العدد 41 - كتاب
 

يشعر قارئ كتاب: "في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية"، للناقدة الإفريقية آنيا لومبا، من ترجمة محمد عبد الغني غنوم، والصادر أخيرا عن دار الحوار اللاذقانية دون تقديم أو تعريف بالكاتبة أو الكاتب، أن كتبا أخرى مثل: "معذبو الأرض" لفرانز فانون، و"الاستشراق" لإدوارد سعيد، ارتقت وباتت من الأعمدة الكلاسيكية في مكتبة حقل الدراسات الذي يُعنى بالاستعمار وما بعده، رغم أن الكتابين الأخيرين ليسا من المراجع الواردة في الكتاب، بل إن هذه المراجع نسوية نقدية في أغلبها. لكن الكتاب في الوقت نفسه يمثّل إضافة واستمرارية وليس انقطاعا، وربما لذلك يشعر القارئ بهذا الإحساس.

غير أن من الصعب إحالة منهج الدراسة في هذا الكتاب الذي جاء في 285 صفحة من القطع الكبير، للنسوية النقدية وحدها، لأن هناك تداخلات بين التيارات النقدية الراهنة مثل ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية والماركسية وغيرها.

لكن "في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية" يعزز من مقدرة القارئ غير المتخصص على التمييز المعرفي بين كثير من المصطلحات النقدية التي يجري استخدامها في هذا الحقل: دراسات ما بعد الاستعمار. كما تنبه آنيا لومبا إلى أن هذه الدراسات ينبغي أن لا تنعزل عن دراسة الآثار الاقتصادية للظاهرة الاستعمارية على الطرفين الشريكين في المعادلة: المستعمِر والمستعمَر.

وإذ تقتبس آنيا لومبا من أحد مراجعها معلومة مفادها أن الاستعمار الأوروبي بحلول الثلاثينيات من القرن الماضي كان غطى ما مساحته 84.6 بالمئة من مساحة الكرة الأرضية، فإنها عبر دراستها الأكاديمية هذه: "في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية"، ترى أن هذه الكتلة الهائلة من التاريخ الإنساني جرى تفتيتها إلى تاريخ قوميات تحمل عن ذواتها أفكاراً ذات طابع رومانسي تحيل، من بين ما تحيل إليه، إلى ما هو غير دنيوي لجهة علاقة تلك بالاستعمار واستهدافه لها، الأمر الذي جعل من أي بحث علمي لهذه العلاقة انطلاقاً من الرؤية القومية ينطوي على قَدْرٍ هائل من التبسيط في النظر إلى التاريخ الانساني مثلما في النظر إلى تاريخ العلاقة المشتركة.

في هذا السياق تنظر آنيا لومبا إلى الظاهرة الاستعمارية بوصفها تتجاوز نطاق التاريخ المشترك إلى ما هو أكثر سعة منه. وفي الوقت نفسه، هذا الاتساع في الظاهرة لا يحول دون دراسة فاعليات الاستعمار في نطاق العلاقة المشتركة في ضوء تطور العلوم الاجتماعية من جهة، والتطور الاجتماعي والاقتصادي للظاهرة نفسها وآثارها المباشرة في البلد والأمة الاستعماريين أيضا.

تدعو آنيا لومبا في كتابها إلى تغيير وجهة النظر في دراسة الظاهرة الاستعمارية وأخذها بشموليتها الإنسانية، بهدف الحيلولة دون إسقاط أي مفاهيم أو مقولات دينية أو رومانسية عاطفية لا تخلو من التطرف، وبعيدة كل البعد عن أي منهج علمي. ما يعني أن البدء بدراسة هذا التاريخ الانساني المشترك بدءاً من عموميته وبدءاً من أثر الظاهرة الاستعمارية الاقتصادية في الطرفين، سيكون عبر مناهج حديثة في حقول علمية مختلفة، وسيؤسس لنتائج علمية تجعل من الطرفين معاً قادرين على الوصول لفهم أحدهما للآخر دون سذاجة. ما يعني أيضاً أن ذلك سيقود إلى فهم استمرارية هذه الظاهرة بأقلّ قَدْر ممكن من الأوهام حول الذات وحول الآخر، ومن هنا هذه الأهمية الحاسمة لهذا الحقل المعرفي: دراسات ما بعد الاستعمار.

وحقيقة الأمر، أن الكتاب كأنما كُتِبَ بقلم واحد من مثقفي العالم الثالث في حقلٍ تحتكر الثقافةُ الغربية إنتاجَ المقولات فيه، ولا تريد أن تصغي لأي "عقل" آخر يهدد هذه الثقافة بتغيير صورتها عن نفسها. فهذا أمر غير مرغوب فيه، عملياً، حتى في أقوى الأكاديميات الغربية وأكثرها رقياً.

بهذا المعنى، يبدو الكتاب إعادة قراءة عميقة للذهنية التي اشتقت جملة المعاني والاصطلاحات التي تُستخدم في حقل دراسة الاستعمار وما بعد الاستعمار، بمنأى عن التعميم السهل أو المواقف المسبقة.

صدر الكتاب في لندن في العــام 2001، بعنــوان آخر غير الــذي ظهر عليه بالعربية، هو:

The Colonialism and the Post colonialism.

جهاد هديب: دراسة الظاهرة الاستعمارية بشموليتها الإنسانية
 
28-Aug-2008
 
العدد 41