العدد 1 - ثقافي | ||||||||||||||
هكذا تكلم، قبل بضع سنوات، فتحي البس، المدير العام لدار الشروق للنشر والتوزيع ونائب رئيس اتحاد الناشرين العرب، في معرض حديثه عن معوقات انتشار الكتاب العربي وتزمت الرقابة وانحسار الديمقراطية وحرية التعبير. ويبدو الآن أن الصورة العامة، وإن بدا عليها بعض التحسن الظاهري الطفيف في ناحية أو اثنتين، قد ازدادت سوءا في نواح عديدة أخرى.
هل ثمة تغيرات أساسية في الآونة الأخيرة في أوضاع صناعة الكتاب العربي؟
ما زال توزيع أي كتاب في كل الدول العربية يحتاج إلى الحصول على إذن الرقابة المحلية المسبقة قبل الطباعة أو التوزيع. وتتفاوت صرامة الرقابة من دولة إلى أخرى. وحيث تزدهر صناعة الكتاب في بعض الدول، كلبنان ومصر، فإن القوانين الصارمة يتم التغاضي عنها في كثير من الأحيان وحسب الأحوال السياسية السائدة، ولكنها تمارس بصرامة وفجأة ضد عناوين منتقاة ومؤلفين يصنفون على أنهم تطاولوا على الدين والآداب العامة أو نظام الدولة أو الدول الصديقة.
وكيف نتجاوز هذه المعيقات؟
الطريق طويل ووعر، وما زلنا، على الصعيدين العربي والعالمي، بعيدين عما ينبغي عمله في هذا السبيل. فالعالم، بقرار من اليونسكو، يحتفل في الثالث والعشرين من نيسان من كل عام باليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف والنشر. ويهدف الاحتفال إلى تأكيد الأهمية التاريخية للكتاب، كواحد من أهم أوعية حفظ الثقافة ونشرها وتوزيعها، وضرورة الاهتمام بصناعة النشر، وبحقوق التأليف وصونها ومحاربة ظاهرة العزوف عن القراءة، المستشرية التي تتفاقم كل يوم، حيث يتوجه الجمهور إلى الحلول السهلة لتحصيل المتعة أو المعرفة غير الكافية من وسائل الإعلام الأخرى، وخاصة التلفزيون. وتحتفل العديد من دول العالم بهذا اليوم ببرامج ثقافية كثيرة ومتعددة ومتنوعة، يشارك، فيها السياسيون والقراء والمؤلفون والمبدعون وأمناء المكتبات. وأسوق على سبيل المثال، احتفال مصر منذ عامين باليوم العالمي للكتاب، فقد أُطلقت حملة وطنيه شاملة تحت شعار "الكتاب مصدر الإبداع"، خصص فيها يوم مفتوح على شاشات التلفزيون وشبكات الراديو لإجراء الحوارات والمقابلات مع رموز الفكر والمعرفة والثقافة، في مصر والعالم العربي، إضافة إلى برامج مختلفة في الجامعات والمدارس والمصانع والأحياء المختلفة. وكم كنت أتمنى لو يتم تنظيم احتفال مشابه لدينا في الأردن، في مرحلة يتم الحديث فيها على أوسع نطاق في بلدنا، وعلى كافة المستويات والصعد، عن أهمية الثقافة والتنمية السياسية والتعددية وإطلاق الحريات ، وهي التي يمثل الكتاب واحدا من رموزهـا الأساسيــة. وليــت وزارة الثقـــافة ووزارات التربية والتعليم العالي ومؤسسات وزارة الإعلام تبادر لإطلاق حملة وطنية لتشجيع القراءة ودعم الكتاب وصناعتـه، ومؤلفيـه، والحفاظ على حقوقهم.
كثيرا ما يدور الحديث في أوساط الكتاب والمؤلفين والناشرين على السواء عن القرصنة بأشكالها المتعددة، وهي واسعة الانتشار في إنتاج الثقافة عموما، فماذا تقول؟
- هذه إحدى المشكلات الكبرى البالغة الأهمية، إذ إنها تؤدي إلى خسائر مادية فادحة للناشر والمؤلف، فتهدد الأول وتحرم الأخير من حقوقه الناجمة عن بيع النسخ المقرصنة كبديل للنسخ الأصلية . وذلك ما يجعل الناشرين يفكرون ألف مرة قبل إنتاج أعمال كبرى أو أي كتب مهددة بالقرصنة، وتؤدي إلى تثبيط همة المؤلف وإحباطه ، وفي نهاية الأمر، يحرم المجتمع من إنتاج ثقافي وإبداعي يسهم في تطوره وسرعة نموه. والحماية مسؤولية جماعية، يشترك فيها القائمون على تفعيل وتنفيذ القوانين والتشريعات، ومؤسسات المجتمع المدني وأفراده عموماً.
وما هي، حسب خبرتك، طبيعة القرصنة التي تتعرض لها صناعة النشر ، أردنياً وعربياً؟
أول هذه الأشكال هو السطو على المحتوى. ويمارسه في العادة مُدَّعو التأليف والإبداع والابتكار، بحيث يلجأون إلى السرقة الحرفية أحياناً للنص، والسرقة المُمَنْتجة في أحيان أخرى، بتغيير الترتيب أو العناوين الرئيسية و الفرعية ، وفي أحيان أخرى الاقتباس، دون توثيق أو إشارة، لأجزاء كبيرة جداً، و غير ذلك من الأساليب التي يمارسها كتاب ومؤلفون أحياناً، وقراصنة يغيرون أسماء المؤلفين، أو ينسبونها إلى أنفسهم ، دون وجه حق، وأظن أنه تم الإعلان عن كثير من حالات القرصنة التي تمت في الأردن خلال سنوات سابقة . والنوع الثاني هو استنساخ الكتاب بكميات تجارية وبيعه بأسعار أرخص. وذلك لأن القرصان لا يتحمل أيّاً من كلف الإنتاج الأساسية، إذ إنه لا يدفع حقوق تأليف، ويستنسخ الكتاب كما هو، متحملاً ثمن الورق وكلفة الطباعة فقط، موفراً الكلفة الباهظـــة لحقوق التأليف والإنتاج من صف وإخراج وتصميم وتدقيق وخلافه و التي يدفعها الناشر عند إصداره للكتاب . وللأسف، فإن هؤلاء القراصنة، يلقون أحياناً حماية اجتماعية، بادعاء توفير الكتاب بأسعار تتناسب مع القوة الشرائية، ويلبس هؤلاء القراصنة ومن يشجعونهم جبة الواعظ، الحريص على نشر المعرفة، الذي يمنع الاستغلال من قبل الناشر والمؤلف. وقد ظهر في السوق الأردني توجه خطير، هو قرصنة الكتب العربية و الأجنبية، التي نادراً ما يكتشفها أصحاب حقوقها، وإن اكتشفوها فإنهم يكتفون بالتشهير بالأردن كمركز للقرصنة، تجنباً لكلفة التقاضي أو يأساً من الوصول إلى نتيجة.
إذن، ما هو الحل؟ وما هي الإجراءات اللازمة للقضاء على ظاهرة القرصنة والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، أو على الأقل الحد منها إذا كان القضاء عليها مستحيلاً ؟!
- أرى أن الأمر يتطلب إجراءات محلية فيما يتعلق بالكتاب الأردني والعربي، وأخرى خارجية فيما يتعلق بالكتاب الأجنبي . إذ ينبغي، على المستوى الوطني، إطلاق حملة وطنية للتوعية بالآثار المدمرة للقرصنة على الأردن، وتوضيح الشراكة بين الناشرين والمؤلفين وتنظيم العلاقة القانونية بينهم، والتوقف عن التراشق والاتهامات.
لا يمكن أن تزدهر حركة التأليف بدون صناعة نشر مزدهرة، ولا يمكن أن يكفل ذلك إلا الالتزام بحماية حقوق الملكية الفكرية وحصول أطرافها على حقوقهم كاملة . كما يتوجب على المؤسسات التعليمية اتخاذ أشد الإجراءات التأديبية بحق الأساتذة الذيــــن يخالفون القوانين والأنظمة، ويعملون على استغلال وضعهم لتحقيق مكاسب مادية شخصية، وكذلك منع التدريــس بدوسيات مصورة أو كتب منسوخة، ومنع الاستنساخ غير القانوني في مؤسساتهم، وتوعية الطلبة إلى أهمية اللجوء إلى استخدام النســخ الأصلية طالما كانت متوفرة أو يمكن الحصول عليها، وأن يتم طلب حق الاستنساخ القانوني وفق نصوص قانون حماية حق المؤلف . وينبغي أيضا تفعيل تطبيق قانون حماية حق هذا المؤلف، وزيادة تدخل المكتبة الوطنية، وتشجيع أصحاب الحقوق على تنظيم قضايا أصولية تسد الثغرات التي يستفيد منها القراصنة.
صدر منذ فترة قانون جديد معدل لقانون المطبوعات والنشر في الأردن. فهل من تغيير حقيقي؟
نعم ... هناك تغيير جوهري ...فقد ألغيت الرقابة المسبقة على طباعة الكتب المحلية، وترك الأمر للمتضرر ليلجأ إلى القضاء لاتخاذ إجراء منع تداول الكتاب. وهذا إجراء سليم يتيح للمؤلف وللناشر إنجاز الطباعة بدون تعقيدات، وممارسة رقابة ذاتية ومنطقية بحيث لا يكون هناك تجاوز أو اعتداء على حرية الآخرين أو معتقــــداتهم. وفي حالة الخلاف يكـــون الحكم للقضاء. وذلك أفضل بكثير من أحـــكام الرقيـــب الجزافية التي حرمت المواطن الأردني في السنوات السابقة من عشــرات العناوين المهمة لمبدعين وسياسيين تبوأ بعضهم مناصب عليا في الدولة لسنوات طويلة، فأرخوا لمرحلتهم وكان لهم رؤية مخالفة لمعتقدات الحكومة ومزاج الرقيب.
إن هذا التغيير جوهري لأنه يترك المجال للرد على الرأي بالرأي المخالف وعلى الكتاب بكتاب، مما يثير حراكاً ثقافياً وسياسياً واجتماعياً يقود إلى التفاعل الوطني والإبداعي الايجابي. وآمل أن لا تأخذ دائرة المطبوعات والنشر صفة الادعاء في حالة صدور كتب تثير قضايا جوهرية، وان تترك الأمر للمواطنين ولأصحاب الرأي والقلم أن يلجأوا هم إلى القضاء..وأشير إلى هذه النقطة لأن في دائرة المطبوعات من استمرأ الرقابة واتخذ صفة الادعاء على الكتاب والناشرين وتحويلهم إلى القضاء، كما حصل منذ فترة عندما ادعت دائرة المطبوعات والنشر على عدد من كبار الناشرين والموزعين بتهمة توزيع كتب ممنوعة، وتبين فيما بعد أن لا أساس لهذا الادعاء.
كما صدر منذ فترة قرار من الدائرة بالرقابة المسبقة على المواقع الالكترونيـة، في رغبة لممارسة دور الرقابة التي لا تتنازل عنها الدائرة بسهولة.
ولا اعرف الحكمة من تغيير آخر حصل بشأن الرقابة على الكتب الواردة من الخارج للتوزيع في الأردن، حيث ترك القانون لمدير المطبوعات والنشر وضع الإجراءات المناسبة لدخول الكتاب، وترك قرار منع التداول للقضاء. وواقع الأمر أن المستورد لن يذهب للقضاء من اجل رفع دعاوى شبه أسبوعية احتجاجاً على قرار منع تداول بضع نسخ من كتاب يستورده، لأن في ذلك كلفة باهظة وإرغاماً للموزع على البقاء في المحاكم باستمرار.
والصحيح هو أن يدخل الكتاب إلى الأردن بدون إجراءات معقدة ويترك الأمر أيضا للقضاء إذا ما لجأ إليه المتضررون، كما هي الحال بشأن إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب المطبوعة في الأردن، وبذلك يتاح للمواطن الأردني تلقي منتجات الإبداع والفكر والمواقف المختلفة دون وساطة، كما نص على ذلك الدستور ومواثيق حقوق الإنسان. |
|
|||||||||||||