العدد 40 - أردني
 

حسين أبو رمّان

"قانون الانتخاب الديمقراطي" أحد الأركان الرئيسية للرؤية الإصلاحية للملك عبدالله الثاني، فهذا التشريع هو مفتاح النهوض بالحياة السياسية والأحزاب. ومنذ بداية عهده في العام 1999، تكررت دعوة الملك لحكوماته لإنجاز قانون جديد وصف تارة بـ"ديمقراطي"، وتارة أخرى بـ"عصري".

الأجندة الوطنية 2006- 2015، أهم المبادرات الملكية الإصلاحية، بلورت صيغة نظام توافقي للانتخابات، كان يحتاج لبذل القليل من الجهد، كي يتحول إلى مشروع قانون للانتخابات، لكن هذا الجهد لم يُبذل.

حكومة معروف البخيت من أكثر الحكومات التي عوّل كتاب التكليف على دورها في التنمية السياسية، لهذا خاطبها بعبارات شديدة الوضوح: "الحكومة مطالبة بمأسسة عملية الإصلاح والتحديث والتطوير"، مشدداً على أنه يجد في "توصيات لجنة الأجندة الوطنية" ما يمكن أن يعد هادياً ومرشداً للحكومة للاستناد إليه في تبني "برنامج الإصلاح الشامل اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً".

التكليف الملكي لم يتوقف عند توضيح مرتكزات الرؤية الإصلاحية، بل طالب الحكومة بإعداد جملة قوانين بصورة عاجلة، على أن "تتوخى العصرية والعدالة والمتغيرات"، مبيناً أن من بين القوانين المقصودة "قانون جديد للانتخاب"، مؤكداً على علاقة ذلك بـ"تجديد حياتنا السياسية والبرلمانية، وضمان مشاركة أوسع في عملية صنع القرار".

الحكومة أعلنت بقوة أنها "ملتزمة بتكريس الإصلاح مفهوماً ونهجاً"، واعتبرت أن من حسن طالعها تزامن تشكيلها مع صدور توصيات لجنة الأجندة الوطنية التي ستهتدي بها لتطبيق الإصلاحات. ووعدت بأن تشكل "على الفور اللجان الوزارية اللازمة لإعداد قوانين جديدة للانتخاب والأحزاب والبلديات، تأخذ بعين الاعتبار معايير العصرية والعدالة واستحقاقات المتغيرات".

رغم أنه كان هناك متسع من الوقت أمامها، إلا أن الحكومة لم تعدّ شيئاً يتصل بقانون الانتخاب، فأشرفت بالاستناد إلى قانون انتخاب مؤقت سابق، على إجراء انتخابات نيابية، هي الأقل شفافية والأكثر إشكالية منذ العام 1989.

أستاذ العلوم السياسية، عدنان الهياجنة، يقول: "أي قانون جديد هو مقدمة لممارسة جديدة، والأمر الطبيعي أن يستند ذلك إلى دراسات علمية تمهد لاتخاذ القرار، لكن كثيراً ما يجري أن القناعات المسبقة لبعض الحكومات إزاء تشريع ما، يجعلها تتمسك بتلك القناعات على حساب إجراء الدراسات اللازمة، وهذا يقود إلى تشريعات هزيلة في أحيان، أو يعطل صدورها في أحيان أخرى".

لجنة الأجندة الوطنية كانت توصلت إلى رؤية توافقية لقانون انتخاب جديد، يجمع ما بين الاقتراع لمرشح في الدائرة الانتخابية والاقتراع لقائمة حزبية نسبية، وهو ما يصطلح عليه بـ"نظام الانتخاب المختلط"، لكن اللجنة اختلفت حول تنفيذ هذا التوجه: هل يكون من خلال صوتين، أحدهما لمرشح في الدائرة، والآخر لقائمة حزبية، أم من خلال صوت واحد يمنحه الناخب إما لمرشح في الدائرة أو لقائمته الحزبية المفضلة؟ وتضمنت وثيقة الأجندة هذين المقترحين لتنفيذ النظام المختلط، ما كان يتطلب مزيداً من البحث لتقديم تصور نهائي متوازن له، وهو ما لم يتم.

بدأ الملك عبد الله الثاني عهده بتشكيل حكومة عبد الرؤوف الروابدة في الرابع من آذار/مارس 1999. لم يكن انقضى آنذاك على انتخاب مجلس النواب الثالث عشر (1997-2001) سوى عام واحد وبضعة أشهر. لذا يبدو أن الملك وجد من المبكر فتح ملف قانون الانتخاب. مع ذلك ركز كتاب التكليف للحكومة على "تجذير الديمقراطية"، بوصفها "منهج الحياة الأمثل". الأمر نفسه تكرر تقريباً مع حكومة عدنان بدران التي شُكلت في صيف 2005 ولم تعمّر طويلاً.

حكومة أبو الراغب الأولى تشكلت في 19 حزيران/يونيو 2000، على مسافة أقل من عام ونصف العام على موعد انتخاب مجلس النواب الرابع عشر. لذا شدد الملك على تطلعه إلى "إنجاز قانون انتخاب عصري يتيح للجميع فرصة المنافسة الحرة الشريفة لتمثيل شرائح المجتمع وتوجيهاته الفكرية والسياسية"، إلى جانب "الإعداد للانتخابات النيابية القادمة مع الحرص على تلافي الثغرات التنظيمية والإجرائية التي حصلت في الانتخابات السابقة".

حكومة أبو الراغب التزمت بإنجاز قانون جديد للانتخاب، قانون "مؤقت" رقم 34 لسنة 2001، ومع بعض الجوانب الإيجابية التي انطوى عليها، فإنه لا يمكن، بأي حال، وصفه بأنه قانون "عصري". فقد أبقى على إشكالية نظام الصوت الواحد، التي تتفق غالبية الأطياف السياسية في المملكة على ضرورة معالجتها. بل عمّق هذه الإشكالية، بأن فتّت الدوائر الكبيرة إلى دوائر صغيرة على مقاس عشائر بعينها.

وجود قانون انتخاب متقدم يؤدي إلى تشكيل مجلس نواب قوي، "هذا لا يريح الحكومات، لأن مجلساً كهذا لن يسكت على عدم كفاءتها، هذا يفسر لماذا تتجنب الحكومات اقتراح قانون يمكن أن يعكس قاعدة شعبية واسعة. لكن الأخطر من ذلك أن هذه الحلقات في الحكم حينما تتبوأ مسؤوليات حساسة في الدولة، تفسر رؤيتها السياسية لجلالة الملك وفق فهمها هي ووفق مصالحها الفئوية"، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة مؤتة، محمد القطاطشة.

لجنة الأحزاب المنبثقة عن المبادرة الملكية "الأردن أولاً"، والتي كانت حكومة أبو الراغب شكلتها أواخر العام 2002، سعت إلى إبراز حقيقة أن لا نهوض ممكناً للحياة الحزبية دون إجراء تعديل جوهري على قانون الانتخاب.

اللجنة أوصت كخطوة انتقالية، بأن "اعتماد مبدأ الصوت الواحد إلى جانب القائمة الحزبية النسبية سوف يساعد على تحقيق هذا الهدف"، مؤكدة أن تعديل قانون الانتخاب بما يراعي هدف التنمية السياسية هو الرافعة الأهم للنهوض بالتجربة الحزبية وتمكينها من تجاوز ظواهر الشرذمة وعزوف المواطنين عن الانخراط في العمل الحزبي.

الآراء توافقت داخل اللجنة على "أهمية تخصيص 20 بالمئة للقائمة الحزبية النسبية تضاف إلى عدد مقاعد المجلس النيابي، فيصبح لكل مواطن صوتان؛ الأول لممثل الدائرة والثاني للقائمة الحزبية". هذه التوصية تم تجاهلها "مع أنها تخدم رؤية جلالة الملك لقانون انتخاب متوازن، وصاغتها لجنة يغلب عليها الولاء للحكم"، بحسب القطاطشة الذي يرأس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية.

ما يؤكد أيضاً أن قانون 2001 المؤقت، لم يحقق مقصد الأمر الملكي، أن أول حكومة تشكلت بعد رحيل حكومة أبو الراغب (الثالثة)، كلفها الملك بالعمل على إعداد "قانون انتخابات ديمقراطي" لإجراء انتخابات العام 2007، بعدما كانت حكومة أبو الراغب أشرفت على انتخابات 2003 بعد فراغ نيابي دام عاماً ونصف العام، وأعدت التشريع الذي استندت إليه تلك الانتخابات.

حكومة فيصل الفايز شكلت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2003، بعد أربعة أشهر على إجراء انتخابات مجلس النواب الرابع عشر. وركز كتاب التكليف الملكي لها أن أمامها فرصة كبيرة "لإعداد قوانين عصرية تساهم بإنجاح التنمية السياسية التي نريد؛ قانون أحزاب متطور وقانون انتخاب ديمقراطي تجري بموجبه الانتخابات البرلمانية 2007 وانفتاح سياسي على كافة فعاليات المجتمع".

القطاطشة، يلفت الانتباه إلى الخلل في طريقة تشكيل الحكومات، فهو يرى "أن الأصل أن تكون ممثلة لأحزاب، أو لأغلبية برلمانية، لأن ذلك يجعلها في وضع تنفذ فيه برامج، لا أن تكون حكومة علاقات عامة". وفي غياب مرجعية الأغلبية النيابية، "دخلنا مرحلة توريث التوزير، ما سيؤدي على المدى البعيد إلى عدم نضج في مؤسسات الدولة"، يضيف القطاطشة.

كانت استجابة حكومة الفايز على مستوى الخطاب واضحة ومباشرة، وبخاصة أن الحكومة اشتملت للمرة الأولى في تاريخ الوزارات الأردنية على وزارة للتنمية السياسية، وأقرت الحكومة استراتيجية للتنمية السياسية ضمنتها فقرة رئيسية عن إعداد قانون انتخاب ديمقراطي عصري.

لكن من الزاوية العملية، لم تقدم الحكومة ما يخدم إعداد مشروع قانون انتخاب جديد، فلا هي فتحت حواراً عاماً حول الموضوع، ولا شكلت لجاناً مختصة لهذا الشأن، وكان الموعد الذي حددته لإنجاز قانون الانتخاب متأخراً وقريباً من موعد الانتخابات اللاحقة في العام 2007. ورغم أن الحكومة تمتعت بمساحة زمنية للعمل امتدت عامين، إلا أنها رحلت قبل أن تتعامل مع ملف قانون الانتخاب بأي صورة من الصور.

الهياجنة، الخبير في موضوع التنمية السياسية، يرى أن الحكومات تريد قانون انتخاب تستطيع أن تضمن مفاعيله حتى يبقى كل شيء تحت السيطرة، وتخشى من تشريع يعزز المشاركة السياسية ويوسعها، لأنها تنطلق من افتراض غير علمي بأن المشاركة الواسعة تقود إلى عدم الاستقرار بسبب فجوة التوقعات بين ما يرغب به الناس وما تقدمه الحكومات. ويضيف: "فضلاً عن ذلك، ففي حين يركز جلالة الملك على البعد الإستراتيجي في عمل الحكومات، إلا أن الأخيرة تتمسك بمنهج السياسات قصيرة الأجل والذي يجعل الحكومات تبدأ دائماً من الصفر".

هكذا يستمر الدوران في حلقة مفرغة. حتى بات كثيرون لا يتوقعون حلاً لمعضلة قانون الانتخاب، ويرجون أن يجري التشدد لإعداد القانون المنشود وعرضه على مجلس الأمة ليصدر كقانون عادي، والانتهاء من حكاية قوانين الانتخاب "المؤقتة".

في برامج حكومات متعاقبة: قانون الانتخاب “العصري”: حكاية بلا نهاية
 
21-Aug-2008
 
العدد 40