العدد 40 - كتاب | ||||||||||||||
من السنن الجميلة في الأردن قيام المسؤولين بالدولة بزيارة المدن والقرى والبوادي للاطلاع على أحوال المواطنين ومشاكلهم وحاجاتهم ومطالبهم، إضافة للتواصل معهم وإشعارهم بأنهم المرجع الأول للدولة بكل ما يتعلق بأمور حياتهم من قوانين وإجراءات، وكذلك تلمس رضا الناس أو عدمه، عن ما تقوم به أجهزة الدولة ومؤسساتها من نشاطات وأعمال. ولعل زيارات جلالة الملك الحالية والسابقة للمحافظات والألوية من أقصى جنوب المملكة إلى أقصى الشمال، ما هي إلا تتويج لهذا النهج الحميد، واستمرار لما بدأه السلف من الملوك والأمراء، يقترب فيه جلالته دون حاجز أو حجاب من قلوب الناس، حيث يستمع بوضوح لمطالبهم ويحس بأوجاعهم وهمومهم وآلامهم، ويستشف ما يجول بخواطرهم من أمنيات وآمال وأحلام. على النهج نفسه، وبتوجيه من القيادة، يسير رؤساء الوزارات والوزراء وكبار المسؤولين، حيث تعقد الاجتماعات واللقاءات وأحياناً جلسات مجلس الوزراء خارج العاصمة عمّان، وينتج عن هذه اللقاءات قرارات فورية تستجيب لحاجات المناطق من المشاريع والخدمات، وتلبي العديد من رغبات الأفراد والمجموعات الصغيرة من المواطنين، حيث ينهار حائط البيروقراطية اللعين بين المواطن والمسؤول، ويزول حاجز الرهبة بينهما، فيتخاطبان كإنسان وإنسان وجهاً لوجه دون مواربة ولف ودوران. رغم أن وعوداً كثيرة يتعهد بها هذا المسؤول أو ذاك وتحت تأثير اللحظة الحميمة بهذه اللقاءات، قد لا تتحول إلى حقيقة، ورغم الانفعال الناتج عن بعض المواجهات والنقاشات الحادة التي قد يدخل بها المسؤول التنفيذي مع بعض ممثلي الشعب من نواب ورؤساء وأعضاء البلديات والهيئات الشعبية المحلية، إلا أن حدوث هذه اللقاءات أمر صحي، يدل على حيوية المجتمع الذي يتفاعل أفراده مع بعضهم بعضاً، ويتعرف فيها كل طرف على مواقف الآخر، فيعرف المسؤول موقعه بين الناس، وربما يتكشف له ما خفي عليه من أمور أو ما غاب عن ذهنه من أفكار. هذا التواصل مع المواطن شعاره "نحن نهتم بكم" أو "نريد أن نسمع منكم"، ويؤكد على "أننا منكم ولكم"، وعلى أن هذه اللقاءات ما هي إلا دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة بصناعة القرار الوطني وصياغة المستقبل، ومسؤولية عليهم تحملها، وبأن للمواطن حقاً، وعليه واجب المطالبة به، فهذه إذاً هي، أبواب مفتوحة، يلج كل طرف عبرها ليحقق غاياته المشروعة. قد يكون السرد السابق وصفاً مثالياً لمعنى وطبيعة لقاءات المسؤول مع المواطنين، لكنه وصفٌ صحيح، ولا يقلل من صحته سوى ما يسبق هذه اللقاءات من محاولات لـ"تقنين" و"تأطير" العلاقة ولغة التحاور والتخاطب، والتي يحاول أن يقوم بها المسؤول المحلي المكلف بالتحضير لهذه اللقاءات والتنسيق ما بين الفعاليات والشخصيات المحلية، اعتقاداً منه بأنه الأدرى والأعلم بالمصلحة العامة، وأن من واجبه (كما يفهمه) أن يضبط إيقاع اللقاءات ويحدد عناوين الحوار، لذلك فهو يوجه الدعوة فقط لمجموعة معينة يعتقد أنها لن تتجاوز الحدود التي رسمها في ذهنه، ولن تجلب له وعليه المتاعب ووجع الرأس. شعار المسؤول المحلي، هو توصية "أبوية"، تقول للمدعوين للمشاركة: "خليكوا حضاريين"، أي لا تخرجوا بكلامكم وحواركم مع المسؤول الزائر عن المجاملة والترحاب، ولا تطلبوا غير ما هو من مسلمات الأمور، ولا داعي للدخول لعمق المسائل والهموم، خشية أن يأخذ المسؤول الزائر، الانطباعات الخاطئة عن المنطقة وأهلها، وبالتالي، مسؤوليها المحليين، وهنا يتحول اللقاء لغير الهدف المرجو منه، وينحرف عن مساره الصحيح، ولا تخرج عنه النتائج المرجوة!. |
|
|||||||||||||