لذلك.

الحصانة البرلمانية هل تخوّل النواب بالتشهير من دون محاسبة؟ - جهاد أبو عواد
 
27-Dec-2007
 
العدد 7