العدد 40 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: روبرت أولسون* من غير العادي أن تقوم دورية مثل "المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط"، بنشر مراجعة، في هذه الحالة أطروحة، وضعت قبل نصف قرن تقريباً. لكن حقيقة أن رسالة الدكتوراه التي وضعها وديع جويدة قد نشرت أخيراً بالإنجليزية (كانت ترجمتها التركية قد نشرت في العام 1999)، لا تشير فقط إلى أنها إسهام مهم ومتصل في تاريخ الأكراد، بل أنها أيضاً إسهام جوهري في تاريخ الشرق الأوسط في القرن العشرين. إن عدم نشر عمل جويدة هذا لم يمنعه من أن يكون مطلوباً بشغف، ومستخدماً بكثرة ومقتبساً في صورة كبيرة، وبخاصة بعد السبعينيات، حين بدأ الاهتمام بالحركة الوطنية الكردية ينمو. لدى إعادة قراءة هذه المراجعة، ما زلت أقدر، وبالتأكيد، أستغرب الخصائص التي جعلت الكتاب عملاً مهماً. أولاً، مقارنة بدراسات أخرى حول القومية في العقود الثلاثة الماضية، فإن عمل جويدة يكاد يخلو من اللغة الخاصة بأساتذة العلوم الاجتماعية، مع قليل من النقص في التوضيح. كان جويدة ممتازاً في الإنجليزية مثلما كان في العربية. ثانياً، أنه قدم تلخيصاً جيداً للإرث التاريخي والثقافي للأكراد، وهو ما زال دقيقاً في اعتقادي. ويمكن للقراء الاستفادة من تقييمه للنظم الاجتماعية والقبلية للأكراد، وبخاصة في العراق، رغم أن أعمالاً أنثروبولوجية تالية تقدمت عليه، فقد كان قادراً على الاستفادة في صورة جيدة من معرفته العميقة بالأكراد، الناتجة عن وظيفته وأسفاره وخبراته وملاحظاته ومفاوضاته مع الأكراد بوصفه مديراً للتموين في شمال العراق في منتصف الأربعينيات. ثالثاً، أن معالجته الشاملة للحركة القومية الكردية في العراق وتركيا وإيران لم تضاهها معالجة حتى نشر كتاب ديفيد ماكدوول "التاريخ الحديث للأكراد" في العام 1995. ومثل ماكدوول، لم يغطّ جويدة سورية، وفي هذا الصدد فإن تقييمه لبعض الجوانب أفضل من تقييمات ماكدوول، على الرغم من حقيقة أن ماكدوول كان قادراً على الوصول للأبحاث بشكل أكبر مما توفر لجويدة. رابعاً، لكونه عربياً عراقياً، نشأ في ظل الانتداب البريطاني/ تعرض لتأثيرات الكوادر من الرسميين الذين كانوا عملوا في العديد من المشاريع الاستعمارية البريطانية، فإنه كان قادراً على وضع سياقات للتاريخ العراقي والكردي ومقارنتها بأمثلة أخرى عن أساليب السيطرة الاستعمارية البريطانية. خامساً، في النتيجة، يمثل عمل جويدة معلماً بين الدراسات التي تميز بين الدراسات العلمية الأصيلة وبين أعمال علماء الأعراق والأنثروبولوجيا الاستعماريين الأوروبيين. قلة من المحللين الاستعماريين الأوروبيين كانوا قادرين على تحقيق معالجة شاملة ومعرفية ومنصفة مثل تلك التي قدمها جويدة، فهو عرف تاريخ بلده وسياسته، وكذلك تاريخ جيرانه؛ وطمح إلى وحدة الفهم مقارنة بالتخصص في التعريف. وهو ما يبدو واضحاً في توصيفه الدقيق لنظام عبد الكريم قاسم (1958-1963) بوصفه نظاماً وفر الظروف التي برزت فيها أفضل احتمالات المصالحة بين الأكراد والعرب في القرن العشرين. مثل هذا التفسير أكده إريك دايفيز في كتابه المنشور مؤخرا "مذكرات دولة: السياسة، التاريخ والهوية الجمعية في العراق الحديث" (2005). ربما كان التحدي الأكبر الحالي لعمل جويدة هو تشخيصه لأصول الحركة القومية الكردية بوصفها حركة بدأت في نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر مع تأسيس الشيخ عبيد الله لرابطة نهري الكردية. وفي النتيجة، فإنه يقدم حركات التمرد الكردية التالية؛ مثل تمرد الشيخ سعيد (في تركيا، العام 1925)، وثورة المرحوم البرزاني (العراق، 1943-45)، وجمهورية مهاباد الكردية (إيران، 1946) بوصفها حركات اندلعت بدوافع قومية، رغم وجود مكونات قبلية ودينية قوية. ويجادل معظم الخبراء اليوم أن القومية الكردية هي تلك الحركة التي تطورت في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وعلى أي حال، فإن من الواجب ملاحظة أن جويدة لم يكن يملك طريقاً للدخول إلى آلاف الأعمال الموضوعة حول القومية، والتي بدأت تظهر بعد العام 1960. إضافة إلى ذلك، فإن قسماً كبيراً من عمله يعتمد على تقارير رسمية بريطانية ومسؤولين بريطانيين ووكلاء سياسيين وعملاء مخابرات كانوا جميعا أسرى قوميتهم – بخاصة إذا ما كانوا أسكتلنديين أو ويلزيين أو إيرلنديين، ممن سارعوا إلى نسبة مثل هذه الأفكار لآخرين حكموهم. لماذا لم ينشر وديع جويدة دراسته المهمة؟ النشر أمر يمكن أن يرغب فيه أي متخصص شاب لكي يضع عمله على الطريق السريع، ولكن جويدة ابتعد عن ذلك، ففي المقدمة التي كتبها مارتن فان برونسن، يعزو عدم النشر إلى صفة الكمال التي يتميز بها عمل جويدة، وإلى العمل المستنزف للوقت لبناء قسم لدراسات الشرق الأدنى في جامعة إنديانا، بالإضافة إلى متطلبات الخريجين من الطلبة الذين كان جويدة يوجههم في حقول مختلفة. كل ما ذكر سابقا أدى، من دون شك، دوراً مهماً في ذلك، لكن جويدة كان قومياً عربياً ولم يفكر في أنه أراد أن يصنف بوصفه شخصاً سارع إلى دراسة القومية الكردية، هذه القومية التي يوضح تماماً في دراسته، أنها كانت تملك إمكانيات الحصول على حكم ذاتي/استقلال في الظروف المناسبة – حكم ذاتي و/أو استقلال من شأنه أن يقود إلى تفتيت دولة العراق. كان جويدة نافذ البصيرة في تفسير آخر، فهو يختتم دراسته بالتنبؤ بأن "ردود أفعال الأتراك والإيرانيين والعرب على الطموحات الكردية ستكون مهمة، لكن نجاح الأكراد أو فشلهم في تحقيق أهدافهم سيعتمد في صورة كبيرة على الوضع الدولي في تلك المنطقة من العالم، فلا يسع أي دولة كبرى مهتمة بالشرق الأوسط أن تتجاهل المشكلة الكردية، أو أن تتجنب صوغ سياسة كردية بوصفها جزءاً من سياستها العامة تجاه الشرق الأوسط" (ص 295). ومع أن التطورات التي حدثت منذ العام 1991 تبرر تحليله الجغراسياسي العميق، فإن جويدة كان سيشعر بالرعب من أن ذلك تم من خلال تدمير العراق. رحل وديع جويدة في العشرين من آذار/مارس 2001، فليرقد في سلام. *قسم التاريخ، جامعة كنتاكي، لكسنغتون بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||