العدد 40 - كتاب
 

من بين حزمة الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد الأردني، وما زال يعاني منها ومن تداعياتها، تظهر المشكلة العقارية، ومن خلال أكثر من مؤشر رقمي ومعيار موضوعي، وهي تتجه لتكون الأصعب والأكثر خطورة في مختلف أبعادها.

ومن المشاكل التي يواجهها القطاع مشاكل البناء السكني، بخاصة التجاري منها، والاختلالات في عمليات تمويله وشروطه، كما في كلفة البناء المتصاعدة وارتفاع أسعاره في فترة انكمشت فيها دخول شرائح متزايدة من المواطنين الأردنيين، وتقلصت قدراتهم الشرائية حتى على المهم والضروري.

ويزيد من حدة الأزمة الحالية والمتوقعة في سوق العقار الأردني أنها تأتي في أعقاب مرحلة سابقة امتدت من العام 2003 اتسمت بانتعاش وتوسع عقاري استثنائي، دفع بكثير من الفعاليات المحلية والوافدة، ذات الصلة بالنشاط العقاري أو حتى البعيدة عنه، للدخول إليه بكثافة، ليصل الأمر، في النهاية، إلى وضع معاكس يتصف بكثرة العرض مقابل طلب متراجع، بما في ذلك قطاع مشاريع النخبة السكنية المرفهة، وفي مجمعات المولات والمخازن والمكاتب التجارية.

ومقابل زيادة الطلب العقاري الكبير في أعقاب العدوان الأميركي على العراق واحتلاله، وتدفق مئات الآلاف من العراقيين إلى البلاد، بدأ مؤخراً العد العكسي في زخم الطلب العراقي على المساكن والمتاجر، بل ترافق ذلك أيضاً مع تكاثر ظهور عروض للبيع من بعضهم الذين نفدت مدخراتهم أو رغبوا في العودة إلى العراق، أو الانتقال للإقامة في أقطار أخرى قريبة أو بعيدة.

النمو الكبير للعوائد النفطية الخليجية، ساهم في حركة تدفق «أموال حارة» إلى الأردن لتتركز معظمها في المتاجرة في البورصة، و/ أو شراء الأراضي وبناء المخازن والمكاتب، ومنتجعات مساكن الرفاهية، وتعاظم ظهور الفائض الكبير في الكثير منها مع مخاطر إمكانية حدوث تحولات في الاتجاه المعاكس لأي سبب يتصل بها.

وانعكست الأزمة العامة في الاقتصاد الأردني، بما في ذلك مشكلة التضخم، على ارتفاع تكاليف البناء وارتفاع أسعاره من خلال قفزات غير مسبوقة، في أسعار مدخلات البناء المحلية والمستوردة، ومن ذلك، وعلى رأس ذلك، تضاعف أسعار الحديد بأكثر من 100 بالمئة، وارتفاع أسعار الإسمنت بنسبة 40 بالمئة، وما يقارب هذه النسب لمتطلبات البناء الأخرى، فيما كان استمرار التمسك الرسمي بعدم السماح بالارتفاع العلوي إلى جانب الاستعانة بتخفيف شروط الفراغات والتنظيم سبباً إضافياً في ارتفاع كلفة البناء وأسعار بيعه وتأجيره.

وأفرطت وحدات الجهاز المصرفي في منح القروض لتمويل قطاع الإنشاءات بشكل عام، وللبناء السكني والتجاري بشكل خاص، ولتتجاوز نسبة هذا التمويل 17 بالمئة، من إجمالي الإقراض المصرفي، ليساهم ذلك في توسع كبير في البناء وعرض أكبر لوحدات بناء عالية التكاليف والأسعار، وخشية البنوك من امتناع بعض المقترضين على السداد مع تزايد الأبنية والمكاتب الباحثة عمن يشغلها، ولتضطر البنوك إلى اتخاذ قرارات انكماشية معاكسة، ما يساهم في اشتداد الأزمة في القطاع العقاري، كما في القطاع المصرفي.

تكثفت الإشادة الحكومية، وبعض مؤسسات القطاع الخاص الرأسمالي، بجدوى وربحية النشاط العقاري ومحوريته، وبأنه القطاع الواعد، وسيبقى كذلك، وكان هذا حافزاً آخر في تحول رؤوس أموال كبيرة إليه للمتاجرة، وبأكثر مما تتطلبه الحاجات الموضوعية، وليكون ذلك سبباً إضافياً لخلق التخمة الحالية في البناء الذي يبحث عمن يطلبه وبصعوبة يجده، إذ رافقه تضخم جامح وارتفاع حاد في أسعار مختلف السلع والخدمات وتراجع مواز في القدرات الشرائية فتحت الطريق لبروز ظاهرة «الركود التضخمي» في الاقتصاد الأردني.

وكما كانت مرحلة الانتعاش في الاقتصاد المتركزة في القطاع العقاري دافعاً قوياً لتحرك رؤوس الأموال إليه وتأسيس عدد كبير من الشركات العقارية الجديدة، وتوسيع القائم منها، وتدفق تحويلات وتسهيلات مصرفية كبيرة إليه، فإن من أبرز المخاطر الحالية سيكون في خروج متزايد، إرادي أو اضطراري منه.

وإذا كان من تداعيات الطفرة العقارية السابقة تحريك وتشغيل وإنعاش الكثير من النشاطات الاقتصادية الأخرى المساندة والمتصلة به بشكل مباشر أو غير مباشر، والمساعدة في توليد فرص عمل ودخول جديدة، فإن تباطؤ العقار الحالي ستكون له تأثيرات سلبية معاكسة على قطاعات اقتصادية أخرى، وعلى أعمال وأوضاع البنوك، وبثقل وحدة أشد.

الأخطر في الوضع الراهن يتمثل في استمرار جهات حكومية وأخرى في القطاع الخاص في تجاهل حدة الأزمة الاقتصادية العامة، وبخاصة الأزمة العقارية، ومحاولة التلطيف والتخفيف منها بالشعارات والتمنيات والمزاعم من جهة، ومن جهة أخرى الإصرار على تبني وتطبيق التوجه والنهج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نفسه الذي كان السبب الرئيس وراء تفاقم هذه الأوضاع وامتداد تداعياتها الصعبة.

أحمد النمري: إشكالية عقارية مركّبة
 
21-Aug-2008
 
العدد 40