العدد 41 - ثقافي | ||||||||||||||
نادر رنتيسي معركة كبيرة تلك التي دارت رحاها بين إدارة التلفزيون الأردني، وبين المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، على خلفية إحجام الأول عن شراء أعمال الثاني. المعركة دارت في وسائل إعلام مختلفة، تم خلالها تراشق الاتهامات بين الطرفين، غير أنه لم يخرج بعد مهزوم أو فائز من تلك المعركة!. المؤتمرات الصحفية، والتصريحات المتبادلة، ، لم تزد الأزمة إلا حطباً، ونفياً بالمقابل يستند إلى الكثير من الحجج. التلفزيون واجه بمديره العام بالوكالة، جرير مرقة، اتهامات أخطر من «تغييب» الأعمال الأردنية عن الشاشة المحلية، ليس أقلها الانحياز إلى «الرؤية» السورية للثورة العربية الكبرى، بشراء «لورنس العرب»، و«تجاهل» مسلسل «عودة أبو تايه» الذي يقدم، بحسب منتجيه، وجهة نظر أردنية للحقبة نفسها. النفي المتكرر من التلفزيون عن عدم نية عرض «لورنس العرب» جاء استدراكاً، في ما يبدو، لامتناع التلفزيون الكويتي عن شرائه، حرصاً على علاقات دولته بالأردن والسعودية. «لورنس العرب» يتضمن، بحسب تقارير صحفية، قراءة أخرى للثورة التي قادها الشريف الحسين بن علي، تظهر كما لو أنها «تمرد» يقوده لورنس، فضلاً عن احتوائه «مغالطات تاريخية، ومصادرة لدور أبناء قائد الثورة». وإن كان مرقة قال إن أي قرار نهائي بشأن شراء «لورنس العرب» لم يُتخذ، وإنه تم تشكيل لجنة لدراسة العمل وطلب تعديلات تنسجم والرؤية الأردنية..، فإن ذلك لم يقلل من تفاصيل الأزمة التي يكثر فيها الاجتهاد. التفاصيل الأخرى تركزت حول المبالغ المالية، حيث بدا «حديث الأرقام» متضارباً بين الجهتين، ولا يمكن أن يحال إلى رقم «تقريبي» بين روايتي التلفزيون والمركز. فمسلسل «أسمهان» يقول المركز إنه تم شراؤه بـ600 ألف دينار أردني، فيما «يعترف» التلفزيون بثلث المبلغ فقط، مع إشارة إلى أن المبلغ تم تغطيته بـ«الكامل» عبر «الإعلان الكبير الذي تم حجزه في فترة عرضه»، بحسب مرقة. وإمعاناً في أدلة الأرقام، فنّد التلفزيون ذلك الرقم في ظل اتجاهه لخفض النفقات والتقشف والتقنين، بما يؤدي إلى توفير مبلغ يصل إلى زهاء مليوني دينار ،كانت تتكبدها المؤسسة كل عام خلال رمضان، مع الإشارة إلى مغالاة المركز في مطالبه المالية. مدير المركز العربي طلال العواملة تصدى بدوره، وباللغة المرقمة نفسها إلى دفوع مرقة، وجزم أن الأسعار التي تم تقديمها للتلفزيون «تفضيلية ومشجعة». وأورد مثلاً مسلسل «أبو جعفر المنصور» الذي طلب فيه المركز مبلغ تسعة آلاف دينار للحلقة الواحدة، في حين قال إن إدارة التلفزيون دفعت سبعة آلاف دينار لمسلسل «أسمهان»، مع التأكيد أن تكلفة إنتاج «أبو جعفر المنصور» جاءت ضعف تكلفة مسلسل «أسمهان». بيد أن «سجال الأرقام» وتقديم الأدلة لدحض الأدلة المقابلة، لم يمنع من قراءة أبعد من التصريحات المعلنة، وإن كانت تخفي «صراعاً آخر» كان يبرز بكلمات مثل «جهات تستقوي»، وأخرى ترد بـ«نوايا لاستهداف الإنتاج الأردني المتميز». ثمة، أمور طارئة هذا العام، فرضت المواجهة بين التلفزيون والمركز العربي الذي بات يستحوذ على نسبة 95 بالمئة من الإنتاج الدرامي المحلي. يعزز ذلك أن الأمور كانت «على ما يرام» بالنسبة للمركز في السنوات الأخيرة؛ فقبل دورتين رمضانيتين اشترى التلفزيون ثلاثة أعمال للمركز هي: «الشمس تشرق من جديد»، «دعاة على أبواب جهنم»، و«الأمين والمأمون»، وتم عرضها في أوقات «مثالية». العام الماضي، كذلك، كان حضور أعمال المركز قوياً على الشاشة المحلية، حيث تم شراء ثلاثة أعمال أخرى هي: «نمر بن عدوان»، و«وضحة وبن عجلان»، و«الاجتياح». «الشخصنة»، وحسابات أخرى تطرق لها العواملة في مناسبات صحفية متعددة، تفضي إلى أن ثمة «حسابات مؤجلة» بين إدارة التلفزيون الحالية والمركز. مصادر في المركز تتهم الإدارة الحالية للتلفزيون، بالوقوف ضد شراء الأعمال المحلية، أو تلك التي ينتجها المركز العربي على وجه التحديد، ليبدو السجال المحتدم حواراً غير مباشر دخلت عليه أطراف متضامنة. إلى جانب المركز، اصطفت نقابة الفنانين ونشرت إعلاناً مدفوع الأجر في صحيفتين يوميتين ناشدت فيه رئيس الوزراء الانتصار لمئات العاملين في قطاع الإنتاج التلفزيوني، بحمايتهم من «السياسة المجحفة التي تتبعها الإدارة الحالية لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون». بينما أبدى اتحاد المنتجين الأردنيين، ممثلاً برئيسه محمود الشيبي، استغرابه من الاتهامات الموجهة للتلفزيون باستهداف الأعمال الدرامية المحلية واستبعادها. الشيبي اعتبر في بيان تزامن مع المؤتمر الصحفي لجرير مرقة، ما يحدث «استقواء على التلفزيون لفرض بعض الأعمال بالقوة وبأسعار مرتفعة، تحت ادعاء دعم الإنتاج الأردني». العودة إلى تلك التفاصيل ،لا تعني استبعاد اجتهادات متداولة بقوة في الوسطين الإعلامي والفني في أمر طرأ هذا العام، وكسر ما يسمى عند أوساط صحفية فنية، «الود المبالغ فيه» بين التلفزيون والمركز، عندما قام الأخير بشراء قناة ATV الخاصة. المركز، وإمعاناً في تأكيد التنافس المرتقب مع بدء البث رسمياً مطلع العام المقبل، شرع في التعاقد مع كفاءات «عريقة» عملت في التلفزيون الأردني لسنوات، على رأسها مديره الأسبق وأحد أبرز مذيعيه المخضرمين إبراهيم شاهزادة. تجارب عربية معروفة، في دول عربية قريبة وبعيدة، شهدت تفوقاً سريعاً للإعلام الخاص على الرسمي في استقطاب المشاهد الباحث عن جزء «مختلف» من الحقيقة، وكمّ كبير من المتعة. وكان تعثر انطلاقة ATV، أكثر من مرة، قد أجّل وضع التلفزيون الأردني أمام «المحك» الحقيقي في منافسة الإعلام الخاص، وهو ما بات بحكم المؤكد خلال الأشهر القليلة المقبلة، التي سيدخل فيها الإعلام المرئي حالة قريبة من التنافس فيما يدخل التلفزيون المحلي مثقلاً بالمديونية، والخاص بهاجس البحث عن الجمهور الموزع اهتماماته على القنوات العربية المكرسة عبر عقد ونصف العقد. |
|
|||||||||||||