العدد 41 - أردني
 

خليل الخطيب

ينتج غور الأردن ما معدله 750 ألف طن من الخضراوات والفواكه سنويا، بأيدي ما يقارب 25 ألف عاملة وعامل، يعملون وفق نظم مختلفة منها اليومي، الشهري، المقاولة، الضمان والموسمي. ويختلف العاملون في القطاع الزراعي في توصيف أحوال هؤلاء العمال، فمنهم من يعتبر العمل في غور الأردن تحت درجة حرارة عالية، وفي ظل عدد ساعات غير محدد للعمل، فضلا عن ظروف العمل الشاقة التي يعملون فيها، نوعا من السخرة، ويعتبر ظروف عملهم غير إنسانية وتحتاج إلى معالجة على مستوى الدولة.

غير أن هنالك من يرى أنهم يعيشون ظروف عمل "ممتازة"، بل إن رئيس جمعية مصدري ومنتجي الخضار والفواكه، باسل الديك، يرى أن العمال هم الذين يستغلون حاجة المزارعين لهم، ويتحدى أي ادعاء بأن العاملين في القطاع الزراعي يعملون في ظروف غير إنسانية. ويؤكد "من يقل ذلك عليه أن ينزل إلى الأغوار ليرى كيف يتجبر العمال بالمزارعين على مستوى الأجور، وكيف يتباطأون، ويفرضون شروطهم كما يشاءون، نظرا لوجود نقص في الأيدي العاملة".

ويتابع الديك "عمال المياومة يأخذون الآن دينارا واحدا لكل ساعة عمل، وهذا يعني أن كلفة العمالة اليومية ارتفعت على المزارع من15 بالمئة إلى 25 بالمئة . أما العمال الشهريون فيحصلون على راتب يراوح بين 200 و 250 دينار ا شهريا، بالإضافة إلى السكن، والتأمين ضد الحوادث الذي يفرضه علينا قانون العمل".

المنتج الزراعي مازن الحمارنة، يتفق مع الديك في أن أسعار العمالة اليومية ارتفعت بشكل كبير، ويتوقع أن تواصل أجور العمال الارتفاع حتى تصل إلى دينار ونصف الدينار للساعة نظرا لنقص العمالة.

إلا أن الحمارنة يرى أن المسألة "هي قضية عرض وطلب، فما دام النقص موجودا ستبقى الأجور مرشحة للارتفاع، كما أنها تنخفض بصورة مؤكدة في حال وجود فائض من العمال، بل إن طريقة التعامل مع العمال من قبل المزارعين تتغير حيث تفرض عليهم شروط مجحفة من حيث عدد ساعات العمل".

ويشرح الحمارنة أن هنالك عدة نظم للعمالة في القطاع الزراعي، فهناك المياومة حيث يتلقى العامل أجره على عدد الساعات التي يعملها، والشهري حيث يحصل العامل على راتب شهري محدد، والمقاولة حيث يقوم العامل بإنجاز عمل معين مقابل مبلغ مقطوع، والمشاركة حيث يحصل العامل على نسبة من أرباح المحصول مقابل عمله، والضمان حيث يقوم العامل بزراعة الأرض وبيع محصولها مقابل مبلغ متفق عليه مع مالكها، وعادة ما يتم ذلك في حالات نقص العمالة، عندما لا يرغب مالك الأرض بالمغامرة بالزراعة والتعرض للخسارة والتعب بسبب نقص العمال.

ويعلق الحمارنة: "في جميع هذه الأشكال من العمالة، فإن العامل لا يتمتع بأي ضمانات، فلا يوجد ضمان اجتماعي، ولا تأمين صحي، ولا ضمان ضد الخسارة في نظامي المشاركة والتضمين، كما أن ساعات العمل في جميع هذه النظم غير محددة وتخضع لشروط المزارع وليس للعامل إلا أن يقبل بها".

ويتابع " صحيح أن ثمة قصص نجاح لعمال مصريين وباكستانيين تمكنوا من تحقيق ثروات في هذا المجال، إلا أنها حالات استثنائية لا يقاس عليها".

عضو الهيئة الإدارية لجمعية مصدري ومنتجي الخضار والفواكه الأردنية، زهير جويحان، الذي يؤكد أن العمال الزراعيين الوافدين يعيشون ظروفا ممتازة يقرر: "مشكلة نقص العمالة في القطاع الزراعي لا تعود لظروف العمل، وإنما لثقافة العيب السائدة بين الشباب الأردني".

ويشدد: "لو أن العاطلين عن العمل في الأردن يتوجهون للعمل في القطاع الزراعي لانتهت مشكلة نقص العمالة واستقر القطاع الزراعي بصورة كبيرة".

ويضيف: "نحن، كمنتجين زراعيين، مستعدون لدفع رواتب جيدة للعمال الأردنيين لأن وجودهم سوف يجعل أعمالنا تنتظم، ولن نتعرض للخسائر الناجمة عن نقص العمالة الوافدة التي يتسرب معظمها إلى قطاعات أخرى أعلى أجرا كقطاع الإنشاءات".

المنتج والمصدر الزراعي إسحاق مدانات يتفق مع ما قرره جويحان فيما يتعلق بثقافة العيب ويضيف: "حتى الرجال من سكان الأغوار يتجنبون العمل في الزراعة، النساء فقط هن اللواتي يعملن، ولكن عملهن لا يكفي، لأنه يقتصر على العمل في القطاف، كما أنهن يتغيبن كثيرا".

ولا يعقد مدانات كبير أمل على أن يعمل الشباب الأردني في مجال الزراعة؛ فيقترح فتح باب العمل في القطاع الزراعي أمام العمالة الآسيوية المعروفة بجلدها وقدرتها على العمل في جميع الظروف.

لكن الحمارنة الذي يتفق مع جويحان بأن أفضل الحلول هو إحلال عمالة أردنية مكان الوافدة يحاجج بأنه "إذا كانت بيئة العمل الزراعي طاردة للعمال الزراعيين الوافدين فكيف بالأردنيين؟"

ويرى الحمارنة، الذي أدار مشروعا زراعيا يسمى الإدارة المتكاملة، أن "مشكلة العمالة في القطاع الزراعي الأردني لن تحل إلا على مستوى الدولة، لأن أي اتحاد أو جمعية أو إطار لن يستطيع أن يوفر عناصر البيئة الجاذبة للعمالة المحلية من سكن لائق وظروف عمل إنسانية وتأمينات اجتماعية وصحية".

الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل رجا طلب يعلق على ما يطالب به الحمارنة بأن "وزارة العمل أدخلت تعديلات على قانون العمل، سوف تبحث في الدورة العادية القادمة لمجلس النواب، تنص على شمول العمال الزراعيين بقانون الضمان الاجتماعي.

ويعتبر طلب أن هذه الخطوة هي الأولى في رحلة الألف ميل نحو تنظيم العمالة في القطاع الزراعي رغم الصعوبات التي ستكتنف تنفيذها نظرا للطبيعة المعقدة لهذا القطاع.

رغم أن خطوة أولى قطعت في رحلة الألف ميل، كما أوضح طلب، فإن من الواضح أن على الدولة أن تسرَع الخطوات التالية في هذا الطريق، لأن القطاع الزراعي في وادي الأردن يواجه تحديات صعبة قد تخرجه من سوق المنافسة على الصعيد التصديري، علاوة على أنه قد يجد نفسه عاجزا عن تزويد السوق المحلية بما يكفي من منتجات غذائية.

**

هاربون من زراعة الغور

ثلاثة يعيشون في غرفة من الطوب المنسق بحيث تكون تجاويفه متجهة إلى الخارج، يقولون أن هذا الترتيب يجعل الغرفة أبرد صيفا وأدفأ شتاء؛ اختراع من وحي الشقاء.

جاء بسيوني ومحمد وسعد إلى عمان على غير موعد، جمعتهم صدفة من اغتراب، التصاريح التي يحملونها تقول أنهم عمال زراعيون، لكن بسيوني يعمل حارسا ليليا لمعدات مقاول البناء ومعلم حديد نهارا مع نفس المقاول، فيما يعمل محمد معلما للطوبار يساعده سعد بصفة مساعد معلم.

بسيوني عمل في الزراعة في منطقة الأغوار لخمسة أشهر عام 1992 ثم ترك صاحب مزرعته وانتقل إلى منطقة الشفا وعمل هناك في الزراعة أيضا لمدة سنة سافر بعدها إلى مصر ليعود بصفة مزارع مرة أخرى. لكنه في هذه المرة كان عاقدا العزم على العمل إما في مجال الإنشاءات أو العمل الحر بحسب نصيحة أحد أقاربه الذي أخبره أن العمل الزراعي في الأردن لن يحقق له أي شيء.

العمل في مجال الإنشاءات يحقق لبسيوني دخلا يوميا قدره 15 دينارا ولمحمد12 دينارا ولسعد 7دنانير، وفي أيام الجمعة والعطل لا يعجز بسيوني عن إيجاد مقاولة صغيرة له ولرفيقيه في إحدى المناطق الشعبية، خاصة وأن أصدقاءه من الأردنيين كثيرون.

لعل ما يجمع الثلاثة، بخلاف جنسيتهم المصرية، تجربتهم في العمل الزراعي في غور الأردن، تجربة يحكون فصولها على اختلاف المزارع التي عملوا فيها وكأنها حكاية شخص واحد.

يبدأ العمل في الخامسة صباحا، إفطار سريع يتكون من قطعة خبز وكوب من الشاي، السيجارة الأولى ثم التوجه إلى المزرعة؛ تزبيل، حراثة، سقي، تعشيب، تحميل، تنزيل، تحضير معدات الشواء لصاحب المزرعة ومعازيمه، والوقوف على طلباتهم بعض أيام الجمع، رعاية أطفالهم، ومرافقتهم في جولاتهم، حراسة المحصول الذي بدأ ينضج من الخنازير البرية بالعصا. وتمضي الأيام وصولا إلى آخر الشهر.

في نهاية كل شهر إما أن يسافر صاحب المزرعة، أو يمرض، أو تكون لديه مناسبة اجتماعية مهمة تشغله عن إعطائنا رواتبنا التي تنتظرها أسرنا على أحر من الجمر. وفي أحسن الأحوال، يأتي صاحب المزرعة حاملا تكشيرته العريضة، منتقدا كل عمل قمنا به؛ يوبخنا ويشتمنا ويهددنا بأنه عندما يأتي في المرة المقبلة لا يريد أن يرى أي خطأ مما شاهده اليوم، ثم تمضي بضعة أيام ليعود متفقدا فيتصنع الرضا ويعطينا جزءا من الراتب المتراكم...

- إن كنت ترغب في العمل في الزراعة فتفضل ... لقد تركناها لك!

العمالة الزراعية في غور الأردن: وافدة إلى أمد غير منظور
 
28-Aug-2008
 
العدد 41