العدد 40 - حتى باب الدار
 

(1)

البعد الولائمي

في الأخبار المتداولة، وبحسب ما نشرت "ے" في العدد الماضي، فإن رئيس الوزراء يقبل أي وليمة يدعى إليها من النواب والأعيان، وأن هناك قائمة طويلة من الدعوات بانتظار التنفيذ.

المسألة بالطبع كما كانت تكرر والدة أحد الأصدقاء رحمها الله: ليست مسألة أكل، فالبطون "مسطّحة" من كثر الأكل، لكن المهم قعدة الصديق مع صديقه.

الواقع أن البعد الولائمي في علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية ليس أمراً جديداً محدثاً، وهو يعود إلى المجلس التشريعي السابق وإلى الحكومات التي عاصرته، لكن مع فترات انقطاع مؤقتة بين تشكيلين حكوميين، لأن أي حكومة جديدة تجد نفسها على هذا الصعيد هي والمجلس التشريعي أمام سؤال رئيسي: هل ينبغي أن تستأنف الولائم من "المنسف" الذي انتهت عنده الحكومة السابقة؟ وهل تعدّ الولائم التي جرت لتلك الحكومة سارية المفعول من حيث الاستحقاقات، أم إن أي حكومة لا تعترف إلا بالولائم التي تقام لها خصيصاً؟ وبالتالي فإن النائب الذي أولم لحكومة سابقة سوف يعدّ كأنه لم يولم قط، وعليه أن يجدد الوليمة.

(2)

نحو "مأسسة" العزايم

مسألة اعتبار أن الوليمة التي تقام لحكومة ما، هي وليمة للسلطة التنفيذية على العموم، لم تُحسم لغاية الآن، وما زالت الولائم النيابية تقام كأنها لم تكن يوماً، ولم يحدث أن اعتبرت حكومة ما، أن المنسف الذي أقيم لسابقتها يخصها بصورة من الصور، رغم ما في هذا الموقف من تجاوز لمبدأ أن الحكومات لا "تنسف" منجزات بعضها بعضاً.

من الواضح أن "مأسسة" العزايم كانت ستحقق وضعاً جديداً تقام فيه العزايم للحكومة كسلطة تنفيذية وليست لحكومة بعينها، مما سيشكل بعداً جديداً للعلاقة بين السلطتين، وكان أيضاً سيقضي على التساؤلات حول المغزى السياسي لمن عزم ومن لم يعزم، وحول جواز حضور العزايم الجديدة من قبل وزراء شاركوا في عزايم الحكومة السابقة، وحول ظاهرة النائب "ثنائي العزيمة" التي ستتشكل في حالة قيام نائب ممن عزموا سابقاً بالعزيمة من جديد... وغير ذلك من اشكاليات.

كمتابعين من خارج صفوف المعزومين، علينا أن نقوم بالـ"مراجعة" الكاملة (وهي مراجعة من دون إسهال طبعاً، لأننا لم نأكل) لمجمل المنظور "البطني" في العمل السياسي، وهناك في الواقع الكثير من العناصر الجديدة التي لا بد أن "نشبعها" تحليلاً.

لا تقتصر الولائم اليوم على الاتجاه نواب/ حكومة، كما كان الوضع في السابق، فقد جرت وتجري ولائم نيابية/ نيابية مستقلة تماماً، من حيث الشكل على الأقل، عن أي تواجد حكومي، وقد جرى في بعضها بحث قضايا التوجهات والمحاور ومصير التحالفات وشتى أشكال التكتيكات الخاصة بالعمل النيابي، وقد حضرها أو أقامها نواب سبق لهم أن عزموا أو "انعزموا" في الحقب الماضية من العزائم.

يضاف هذا إلى حصول عزائم مختارة للحكومة من قبل بعض النواب، كما دخل الأعيان على الخط بعد أن وسعوا نشاطهم ليشمل المسار الغذائي.

(3)

خصوصية ثقافية

تاريخياً، حدث في بعض الولائم أن كان هناك حرص على إظهار بعض الخصوصيات الثقافية، ففي وليمة أقيمت في بيت نائب من نواب الشمال لم يكن محتوى العزيمة منسفاً، بل روعي المركز الذي يحتله الفرن في التراث الغذائي لأهل الشمال، وما يستدعيه ذلك من حضور لشتى أشكال الشي والتحمير والتحميص، فتناولت الحكومة هناك أطباق المكمورة والصواني المحمرة والمقمرة. من غير المعروف إن كان الأمر جرى بالتشاور مع الأكّيلة في تلك الحكومة، ومدى ملاءمة ذلك مع أذواق الأكّيلة الجدد.

يبقى من غير المعروف إن كان الحوار والنقاش يجري في هذه الولائم قبل الأكل أم بعده. وهل يكون أكل الرجال على قد "أقوالها". وهل تستحيي العين بعد أن يطعم "الثم" عند صاحب العين، وهل يكون أكل الحكومات على قد محبتها لمن تأكل عندهم؟

(4)

في الأكل على العموم..

يأكل الناس بعقول بعضهم بعضاً "حلاوة"، ويطعم الشاطر منهم المسكين "جوزاً فارغاً"، ويأكل القوي منهم الضعيف من "النيع هاظ إلى النيع هاظ"، ويصرخ من يعرف من أين "تؤكل" الكتف بوجه خصومه مذكّراً إياهم بأن "يده في حلوقهم لهون" مشيراً إلى إبطه، ودائماً هناك من يأكل الدجاج، فيما الآخر يقع في السياج...

وها أنت عزيزي القارئ تقرأ الآن أفكاراً "أكل عليها الدهر وشرب"!

نحو «مأسسة» العزايم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية: هل تضع الحكومة النقاط فوق “الخروف”؟
 
21-Aug-2008
 
العدد 40