العدد 41 - أردني
 

حسين ابو رمّان

يتجه الأردن منذ سنوات وبسرعة نحو استغلال أمثل للميزة النسبية لإنتاجه الزراعي في الأغوار. وادي الأردن لم يعد مجرد سلة غذاء، بل أصبح مصدراً مهماً من مصادر الدخل المحلي والدخل من العملات الصعبة. لم يكن هذا ممكناً لولا إدراك أهمية التنمية المستدامة للزراعة بما تشتمل عليه من اهتمام بجودة المنتج وسلامته من التلوث، واهتمام الدولة بتوفير مزيد من المياه للأغراض الزراعية. وادي الأردن يعمل كبيت زجاجي طبيعي، ما يميزه عن أي منطقة أخرى. لكن فقر الأردن في مصادره المائية، يفرض أن تكون الأولوية في الاستخدامات المائية لمياه الشرب، ثم تأتي الزراعة ثانياً والصناعة تالياً.

الأردن رابع أفقر دولة في العالم بالمياه، يبحث عن معادلة للسيطرة على إدارة أزمة شح المياه، وتعظيم المردود الاقتصادي لميزته النسبية في الزراعة الشتوية. ومع شح المياه في المملكة، فإن وادي الأردن خزان البلاد المائي، يوفر 80 بالمئة من مياه العاصمة، 70 بالمئة من مياه الزراعة، و30 بالمئة من المياه المستخدمة في الصناعة.

سلطة وادي الأردن تتولى الآن إدارة الأمن المائي، العناية بالزراعة المروية، تأمين الوحدات السكنية، وتمثيل الحكومة لضمان حقوق الأردن المائية من دول الجوار من خلال اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل، واتفاقية حوض اليرموك مع سورية.

توفير المياه اللازمة للاستخدامات المختلفة، يتطلب العمل لتفعيل نظام الري في وادي الأردن، تحسين نوعية المياه المعالجة في محطة الخربة السمراء. رئيس الوزراء نادر الذهبي افتتح يوم 23 آب/أغسطس مشروع محطة الخربة السمراء الذي يشكل "إضافة نوعية جديدة لقطاع المياه والصرف الصحي"، حسبما أكد وزير المياه والري رائد أبو السعود. أمين عام سلطة وادي الأردن موسى الجمعاني، أوضح أن مشروع الخربة السمراء سيسهم في انتظام تزويد سد الملك طلال بالمياه الصالحة للزراعة وفي الحد من تلوثها، وقد بات ممكناً استخدام هذه المياه في "الزراعات المروية غير المقيدة".

يستخدم الأردن نظام ري بالأنابيب المضغوطة لتخفيف الفاقد، هو الأكثر تطوراً في منطقة الشرق الأوسط، ولا مثيل له في أوروبا سوى في فرنسا وجنوب إسبانيا. مركز التحكم لهذا النظام يقع في ضرار بالغور الأوسط، ويتحكم بالمياه القادمة من السدود إلى قناة الملك عبدالله، ومن القناة إلى شبكات التوزيع. يعمل هذا النظام الذي يتولى عملية جمع ونقل وتوزيع المياه بكفاءة عالية تبلغ 90 بالمئة، وهي أعلى نسبة كفاءة في العالم، بحسب الجمعاني.

مالت السياسات الزراعية مع بداية التسعينيات إلى التأثر بنصائح البنك الدولي الرامية إلى تقليص استخدام المياه للأغراض الزراعية. كما واجه تصدير المنتجات الزراعية لا سيما الخضراوات إغلاق بعض الأسواق الخليجية لما كان يتردد عن ري المزروعات بمياه ملوثة قادمة من محطة الخربة السمراء، ووجود نسبة عالية من أثر المبيدات فيها.

الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية لخّصت لدى صدورها عام 2002 أبرز التطورات على الزراعة المروية في وادي الأردن بـ: تذبذب كمية وتردي نوعية المياه المتاحة للري، التوسع في المساحات المروية، تكثيف الإنتاج من خلال إدخال الزراعات المكثفة والمحمية، تطوير أنظمة الري، تعديل قانون تطوير وادي الأردن، التوسع في زراعة الأشجار، الاستثمار الزراعي في وادي عربة، والمكافحة المتكاملة بما ينسجم والتشدد في مواصفات المنتجات الزراعية وازدياد الوعي عند المستهلكين.

وكشفت الاستراتيجية الزراعية على صعيد السياسات عدة مظاهر ضعف تتجلى في مشاركة القطاع الخاص في التخطيط للتنمية الزراعية، وفي التعاون والتنسيق بين المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالتنمية الزراعية، وعلى صعيد السياسات الحكومية في مجال تدريب وتأهيل العاملين في قطاع الزراعة.

استمرار إغلاق أسواق السعودية أمام الصادرات الأردنية من الخضراوات دون مبرر مقنع بعد أن أثبتت كفاءتها في الأسواق الأخرى، شجع على البحث عن أسواق جديدة، ونجحت الصادرات الزراعية الأردنية في تكريس حضورها في أسواق أوروبية صعبة.

في هذا الإطار يمكن الاستشهاد بقدرة الأغوار الجنوبية على إنتاج أنواع من العنب المعروف في تركيا، والاستفادة من نضوجه المبكر قبل العنب التركي بأسبوعين لتوليد طلب عليه من قبل المستوردين الأتراك. وهناك الزراعة التعاقدية التي يتم فيها تجهيز المنتج الزراعي وفق المواصفات التفصيلية التي يطلبها المستورد.

هناك تحسن في النمط الزراعي، ودخول محاصيل جديدة إلى غور الأردن مثل النخيل الذي يتسم بالقدرة على تحمل الملوحة، وإنتاج محاصيل متعددة جداً تحمل شهادة الأداء الزراعي الجيد "اليوروجاب"، و قد نجحت هذه التجربة التي بدأ العمل بها من قبل القطاع الخاص عام 2002.

تم تطبيق هذا التوجه الزراعي الريادي عام 2003 من خلال مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ،بتنفيذ مشروع زراعي في منطقة الكرامة ذات التربة والمياه متدنية النوعية، وبإشراك مجموعة من صغار المزارعين أنشأوا تجمعاً يضمهم وقاموا بتصدير عشرات الأطنان من البامية والبازيلا الى الأسواق الأوروبية.

في مؤتمره الزراعي الرابع المنعقد يوم 20 آب/أغسطس الجاري، طالب الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين بـ "إعادة دراسة الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية وتعديلها ،لتكون معبرة عن مصالح الشريحة الأوسع من المزارعين ومتوافقة مع التزاماتنا اتجاه البيئة والتنمية المستدامة".

محمود العوران مدير عام اتحاد المزارعين، يفسر الحاجة لإعادة دراسة الاستراتيجية الوطنية (2002-2010)، بتطور الاهتمام الرسمي بالزراعة مقارنة مع بدايات الألفية. ويلفت النظر إلى أهمية "إخراج صندوق المخاطر الزراعية إلى حيز الوجود"، مستشهداً بالآثار المدمرة للصقيع في الشتاء الفائت.

التسويق الزراعي أحد أهم المعضلات التي ما زالت تواجه القطاع الزراعي، والحل يستلزم إنشاء شركات تسويق زراعية، مراكز تعبئة وتدريج وتخزين، ووضع نظام المواصفة الفنية، وهي أمور تنتظر أن ينهض بها القطاع الخاص.

يشكو منتجون ومصدرون للخضراوات والفواكه من نقص العمالة في وادي الأردن، ما يلحق ضرراً بمشاريعهم وعقودهم التصديرية، ويحملون وزارة العمل مسؤولية عدم إعطائهم تراخيص كافية لتشغيل عمالة وافدة، لافتين الانتباه إلى اقتصار العمالة المحلية على النسائية منها ، لكن هذه الاخيرة لا تستديم ولا تنضبط في العمل رغم توافرها نسبياً وذلك لأسباب اجتماعية.

العاملون في الزراعة يدركون أن وزارة العمل منحت الزراعة في الأغوار ما تحتاج إليه من تراخيص، لكن المشكلة تكمن في متاجرة بعضهم بهذه التصاريح، وتحول بعض العمالة الوافدة من الزراعة إلى الإنشاءات. وبحسب الناطق لإعلامي باسم وزارة العمل رجا طلب، فإن الوزارة تتجه لزيادة عدد المفتشين في الميدان للسيطرة على المشكلة. الحل الجذري لهذا الصداع هو منع أصحاب العمل من استخدام عمالة وافدة في قطاع غير القطاع الذي رخصت للعمل فيه تحت طائلة عقوبات رادعة.

الوجه الآخر لمشكلة نقص العمالة وبخاصة العمالة المحلية، هو عدم توافر شروط العمل والأجر المناسبة، وكذلك غياب التأمينات من ضمان اجتماعي وتأمين صحي، وعدم تحديد ساعات عمل. مما يحد من إقبال العمالة المحلية على الزراعة وبخاصة في الأعمال الفنية والإدارية المساعدة، وتوفير البيئة اللازمة لإحلال العمالة المحلية محل الوافدة.

الحكومة بالتوافق مع الهيئات التمثيلية في القطاع الزراعي من جمعية مصدري ومنتجي الخضار والفواكه ونقابة المهندسين الزراعيين واتحاد المزارعين وغيرهم، توصلت إلى تصور توافقي لإنشاء غرفة زراعة الأردن التي يعول عليها للمساهمة في رسم السياسة الزراعية وتعزيز قطاع الأعمال الزراعية. لكن مشروع القانون الذي قدم لمجلس النواب الأردني، وتعديلات لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب عليه، والتي شطبت تمثيل المهندسين الزراعيين من عضوية مجلس إدارة الغرفة، أخلّت بمتطلبات التمثيل المتوازن للهيئات المعنية، وهو ما ينبغي معالجته قبل صدور القانون.

المياه والتسويق أبرز تحدّيات الزراعة في وادي الأردن: الزراعة الأردنية قصة نجاح لم يكتمل
 
28-Aug-2008
 
العدد 41