العدد 41 - اقليمي | ||||||||||||||
لم يكن مُستبعدا أن تنفي سورية في 22 آب الجاري، أنّها تدرس استضافة نصب نظام صاروخي روسي حديث في أراضيها، بعد يوم من محادثات الرئيس بشار الأسد مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وأن لا تنفي ذلك بعد نسبة صحيفة روسية للأسد قوله إن بلاده مستعدّة لتلك الاستضافة، عقب توقيع الولايات المتحدة وبولندا اتفاقية نشر صواريخ أميركية في الأراضي البولندية. وهو تصريح سبق نشرُه لقاءَ الرئيسين بثلاثة أيام، ولم تبرزه وسائل الإعلام الرسمية السورية. وبدا أن تجاهل موسكو التعامل بجديّة مع العرض السوري، هو ما جعل دمشق تتوقف عن المضي فيه، وأن تركّز بدلاً من ذلك على المساندة الصريحة لروسيا في الحرب التي دارت على أراضي جورجيا، وهو ما بادر إليه الأسد في حماسة ظاهرة، بل وتحدث عن دور إسرائيل في التحريض على روسيا والمشاركة في الحرب ضدّها والعمل على محاصرتها. وانفردت دمشق بهذا الموقف عن الدول العربية التي آثرت عدم التورط في استقطابات معلنة بشأن الأزمة الجارية في القوقاز، وصرّح الأسد بذلك في أثناء زيارته لروسيا الأسبوع الماضي، والتي كانت مقررة قبل وقت من اشتعال الأزمة العسكرية بين جورجيا، وروسيا بشأن أوسيتيا الجنوبية. لم يبدُ في مقابل الموقف المذكور، أن موسكو كانت في وارد ملاقاته بما يخرج عن حساباتها وموازينها الخاصة، وبما قد يؤثر على مصالحها المتشابكة مع رهانات دوليّة ومعقدة، لذلك كان من المهم توضيح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن بلاده ستزود سورية بأسلحة تحمل طابعا دفاعيا بحتا، ولا تخلّ بموازين القوى في المنطقة، وهذا ما أبلغه ميدفيديف للأسد، وأكد له في الوقت نفسه أن موسكو مستعدّة للنظر في طلب دمشق شراء نماذج جديدة من الأسلحة الروسية. وذلك كله يختلف عن وضع منظومة صوراريخ روسية متطورة على الأراضي السورية. وفي ما بدا تطويقا لما كان متوقعا من أصداء إسرائيلية وأميركية على هذا الأمر، قال لافروف إن روسيا تأمل باتصالات مباشرة بين سورية وإسرائيل قريباً، ومستعدّة دائما لدعم تحرك في هذا الاتجاه. ولأنّ تل أبيب وواشنطن تنشطان في ما يعد مسلكاً دعائياً وتهويلياً ضد سورية، يمكن تفسير ما أقدمتا عليه بعد هذه الإشارات الروسية، والتي لا تعني الذهاب بعيداً في كسر توازنات قائمة، والمضي إلى خيارات تأخذ الشرق الأوسط إلى ضفاف حروب باردة وأخرى ساخنة. بدليل أن موسكو بدت قادرة على ضبط غضبها من دعم تل أبيب العسكري لجورجيا، الذي تمثل لسنوات في تسليح وتدريب ظاهرين للقوات الجورجية، بتعاون وتنسيق مع واشنطن التي لا تُخفي إسنادها الكامل والقوي لنظام الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، وهو ما لم يعنِ اشتباكاً عسكرياً مع موسكو في الأزمة الحربية الأخيرة. إنها تصريحات المتحدثين في الإدارة الأميركية، ومسؤولين إسرائيليين وتعليقات صحف في الدولة العبرية وأخرى في الولايات المتحدة، وحدها ما ضاعف الأضواء على صفقات تسليح ستقوم بها موسكو مع دمشق، وعبّرت بعضها عن «قلق» من ذلك ومخاوف من تأثيره على ما يسمّى، عن غير حقّ طبعاً، الاستقرار الإقليمي. والناظر في الحديث الروسي والسوري عن بيع وشراء أسلحة وصواريخ يجده متساوقاً مع نشاط موسكو في تظهير دورها في الشرق الأوسط، ومحاولاتها لعب أدوار بارزة في أزمات المنطقة والتوترات فيها. تقابل دول عربية هذه المحاولات النشطة باهتمام وتشجيع معلن، كما تبدّى أخيراً في زيارة الملك عبد الله الثاني إلى روسيا، حيث أجرى مباحثات مع ميدفيديف ورئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي، وزار في الأثناء معرضاً للأسلحة وقاعدة عسكرية قرب موسكو، وشاهد رماية تجريبية بالذخيرة الحية للنموذج التدريبي من النسخة المحدثة لنظام «آر بي جي 32» الصاروخي المحمول على الكتف. ومعلوم أن الأردن وروسيا كانا اتفقا على الشروع في تجميع النسخة المعدلّة من هذا النظام المضاد للدبابات والمدرعات في مصنع يجري إنشاؤه على الأراضي الأردنية، وتم إطلاق تسمية «هاشم» على النسخة الأردنية من النظام الصاروخي المعدل. وعلى ما نقلت «الحياة» اللندنية عن مصادر أردنية، وصفتها بأنها رفيعة ولم تسمها، فإن قاذفة الصواريخ المحمولة «هاشم» ستلبّي حاجات الجيش الأردني، ويحق للأردن ـ بحسب الاتفاق مع موسكو ـ تسويقها في الشرق الأوسط. وهو تطور على درجة من الأهمية في التعاون العسكري بين البلدين، وحيث قام الملك بزيارته التاسعة الى موسكو. وتداولت وسائل إعلام روسية في غضون زيارة الملك، أن عمّان تريد اقتناء طائرات روسية مقاتلة، بعد أن كانت قد تعاقدت مع موسكو على شراء طائرتي نقل عسكري من طراز حديث بقيمة مائة مليون دولار وست مروحيات بقيمة 25 مليون دولار. وقد رجّح خبراء روس أن التعاون العسكري كان من أهم بنود محادثات سوتشي بين الملك والقادة الروس، فضلاً عن التباحث بشأن الأوضاع في القوقاز، كما أكد الملك في الأثناء على دور لروسيا في المرحلة المقبلة للمساعدة في تحقيق دفع في عملية السلام، إضافة للتاكيد على حلول سياسية وسلمية لأزمة القوقاز. تلتقي هذه المشاغل مع موضوعات البحث بين ميدفيديف وبوتين مع الأسد في زيارته التي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت استبقها بمكالمة مطولّة مع الرئيس الروسي، وتم الاتفاق في أثنائها على زيارة يقوم بها أولمرت إلى موسكو بعد أيام. وكتبت الصحافة الإسرائيلية أن المكالمة والزيارة تدفعان إلى كبح اندفاع روسيا في علاقاتها مع سورية، أو تزويدها بأسلحة «تخلّ بالتوازن الاستراتيجي» في المنطقة. لا حاجة لمحاولة اكتشاف زيف المبالغات التحريضية والدعائية الإسرائيلية ومعها الأميركية، بشأن تعاون روسيا مع سورية، والذي لا يندرج في غير مسعى موسكو إلى تحقيق مزيد من النجاحات الاستراتيجية والإقليمية والدولية في غير منطقة في العالم وفي غير شأن وقضية، وإلى إبلاغ الولايات المتحدة ميدانيّاً وسياسيّاً وفي غير أسلوب ووسيلة أن انفرادها في غير ملف ومسألة لم يعد مقبولاً ولا نافعاً، وأنها فضلاً عن ذلك غير قادرة على التأثير على ما تنجزه موسكو من نجاحات في سياساتها في الشرق الأوسط. بدليل أن روسيا تمضي في تعاون عسكري وتسليحي مع الأردن، الدولة الصديقة للولايات المتحدة والمحسوبة في معسكر الاعتدال العربي، وتمضي في الوقت نفسه في المسار ذاته مع سورية التي تبدو دولة ممانعة، وتحثها موسكو على تفاوض مباشر مع إسرائيل، فيما تحرّضها دمشق على إسرائيل لدور الأخيرة المكشوف في جورجيا، وفي هذا شيء من اللعب مع الكبار، قد لا يكون محسوباً جيداً، كما التلميح، المنفي والمتدارك، بإتاحة أراضٍ سورية لنصب صواريخ روسية حديثة رداً على صواريخ أميركية مزمع وضعها في بولندا المقر السابق لحلف وارسو. |
|
|||||||||||||