العدد 41 - أردني
 

نهاد الجريري

المشتل، تعريفاً، هو حضانة nursery لإجراء عملية التكاثر والرعاية، ضمن ظروف مسيطر عليها، لإنتاج شتلات ذات صفات وراثية معينة، في أوقات معينة، بحيث تكون جاهزة للزراعة أو الإثمار. وتتنوع المشاتل في تخصصاتها، فمنها من يقتصر عمله على الخضراوات أو الأعشاب الطبية والعطرية وعددها في الأردن 87، منها 53 في الأغوار، ومنها من يختص بالأشجار المثمرة وأشجار الزينة ومنها من يختص بالزهور.

وهكذا، فإن المشاتل بيئة مناسبة للسيطرة على بعض الأمراض التي تصيب النباتات من ناحية ولزيادة الإنتاج من حيث توفير الوقت وتخفيض التكاليف على المزارع من ناحية أخرى. فمثلا، تحتاج البندورة إلى 45 يوماً حتى تتحول من بذرة إلى شتلة جاهزة للزراعة، وبدلاً من أن ينتظر المزارع هذه المدة، بإمكانه استغلالها واستثمارها في زراعة محصول مثل الخس الذي لا يستغرق إنتاجه أكثر من 45 يوماً.

يضاف إلى ذلك أن الشتل يوفر من تكاليف الإنتاج. فأسعار البذار باتت في ارتفاع، إذ بلغ سعر بذرة الخيار 7 قروش، وكيلو بذار البندورة الكشف (غير المزروعة في بيت بلاستيكي) 6 آلاف دينار، وعليه، فإن المزارع، إن اختار أن يزرع بنفسه البذار، سوف يستهلك كميات كبيرة منها وسيكون معظمها عرضة للضياع؛ فليس من الضروري أن تنبت كل بذرة، فقد تأكلها القوارض أو تتعرض لأمراض، أما في المشتل فكل بذرة توضع في صينية وتحاط بالرعاية والحماية لضمان إنباتها.

وربما كان أهم عمل تقوم به المشاتل هو السيطرة على الأمراض التي يحتمل أن تصيب النبتة. وبقدر الفائدة المتحققة من هذا الأمر، ثمة خطر في المشاتل التي لا تقوم عليها كفاءات مدربة تسعى إلى المنفعة المادية على حساب الالتزام بمعايير وأنظمة الحماية؛ فتكون مصدرا للمرض بدلاً من أن تكون ضابطا له. جهاد زكي الذي يشرف حالياً على مشاتل في منطقتي الشفا والأغوار يذكر أن مزارعاً باع شتل بندورة تبذير (بذور من المعصرة)، على أنها شتل مقاوم للفيروس؛ فالأخيرة سعرها 6 دنانير للصينية، أما الأولى فلا تكلف صاحب المشتل أكثر من دينارين. الأمر الذي أدى إلى ضياع المحصول بالكامل بسبب إصابته بالفيروس. وفي حادثة أخرى قبل 4 سنوات، اشترى مزارع في الأغوار تقاوي بطاطا محلية لأنها أرخص من التقاوي المستوردة، لكنه فوجئ بأن التقاوي لم تكن معقمة أو معالجة، فأصابت الفيروسات المحصول بأكمله.

لكن هذه حالات قليلة، بحسب عدنان عبد النور، مساعد أمين عام وزارة الزراعة، الذي يقول إن "ثمة قوانين وتعليمات تنظم عمل المشاتل، بخاصة ما يتعلق بالبذور المستعملة،" الأمر الذي جعل الأردن أكثر دول المنطقة أمناً فيما يتعلق بنوعية البذار المستخدم في المشاتل، ويعزو عبد النور ذلك إلى أن الوزارة "لا تضع عراقيل وتعقيدات أمام المزارعين فلا يلجأون إلى التهريب، إذ بإمكان المزارع تسجيل أي صنف بذار يريده بكل سهولة بعد التأكد من مواصفاته." ويدلل عبد النور على جودة المشاتل الأردنية في إشارة إلى المعارض التي تقيمها الشركات المنتجة للبذار والتي يؤمها تجار من البلدان المجاورة.

وبالرغم من أن المشاتل في الأردن ما تزال في مجملها تعتمد على العنصر البشري في عملها، بخلاف مثيلاتها في أوروبا مثلاً، والقائمة على الحوسبة الكاملة فيما يتعلق بتحديد كميات الضوء والمياه، فإن عمليات التحديث، إن سعت إليها المشاتل، ستكون مكلفة للغاية، فتضيف تكاليف جديدة إلى تكاليف أجور العمالة التي ارتفعت مؤخراً فوصلت إلى 170 ديناراً بارتفاع من 90 ديناراً في وقت سابق. يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج مثل السماد الذي ارتفع حوالي 300 بالمئة ، مقابل استقرار أجرة التشتيل على 1.25 دينار للطبق.

لكن ربما كانت التكلفة الأكبر التي تتعرض إليها المشاتل هي نسبة 16 بالمئة التي تضاف على منتجاتها بوصفها ضريبة مبيعات، تضاف إلى ذلك ضريبة بنسبة 2 بالمئة فرضت باعتبار أن المشاتل تقدم خدمة مثل المزارع الذي يبيع في السوق المركزي. مهندس زراعي فضل عدم الكشف عن هويته تساءل عن الهدف من وراء ذلك، بخاصة وأن المشاتل تقدم نتاجها خدمة للمزارع الذي يريد أن يحصل على إنتاج.

هذه التكاليف تسببت في أن تحجم كثير من المشاتل عن كشف حساباتها بحسب هذا المهندس، ويقول "لو بدهم يحاسبوا المشاتل مزبوط كان سكرت." ويعزو ذلك إلى أن نسبة كبيرة من مبيعات المشتل عادة ما تكون ذمماً أو شيكات مستحقة على المزارعين ليتم تسديها بعد سنتين مثلاً. ويضيف أن بعض المشاتل بات يعتمد الثقة والنقد في التعامل حتى يتجنب إدخالها في دفاتر الحسابات.

المشاتل: أرباح لا تدخل في دفاتر الحسابات
 
28-Aug-2008
 
العدد 41