بعد مرور 10 سنوات على إنجاز سد الكرامة ما زال الأردن عاجزاً عن الاستفادة منه مثلما كان مخططاً. تصل طاقة السد الاستيعابية 55 مليون م3 سنوياً، كان من المفترض أن يخزن ما يزيد على استيعاب قناة الملك عبدالله من مياه فيضان نهر اليرموك في السنوات المطيرة، وهي كميات كبيرة كانت تذهب إلى نهر الأردن ومنه إلى البحر الميت. هذا الدفق كان سيروي آخر 14.5كم من الأراضي المحاذية لقناة الملك عبد الله في جزئها الجنوبي، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لمنطقة الأغوار.

إلا أن الملوحة العالية للتربة، التي أقيم فيها السد، حالت دون إمكانية الإفادة منه سواء في أغراض الزراعة أو في أغراض الشرب. إذ يصل تركيز الملوحة في المياه التي يخزنها السد نحو 7000 جزء بالمليون، وهي نسبة تزيد على الحد الأقصى من تركز الملح المسموح به للزراعة ومقداره 1200 جزء بالمليون، أو المسموح به في مياه الشرب والبالغ 500 جزء بالمليون.

هذا الأمر عزز حجة المعارضين لإقامة السد في هذا الموقع، فهم يعتبرون أنه فشل في مهده، إذ أقيم السد في منطقة لها طابع زلزالي من ناحية وتكثر فيها الينابيع المالحة من ناحية أخرى.

إلا أن المتحمسين للمشروع يرون أن السد لم يكن ليقام في غير هذه المنطقة. ظافر العالم، وزير المياه الأسبق، يقول إنه كان لا بد من إقامة السد في هذه المنطقة المنخفضة حتى يستقطب المياه من القناة بقوة الجاذبية من دون الحاجة إلى مضخات. ويقول نقيب الجيولوجيين بهجت العدوان إن الكرامة يعتبر من أفضل السدود في العالم من حيث الإنشاء، ويؤكد أنه يتحمل زلزالاً بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر. وهو زلزال مدمر سيأتي على المنطقة بأسرها، فلن يفيد بعدها إن صمد السد أم لم يصمد؛ بحسب أستاذ جامعي خبير في علم الزلازل فضل عدم الكشف عن اسمه.

أما فيما يتعلق بالملوحة، فمرة أخرى، لم يكن الأمر مفاجئاً لواضعي تصاميم السد. فقد تم تجميع الينابيع المالحة في قناة واحدة تصب في وادي الأردن ومنه إلى البحر الميت. وقالت دراسات جيولوجية إن إشارات قد صدرت، قبل إقامة السد، إلى ضرورة "غسله" خمس مرات للتخلص من طبقاته الملحية والحصول على مياه عذبة. وهذا يعني أن يعبأ السد بالكامل ليتم التخلص من مياهه التي تجرف معها جزءا من طبقات الملح. إلا أن السد إلى الآن لم يُغسل سوى مرتين. وهنا يشير أمين عام سلطة وادي الأردن، موسى الجمعاني، إلى "سوء تشغيل" في إدارة السد. ويشرح أن أول غسلة للسد كانت في عهد وزير المياه الأسبق منذر حدادين (1997-1998)؛ وقد رافقها تلوث في محطة مياه زي العام 1998. السبب في التلوث، بحسب الجمعاني، كان أن قوة تدفق مياه فيضان اليرموك في قناة الملك عبد الله أثارت قعر القناة التي ترسبت فيها طحالب Blue Algae.

هذه الطحالب التي حملتها المياه الصادرة من القناة تحولت إلى مادة ملوثة بفعل ارتفاع درجات الحرارة. ويتابع الجمعاني أنه بسبب هذه الأزمة "لم يجرؤ وزير لاحق على أن يحول المياه من اليرموك إلى القناة ومنها إلى الكرامة خوفا من التلوث." ويشير إلى أن الحال استمرت كذلك حتى جاء حازم الناصر وزيرا للمياه في التعديل الوزاري على حكومة علي أبو الراغب الأولى (في 16/6/2001) والذي استمر في الحكومات الثلاث اللاحقة (حتى نهاية ولاية حكومة فيصل الفايز في 5/4/2005).

بعد الغسلة الثانية في عهد الناصر، لم تعد المياه في القناة تكفي لتعبئة السد بسبب الجفاف الذي تشهده المنطقة منذ 10 سنوات تقريباً. يضاف إلى ذلك استنزاف الينابيع التي تغذي نهر اليرموك بسبب حفر 3500 بئر في الجانب السوري. اليوم، وتحديدا في الأسبوع الجاري (23/8-29/8/2008) بلغ حجم التصريف في نهر اليرموك 0.8م3 في الثانية، أي بانخفاض حاد عن المعدل المقدر بنحو 2.3م3 في الثانية.

بالرغم من كل هذا، لا يبدو أن الأوان فات لإصلاح السد. الجمعاني يشير إلى أنه تمت إحالة عطاء لتحلية المياه في السد لأغراض الشرب. المرحلة التجريبية التي ستنتهي مع نهاية هذا العام ستوفر مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب بتكلفة تصل 20 قرشا للمتر المكعب الواحد. ويقول الجمعاني إن هذا المبلغ أقل من سعر المتر المكعب الذي تبيعه السلطة والبالغ ما بين 45-55 قرشاً. بعد هذا سيصار إلى إنتاج 5 ملايين متر مكعب لتأمين مياه الشرب في الأغوار كلها؛ من الكريمة في الشمال حتى البحر الميت جنوبا، مروراً بدير علا والكرامة والطوالة والشونة والكفرين والرامة.

يُضاف إلى ذلك أن السد مطروح لأي مشروع استثماري سواء ما يتعلق بتربية الأسماك في أحواض خاصة توضع في السد، أو في استغلاله لأغراض السياحة. ويشرح الجمعاني أن خطة استعمال الأراضي Land Use Plan صنفت سد الكرامة وما حوله على أنه منطقة سياحية تتوافر فيها بنية تحتية صالحة لاستقطاب استثمارات من هذا النوع.