العدد 40 - دولي | ||||||||||||||
محجوب الزويري تلك هي خلاصة حوالي عقد من تاريخ باكستان المعاصر. فبعد عشرة أعوام بعيدا عن حكم الجنرالات، أعاد الجنرال برويز مشرف في تشرين الثاني 1999 الجنرالات إلى الواجهة السياسة في باكستان؛ عودة ربما لا ينطبق عليها المثل العربي"عدنا والعود أحمد". عقد من الزمان قاد فيه برويز مشرف زمام الأمور في باكستان؛ مرة بوصفه قائد الانقلاب، ثم رئيسا بقبعتين، الأولى عسكرية، والثانية سياسية، ثم عاد وتخلى عن الزى العسكري مع بقاء اللقب العسكري وبقائه رئيسا، ثم أنهى هذا المارثون من التطورات بتخليه عن قيادة الجيش ليتولاها احد المقربين منه ويحتفظ لنفسه بلقب "الرئيس". مسيرة مشرف تبدو مهمة، بالنظر إلى أن السمة التي غلبت عليها كانت سمة الصدام والمواجهة؛ فقد بدأ الرئيس المستقيل عهده بإقصاء السياسيين مثل نواز شريف وبينظير بوتو، وجمد الحياة السياسية في مجتمع على درجة عالية من التسييس. مواجهاته لم تقتصر على السياسيين، فقد اصطدم مع السلطة القضائية، حين أمر بعزل رئيس محكمة العدل العليا، فاثأر غضب المحامين والقضاة، ثم تخلى عن زيه العسكري في خطوة نشرت حالة من الاستياء لدى المؤسسة العسكرية التي كانت تساند الرئيس المستقيل. وزاد مشرف الطين بلة حين اتخذ قراره بمهاجمة المسجد الأحمر، الذي طالما حذره قادة باكستانيون من أنه خط "أحمر"؛ لان الهجوم عليه كان تدميرا لبقايا ثقة بين بعض الحركات الإسلامية وحكومة مشرف، ما لبثت أن انتهت مع أول قتيل سقط في معركة المسجد الأحمر. ذهب الجنرال، والعنوان الرئيسي، أن واشنطن خسرت حليفا في حربها على ما تسميه الإرهاب، لكن الأمور التي تبدو في ظاهرها كذلك تخفي وراءها بعض التفاصيل التي يمكن قراءتها في ضوء أمرين مهمين: أولا: فقدان المشروعية السياسية. لقد سيطر الجنرال شأنه شأن أي قائد انقلاب على مقاليد الأمور مستندا إلى شرعية القوة لا المؤسسات. لم يكن يحظى بالمشروعية الداخلية فوجد ضالته في الانضمام إلى معسكر الحرب على الإرهاب، أملا في أن يعطيه التحالف الجديد نوعا من المشروعية. التحالف مع واشنطن والظهور بمظهر البطل في عيون الغرب، يجب ألا ينسينا أنه كان يفتقد كل ذلك عندما قام بانقلابه عام 1999، لكن ذلك تغير فأصبح التحالف عنوان مرحلة ما بعد 2001، حيث حوله ليصبح تحالفا من أجل المشروعية وتعزيزها. مسألة المشروعية لم تكن أولوية لواشنطن، التي كانت تريد حليفا قويا ديمقراطيا شكليا ومستبدا في الباطن. لقد حصل مشرف على مساعدات من واشنطن تتجاوز 10 بلايين دولار، لكن مستوى الثقة الأميركية فيه لا يبدو أنه كان قويا، لا سيما منذ حوالي عام، الأمر الذي يفهم من خلال تعليق البيت الأبيض حول استقالته قبل أن تحدث، حينها كان الجواب من البيت الأبيض أن استقالة مشرف "شأن باكستاني داخلي". لقد حاول مشرف من خلال التحالف مع زعيمة حزب الشعب بينظير بوتو، أن يحصل على شيء ممن المشروعية الداخلية، والتي لم تنجح بسبب حالة التشكك التي كانت لدى التيارات السياسية من نواياه، كما حاول من خلال توقيع معاهدة سلام مع الهند إرسال رسالة بأنه الزعيم الذي أوقف سنوات من العداء والمواجهة مع الجار العدو. لقد أتقن مشرف أن يكون زعيما سياسيا شموليا، لكنه خسر كل شيء حين حاول أن يجمع بين الشمولية والديمقراطية- التي ربما تتناقض جوهريا مع خلفيته العسكرية - فكان عليه أن ينسحب لتنتصر، ولو مؤقتا، الشرعية التي تمنح عبر صناديق الاقتراع. ثانيا: حالة التشرذم السياسي والفساد. لقد كان من بين أهم التطورات التي حصلت في البيئة السياسية الباكستانية، في غياب المؤسسة العسكرية، زيادة حالة التشرذم السياسي وتغلغل الفساد في مؤسسات الدولة، الأمر الذي ساعد مشرف في بداية الأمر وأعطاه نوعا من الدعم الداخلي، لكن ذلك لم يكن كافيا لإعطاء فترة حكمه أي نوع من المشروعية. وقد عزز من حالة التشرذم هذه الانفراد بالسلطة، ما عزز من الفجوة السياسية بين المؤسسة العسكرية التي قدمت على أنها أصبحت لعبة لخدمة مصالح الخارج، وأنها لم تعد المؤسسة التي تدافع عن باكستان، الدولة الإسلامية النووية. ذهب الجنرال ليترك أسئلة كثيرة بلا إجابة عما ستؤول إليه الأمور في باكستان، أسئلة حول مستقبل العملية السياسية هناك في ظل تنافس كبير بين نواز شريف وبين حزب الشعب على منصب رئاسة الجمهورية، وفي ظل غياب دور للمؤسسة العسكرية التي يبدو أنها تحاول معالجة الآثار المترتبة على انعدام الثقة بها داخليا. الرئيس المستقيل سيذهب ليؤدي مناسك الحج، ثم سيتوجه إلى لندن للاستقرار هناك، لكن السؤال الذي يبقى يتعلق بإمكانية أن يسأل مشرف حول ما حصل في باكستان خلال فترة زمنية تقارب العقد كان هو خلالها الآمر الناهي؟ |
|
|||||||||||||