العدد 7 - أردني
 

يتساءل مسؤولون سابقون وحزبيون ونقابيون عن مآل التنمية السياسية في ضوء خلو الخطاب الرسمي من إشارة صريحة إلى الإصلاح السياسي مع أن حقيبة التنمية السياسية ظلت ضمن التشكيلة الجديدة بعد أربع سنوات من ولادتها.

وتتفاوت التحليلات وراء تراجع الحديث عن الإصلاح السياسي في الخطاب الرسمي بين التحديات الاقتصادية، والأمن والاستقرار التي غدت صاحبة الأولوية وبين إرجاع ذلك إلى نهج جيل من القيادات الشابة ينصب جهدها على الجانب الاقتصادي وانفتاح السوق.

بين هذا وذاك يحتدم الجدل حول أداء وزارة التنمية السياسية والغاية منها، بعد تعاقب ستة وزراء على تولي حقيبتها.

يبرز التباين في مقاربات شخصيات تعاقبت على حقيبة التنمية السياسية لجهة أهداف وأولويات تنمية هذا القطاع في الأردن.

الوزير السابق محمد العوران يرى أن «مفهوم التنمية السياسية واسع جداً، وأننا ما زلنا بحاجة إلى تعريف له»، معتبراً أن «التنمية يجب أن تبدأ بخطوط عريضة لفتح المجال أمام التغيير المطلوب».

إلى ذلك يدعو العوران، القادم من رحم الأحزاب القومية، إلى اعتماد «نهج واضح للوصول إلى تنمية سياسية هذا إذا عرفنّاها»، كما يؤكد على أهمية أن يحدّد الساسة وأفراد المجتمع أسئلة مفادها: «هل نريد أن ننّمي المجتمع أم الحكومة أم البرلمان أم مؤسسات المجتمع المدني؟ ويخلص العوران إلى «أننا لا يمكن أن نصل إلى تنمية سياسية حقيقية بدون تعددية سياسية فاعلة، ما يعني أن تكون الأحزاب قوية».

مع أن السلطات أعادت الشرعية للأحزاب السياسية عام 1992 بعد حظر دام 35 عاماً، إلا أن أياً من الأحزاب اليسارية أو القومية لم ينجح في إيصال مناصريه إلى مجلس النواب أو وضع برامج إصلاحية. وحدها جبهة العمل الإسلامي، التي استثنيت من قرار حظر الأحزاب على مدى ستة عقود، نجحت في دخول المجلس النيابي.

في الأردن زهاء 35 حزباً، لم تنجح مبادرات دمجها حتى الآن.

العوران يرفض الدعوات بإلغاء حقيبة التنمية السياسية ويأمل في أن «يكبر ويقوى دورها». ويصف مهمة الوزارة بأنها «حلقة وصل بين الحكومة وكل مؤسسات المجتمع المدني، من أحزاب ونقابات وجمعيات». ويقول بأثر رجعي: «أدينا واجباً كبيراً في هذا الموضوع. وكانت اتصالاتنا معهم مستمرة ونتائجها ايجابية، وخصوصا إبان الانتخابات».

على أن نشطاء سياسيين يعارضون هذا التوصيف، ويشير بعضهم إلى وجود «لبس» إزاء هذا الدور.

يجادل المنتقدون بأن وزارة التنمية السياسية فشلت في تحديث قوانين ملحّة مثل الانتخابات التشريعية، كما أنها أخفقت في جسر الفجوة بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.

يقول منير حمارنة، أمين عام الحزب الشيوعي الأردني : «لم يترتب على نشاط الوزارة منذ إنشائها وحتى الآن أي فعل له علاقة بالتنمية السياسية، بل أن المناخ السياسي في ظل وجودها، تراجع إلى الوراء بدل أن يتقدم الى الأمام، رغم كل المحاولات التي بذلت من هذا الوزير أو ذاك».

ويقر حمارنة بأن الوزارة أطلقت مبادرات وبرامج وأجرت حوارات «لكن لم يترتب على ذلك أي تقدم تجاه تنمية حقيقية» بحسب رأيه.

وزير التنمية السياسية الأسبق صبري ربيحات يرى من جانبه أن «الوزارة أنشئت لتترجم أولوية مرحلية أدركتها القيادة، ترتبط بضرورة توسيع دائرة المشاركة في صناعة القرار، لما لذلك من أهمية في تحقيق الاستقرار والعدالة والمساواة وتحمّل المسؤولية من قبل المواطنين تجاه القرارات التي تتخذ».

على أن ربيحات يتحدث عن حلقات مفقودة، ويبين بأنه كان لابد من «إيجاد الآليات لتوسيع دائرة المشاركة، والعمل على توظيف هذه الآليات في تحقيق رسالة التنمية السياسية وأهدافها».

يحدد الوزير الأسبق تلك الآليات بثلاثة مسارات: «طرح مبادرات لتعزيز التنمية السياسية، رفع الوعي بحقوق وواجبات المواطنة عبر تمكين المواطنين من اختيار ممثليهم في المجالس التشريعية لتحقيق القاعدة الدستورية القائلة إن الأمة مصدر السلطات وصياغة التشريعات بما يمكّن الأفراد والمؤسسات من تأدية أدوارهم ضمن مناخٍ ديمقراطي» و «تعديل التشريعات».

يؤكد ربيحات أن الحكومة خطت خطوات على مسار التشريعات المساندة، إّذ سنّت حزمة ً قوانين مثل: الأحزاب، البلديات، ديوان المظالم Ombudsman ، إشهار الذمة المالية، والمطبوعات والنشر. كذلك صادقت على اتفاقيات كان الأردن وقع عليها منذ عشرات السنين، وبدأت حوارات حول قوانين أخرى كالانتخابات. وفي ما يتصل بالمبادرات، يؤكد ربيحات أن الحكومة أطلقت عدداً منها بهدف “تقديم نماذج لشكل وعوائد التطبيق لبرنامج توسيع المشاركة، وكان بينها مبادرة برلمان الشباب، مقترح ساحة الحرية، وبرنامج تعميق صلة المغتربين بالوطن، وبرنامج التواصل والتوعية المجتمعي”.

يشرح ربيحات بأن الافتراض القائل بأن المجتمع الأردني “متفق على ماذا يريد؟ وكيفية الوصول لما يريد افتراض غير صحيح”.”فثمّة فئات، يرى الوزير الأسبق، ترى أن “من مصلحتها المحافظة على الواقع الراهن دون تغيير، وأخرى تدعو إلى إحداث التغيير، وثالثة ربما ترى أن المصلحة تكمن في استبدال كل ما هو موجود بنظام غربي، وأن ذلك يستدعي تفكيك البنى القائمة واستبدالها ببنى جديدة”.

ويقول :”أعتقد أن استحداث وزارة للتنمية السياسية هو ترجمةٌ لرغبة جلالة الملك في الوصول الى مجتمع أردني عصري، يشارك كل أبنائه في صنع حاضره والتخطيط والعمل لمستقبل أردن مستقر”. و”لا يتأتى استقراره بالاعتماد على جهود المؤسسة العسكرية والأمنية فحسب”، يصيف ربيحات، و”انما بإرساء قواعد الحرية والعدل والمساواة من أجل الوصول الى حالة سلام، وئام وأمن اجتماعي بحيث يكون كل إنسان في مكانه الصحيح، ولديه وسائل وطرق مناسبة وقانونية ومشروعه لمواصلة أنشطته لتطوير الحالة السياسية”.

ربيحات يعرب عن الاعتقاد بأن “جميع الذين انخرطوا بالعمل العام يقرون بهذا الهدف. لكننا مختلفون على كيفية تنفيذه، فالبعض يرى أن الأردن قوي جدا - وأنا منهم - بحيث أنه قادر على أن يشرع للمستقبل ويصنع قوانين هدفها التمكين، إطلاق الطاقات، وغايتها الأساسية أن يشارك الجميع في بناء الأردن تحت مظلة الدستور”. وليس ثمّة شك لدى ربيحات بأن الغالبية “تؤمن بالثوابت دون اعطاء أولوية للمصالح الشخصية أو لمجموعة أفراد يتباكون على أمن الوطن او يخوفون الآخرين من أي تغيير يمكن أن يؤثر على مستقبل الوطن”.

ويخلص إلى القول “لا أشك بأن الجميع يحب البلد ولكن كل واحد يحب البلد على طريقته”.

وعن تجربته في إدارة الوزارة، يؤكد ربيحات “أنه حاول ترجمة الرؤى الثلاث بشكل عملي” لافتاً النظر إلى أن “ مرجعيات عملي كانت الدستور، كتاب تكليف حكومة معروف البخيت (2005-2007)، و بيان الحكومة الذي حصلت بموجبه على ثقة مجلس النواب السابق”.

ربيحات وفريقه عملوا على ثلاثة محاور: التشريعات، ورفع مستوى الوعي بالمشاركة والمبادرات. في المحور الأول قدمت “التنمية السياسية” مع الوزارات المعنية، قانون البلديات، بحسب ربيحات ويرى أن “التنمية السياسية موجودة في كل مفاصله بما في ذلك الكوتا النسائية”. الغاية من تعديل ذلك القانون كان “إتاحة الفرصة للمرأة للمشاركة في الإدارة المحلية، وبذلك حدث تغيير هام جدا لا يلتفت اليه الناس كثيرا، وهو أن 20 % من أعضاء المجالس المحلية من الإناث”. ويتوقع الوزير الأسبق أن يكون هذا التغيير “مقدمة لتغييرات أخرى قد نشهدها بعد أن يرى المواطن الأردني المرأة في موقع صناعة القرار داخل مؤسسات المجتمع المحلي”.

وفيما يتعلق برفع مستوى الوعي يقول ربيحات “لعل عمل الوزارة في هذا الميدان شكل سابقة، إذ تبّنت الحكومة برنامجاً نوعياً للتعريف بحقوق المواطنين وأشكال انتهاكاتهم من خلال وسائل الإعلام، والاتصال المباشر”.

وفي محور المبادرات كانت المبادرة الاكثر اهمية هي برلمان الشباب ومقترح ساحة الحرية وبرنامج تعميق صلة المغتربين بالوطن.

يختلف الوزيران السابقان بشأن قوى الشد العكسي الرافضة لإحداث تنمية سياسية حقيقية. ففي حين يرى العوران أن “تأثيرهم كان قوياً وموجوداً سواء في الحكومة وعلى نحو أقوى داخل مجلس النواب (السابق)، ينفي ربيحات تعرضه لضغوط. ويوضح ربيحات أن “الوزراء يعينون بإرادةٍ ملكية ويتمتعون بثقة القيادة وينتدبون لتنفيذ توجهات جلالة الملك. وهي واضحة ومعلنة في كل مرحلة، بالتالي ليس من حق أحد أن يدعي أنه يحمل تفسيراً للتوجيهات غير تلك الواردة في كتب التكليف وخطابات العرش.”

ويقول: “لم يحدث في يوم من الأيام أن كان هناك أي تعارض بين عملي كوزير للتنمية السياسية وعمل الحكومة. كنا جميعاً نحب بلدنا ونسعى الى تنفيذ البرامج باجتهادات لا تخرج عن أطر هذه البرامج. ولم يكن هناك أي عمل خارج عن تلك الأطر التي رسمتها الحكومة لنفسها”. كذلك تختلف مقاربتا الوزيرين حيال قانون الأحزاب. إذ يرى العوران أن قانون الأحزاب يحتاج الى “تطوير وتغيير”، مذكرا بأنه كان “ضد رفع عدد مؤسسي الأحزاب من 50 إلى 500 شخص”. ويشرح أن من “الممكن أن يكون المؤسسون خمسة أو عشرة أشخاص، لكن المهم هي الجماهير المناصرة والمؤيدة لتوجهات ومرتكزات هذا الحزب او ذاك”. إلى ذلك يستذكر كيف “رفع أحد النواب عدد المؤسسين الى 500 وأيده الآخرون برفع أيديهم”،انسجاماً مع مضامين القانون الجديد.

ويطالب العوران “بتعديل قانون الأحزاب بحيث يتيح الفرصة ويشجّع الناس على الانتساب إليها” مذكراً “بالخوف لدى الشباب تحديداً من الانتماء للأحزاب”

في المقابل يشير ربيحات الى “جوانب إيجابية” في قانون الأحزاب. ويقول: “ربما لايكون قانون الأحزاب مثالياً، لكنه بالتأكيد يشتمل على أبعاد جديدة في التشريع المنظم لعمل الأحزاب، وينص صراحة على عدم جواز الملاحقة الأمنية لأعضاء الأحزاب فضلا عن تخصيص موارد مالية من الخزينة للأحزاب والسماح لها بعرض برامجها عبر وسائل الإعلام الرسمية، وتخفيض سن المؤسسين لهذه الأحزاب، ومحاولة دفعها لتأخذ طابعاً وطنياً يتجاوز المحلية من خلال أن يكون هناك في الهيئة التأسيسية أعضاء من خمس محافظات على الأقل”.

لكن رغم التصريحات الرسمية بضرورة تعديل قانون الانتخاب لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تغيير هذه التشريع الموضوع عام 1993.

العوران ينحو باللائمة على مجلس النواب في عدم إقرار قانون الانتخابات التشريعية ويقول: “كان هناك تراجع وتمهل في إخراجه من إدراج مجلس النواب، وهو قانون مهم جدا، وعلينا أن نكون حكيمين وجريئين لا أن نتخوف من أي شيء يؤثر سلباً على نوعية النائب ولنأخذ من العالم الأساليب الحديثة في الانتخاب”.

يقول ربيحات من جانبه أن الحكومة باشرت “حواراً مع قوى المجتمع المدني، ولا أدري لماذا توقف، وكنا نأمل أن يستمر العمل به من أجل أن يكون هناك قانون انتخاب عصري “.

يعمل في “التنمية السياسية” 54 موظفاً، غالبيتهم منتدبون ويتلقون رواتبهم من وزارات أخرى. ويصنف ربيحات هذه الحقيبة- التي تقدر موازنتها السنوية ب 400 ألف دينار زادت الى مليون حاليا- بأنها أفقية يتداخل عملها مع عمل الوزارات الأخرى، مهمتها حفز وتحريك الحوارات الوطنية وتشجيع الناس على الانخراط في الحياة السياسية.

آفاق وطموحات التنمية السياسية بين "الحقيبة" والنوايا – خالد ابو الخير
 
27-Dec-2007
 
العدد 7