العدد 40 - كاتب / قارئ | ||||||||||||||
الأستاذ محمود الريماوي، رئيس التحرير المسؤول لـ"ے" تحية وبعد، مقالة حمزة السعود حول "حقوق الإنسان في المناهج التربوية" ("ے"، العدد 39، 14/8/2008) أثارت في نفسي الشجون، كما أنها تضمنت معلومات تحتاج إلى تصويب. أبدأ بالتصويب: ذكرت المقالة أن "النظام التربوي والتعليمي الأردني لا يعير أدنى اهتمام لحقوق الإنسان، سواء كان على المستوى المنهجي أو حتى على مستوى السلوكيات". لا أريد أن أبدو في موقف المدافع عن النظام المذكور، كما أنني لست الجهة المخولة بذلك، لكن الحقيقة الموضوعية تقتضي القول إن وزارة التربية والتعليم، بوصفها الجهاز القائم على إدارة ذلك النظام، بدأت منذ مطلع التسعينيات بإدخال بعض مفاهيم حقوق الإنسان للمناهج والكتب المدرسية، تطبيقاً لمقررات المؤتمر التربوي الأول (أيلول/يوليو 1987)، كما أنها عملت في السنوات اللاحقة على تنفيذ ما أطلقت عليه "البرامج الريادية"، إلى جانب "النشاطات التربوية المرافقة"، بالتعاون مع مؤسسات عالمية ومنظمات محلية بهدف نشر ثقافة حقوق الإنسان. ويبدو أن عدم الاطلاع على ذلك قد طال عدنان بدران، رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، الذي نُقل على لسانه في المقالة تأكيده على "ضرورة وجود مبادئ حقوق الإنسان في مناهج التربية والتعليم". فالمبادئ موجودة، لكن المشكلة في مكان آخر، كما سنوضح بعد قليل. هذ يقودني إلى "الشجون" التي بدأت بها هذا التعقيب! فمنذ العام 1996 وأنا أتابع دراسة تطور مفاهيم حقوق الإنسان المبثوثة في الكتب المدرسية. وقد أعددت -مع زملاء آخرين- بحثاً عن كتب مرحلة التعليم الأساسي، في إطار مشروع بحثي كلفنا به المعهد العربي لحقوق الإنسان، وقدمت نتائج البحوث عن الكتب في 12 دولة عربية من بينها الأردن في إطار ندوة مهمة عقدت في بيروت في تشرين الثاني/نوفمبر 1997 حضرها ممثل عن وزارة التربية والتعليم الأردنية الذي حصل على نسخة من البحث الذي أنجزه الفريق الأردني. وفي العام 2002 أنجز كاتب هذه السطور دراسة مماثلة عن كتب مرحلة التعليم الثانوي، بتكليف أيضاً من المعهد المذكور. وفي العام 2005، بناء على طلب من المركز الوطني لحقوق الإنسان، قمت بإعداد دراسة عن "واقع تعليم حقوق الإنسان في الأردن"، قدمت إلى "اليونسكو" في إطار "البرنامج العالمي للتربية على حقوق الإنسان". في هذه الدراسات، وبخاصة في الدراسة الأخيرة، رصدنا الجوانب الإيجابية والسلبية، وأشدنا بجهود وزارة التربية والتعليم في نشر مفاهيم حقوق الإنسان في ثنايا الكتب المدرسية، وقدمنا اقتراحات وتوصيات لتطوير ذلك. لكن الوزارة رفضت التعامل مع الملاحظات الانتقادية والتوصيات التي وردت في الدراسات والتي لا يتسع المجال هنا لاستعراضها، ونرجو أن تتيح "ے" هذا المجال في أعدادها القادمة. وإنني على استعداد لتزويد "ے" بنسخ من تلك الدراسات. حقاً يستحق هذا الموضوع أن تفتح له "ے" باباً. باختصار، لا يوجد توازن في تثقيف الطلبة بجميع حقوق الإنسان (النصوص المتعلقة بالعدل والمساواة مثلاً محدودة جداًً)، كما إنه لا يوجد تنسيق بين مختلف أجزاء المادة المعرفية المبثوثة في الكتب، ويعاني بعض هذه الكتب من هاجس التعبئة الأيديولوجية المفرطة، بخاصة في كتب التربية الوطنية والاجتماعية والثقافة الإسلامية لمرحلة التعليم الأساسي. وتتضمن بعض الكتب نصوصاً تحتوي على مفاهيم مشوهة أو ناقصة أو أحياناً متناقضة مع حقوق الإنسان، وأوردت البحوث المشار إليها عشرات الأمثلة على ذلك. وأخيراً -وليس آخراً- فإن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في تأليف بعض الكتب: ما زال كتاب "الثقافة العامة" للمرحلة الثانوية (طبعة 2007) -على سبيل المثال- يعلّم الطلبة بأن هناك علوماً "إسلامية" قائمة على الإيمان واليقين، وعلوماً "غربية" قائمة على الإلحاد، هذا فضلاً عن تدريسه للمعرفة وللأخلاق وفقاً للمنظور الديني البحت، ولا يتطرق إلى آراء الفلاسفة في هذين المجالين إلا من باب "دحضها". كما أن أحد الكتب يدرّس الديمقراطية بطريقة غريبة أبعد ما تكون عن مفهوم الديمقراطية المتعارف عليه في العلوم السياسية. وأحد الكتب يعلّم الطلاب والطالبات بأن من "حق الزوج أن يضرب زوجته"! وآخر يعلم الأجيال الجديدة أن "الإنترنت والفضائيات والمسرح والسينما والرواية والشعر هي وسائل غزو ثقافي" تقوم به الدول الاستعمارية ضد الدول العربية! لا يسعني في الختام إلا أن أكرر مناشدة وزارة التربية والتعليم والمركز الوطني لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني الأخذ بنتائج وتوصيات الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، وأدعو مجدداً إلى تأسيس جمعية أهلية متخصصة تأخذ على عاتقها العمل على تطوير التربية والتعليم في بلدنا وتخليصهما من الشوائب وسائر السلبيات التي تعتريهما، بالتعاون مع الجهات النيابية والرسمية والأهلية. فالجهل -أو التجاهل الشعبي، كما أشارت مقالة حمزة السعود ـ لا يقل خطورة عن تجاهل وزارة التربية والتعليم للنصائح والتوصيات التي قُدمت لها من مؤسسات وباحثين من داخل الوطن طوال السنوات الماضية. سليمان صويص |
|
|||||||||||||