العدد 40 - أردني
 

السجل - خاص

منذ تسلمه سلطاته الدستورية العام 1999، لم يكد يخلو كتاب من كتب التكليف الملكية، موجه لأي من الحكومات المتعاقبة، من تشديد على أهمية أن يكون الإعلام في الأردن منفتحا على "الآخر"، راصدا للواقع ومؤثرا في الحراك السياسي والمجتمعي، وأن يتمتع بـ"حرية التعبير وتعددية الآراء"، ليكون إعلاما "مهنيا، متمكنا، قادرا على التغيير والتأثير، وليس إعلاما خائفا وعاجزا ومترددا" كما جاء في كتاب التكليف الموجه لحكومة فيصل الفايز (10/2003-4/2005).

إلا أن الواقع يبرهن على أن تلك الحكومات ظلت قاصرة عن تنفيذ هذه الرؤية في أكثر من موقع. ولا أدل على ذلك من مجالس إدارة مؤسسات الإعلام الرسمي، ومشروع المدينة الإعلامية الحرة الذي لم ير النور.

كتاب التكليف الموجه لحكومة عبد الرؤوف الروابدة (3/1999-6/2000) نص على ضرورة أن يكون الإعلام منفتحا على "شؤون الوطن، كل الوطن"، وأن يستقطب "ذوي الرأي الصادق الأمين الموضوعي، بصرف النظر عن آرائهم وأفكارهم." وقد جاء في استعراض الإنجازات التي حققتها حكومة الروابدة بالتوافق مع بيانها الوزاري، وبحسب ما نشر على موقع رئاسة الوزراء pm.gov.jo، أن "المؤسسات الإعلامية الأردنية دأبت على استضافة العديد من الشخصيات الأردنية المرموقة من خارج الحكومة، حيث استضافتهم في ندوات عدة وناقشت معهم عدة أمور محورية تهم الوطن والمواطن، وتعطي الفرصة لإبداء الرأي، حتى ولو كان مخالفاً لرأي الحكومة، مثل لقاءات كل من السيد طاهر المصري والسيد فايز الطراونه، والدكتور عبد اللطيف عربيات/أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي".

أما كتاب التكليف لحكومة علي أبو الراغب الأولى (6/2000-12/2002)، فقد نص صراحة على تطوير جهاز الإعلام الرسمي بحيث «ينأى بنفسه عن أن يكون إعلاما لشخص أو حكومة، بل يجب أن يكون إعلام دولة ووطن». غير أن تجربة تشكيل مجالس إدارة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية (بترا)، تشير بوضوح إلى عدم جدية الحكومات الأردنية في أن تكون هذه مؤسسات إعلامية ناجحة. فالأصل أن تكون هذه المجالس خطوة أولى في اتجاه استقلالية الإعلام ورفع سقف الحريات وفتح باب المشاركة أمام جميع الأطياف السياسية والاقتصادية، لترجمة إعلام الدولة على أرض الواقع. إلا أن حكومة أبو الراغب تحديدا، والتي انتهت ولايتها في تشرين الأول/أكتوبر 2003، ظلت تتدخل في تفاصيل هذه المؤسسات؛ من السياسة التحريرية إلى تحديد مذيع نشرة الأخبار في التلفزيون الأردني، مثلا. ففي قصة نشرتها «ے» (عدد 34)، تحدث الكاتب الصحفي محمد الصبيحي عن أن رئيس الوزراء، آنذاك، علي أبو الراغب، تدخل شخصيا لمنع بث مقابلة أجراها مع وزير الداخلية الأسبق نذير رشيد.

ومرة أخرى، يؤكد الملك في تكليف نادر الذهبي (تشرين الثاني/نوفمبر 2007) على أن الإعلام الرسمي هو «إعلام دولة ومرآة وطن»، لكننا نرى مرة أخرى إحكام قبضة الحكومة على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وخاصة مع تعيين ناصر جودة وزير الدولة لشؤون الاتصال والإعلام رئيسا لمجلس الإدارة، الأمر الذي يراه بعضهم تراجعا عن تحويل المؤسسة من إعلام حكومة إلى إعلام دولة، ناهيك عن أن يكون إعلام وطن.

وفي جانب آخر من معضلة الإعلام في المملكة، دعا الملك أواخر 1999 إلى إنشاء مدينة إعلامية حرة. لكن المفارقة جاءت لاحقا حين التقطت دبي هذه الفكرة وأنشأت مدينتها الإعلامية التي ازدهرت، فيما أجهض هذا المشروع أردنيا في المهد. ففي كانون الثاني/يناير 2000 تقدمت حكومة الروابدة بمشروع قانون المدينة الإعلامية الحرة إلى مجلس النواب، إلا أن القراءة الأولية لهذا المشروع لم تجد استحسانا من معظم النواب، ليوضع المشروع طي الأدراج ولتقوم حكومة أبو الراغب لاحقا (في تشرين الثاني/نوفمبر 2000) بسحب المشروع نهائيا.

النائب بسام حدادين يذكر أنه كان هناك «تلكؤ حكومي في أخذ الأمر على محمل الجد». ويضيف: «أذكر أن رئيس الوزراء الروابدة لم يكن متحمسا لهذه الفكرة، وأن من دفع بالمشروع إلى مجلس النواب كانت في واقع الأمر جهات أخرى». ويشرح أن المجلس كان يضم جهات محافظة لا تحبذ الانفتاح الإعلامي والانطلاق الرحب في مجال خصخصة الإعلام.

حمادة الفراعنة، الذي كان نائبا تلك الفترة، يذهب في الاتجاه نفسه، وينحو بمسؤولية «إحباط» المشروع على التيار المحافظ في الدولة ويقول: «الخطاب الملكي عصري أكثر من ممارسات الحكومة وخطابات النواب، لذلك فإننا نعيش التناقض منذ فترة طويلة». ويزيد أن التيارين النافذين في البلد هما: المحافظ المتمثل في «كبار الموظفين الذين يلتفون حول السياسات الحكومية المتعاقبة»، والأصولي المتمثل في حركة الإخوان المسلمين. وهنا يلحظ الفراعنة «غيابا أو ضعفا للتيار العصري الليبرالي الساعي إلى الدمقرطة.»

لكن ياسر أبو هلالة، مدير مكتب فضائية «الجزيرة» في عمان، والذي تابع تفاصيل هذا الملف، يذهب أبعد من ذلك ويقول إنه لم تكن هناك «أساسيات» لقيام مشروع مدينة إعلامية حرة، ويشرح أن المسألة لا تتعلق بالمدينة الإعلامية بحد ذاتها، وإنما بعدم وجود فضاء إعلامي حر. ومن باب أن «فاقد الشيء لا يعطيه» يتساءل أبو هلالة: «كيف سيأتينا الآخرون إذا كان مفهوم الإعلام لدينا هو جهاز دعائي (بروباغاندا) يتبع للدولة، ومن يحد عن هذا يعتبر صحفيا منشقا غير وطني؟»، ويضيف: «نحن للآن مختلفون حول مفهوم الإعلام، فلا نفرّق بين النقد والتشهير».

لكن راضي الخص، العضو المنتدب للمدينة الإعلامية، يعتبر أن السبب في عدم تطبيق المشروع هو عدم توفر الميزانية اللازمة. ويشرح أن مدينة دبي الإعلامية، مثلا، تنفق مبالغ ضخمة على بناء استوديوهات ومرافق تستأجرها القنوات الفضائية؛ وهذا يتطلب ميزانية عالية إذا أراد الأردن تطبيقها. ويؤكد الخص أن فكرة المدينة الإعلامية الحرة لم تُجهض وإنما طبقت على الواقع ولكن بشكل مختلف عما هو في دبي والقاهرة. ويشرح هذا الاختلاف في أن الأخيرتين تملكهما الدولة، أما المدينة الإعلامية في عمان فهي شركة خاصة، وذلك بموجب اتفاقية بين شركة الدلة للإنتاج والحكومة الأردنية عام 2001. بموجب هذه الاتفاقية تعمل شركة المدينة الإعلامية وفق قانون المناطق الحرة الخاصة، ما يعني إعفاءها من الضرائب والرسوم. ويؤكد الخص أن الدلة، بموجب هذه الاتفاقية، اشترت فقط، المبنى المحاذي لمبنى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بمبلغ 3.3 مليون دينار، فيما لا تزال تستأجر الأرض من الحكومة، بخلاف ما يقوله البعض من أن الدلة اشترت الأرض والمبنى بحوالي مليوني دينار. ويؤكد الخص أن المدينة الإعلامية في عمان تقدم الخدمات نفسها التي تقدمها المدينة الإعلامية في دبي، باستثناء بناء وتأجير استوديوهات. وتتلخص هذه الخدمات بتوفير الرابط الذي ينقل بث المحطات الفضائية المختلفة إلى الأقمار الاصطناعية (نايل سات، عرب سات).

ما بين المدينة الإعلامية الحرة، التي بدأت أردنية وانتهت إماراتية، والتلفزيون الأردني، الذي لم يعد المواطن الأردني يرى نفسه فيه، يظل الخطاب الملكي مصرا على أهمية دمقرطة الإعلام الأردني ليكون منفتحا، ليس فقط على العالم، ولكن على الداخل. ومنذ كتاب التكليف لحكومة الفايز والملك يؤكد أنه «في حين تمكنا من إيصال رسالتنا إلى خارج الأردن، فقد عجز إعلامنا عن إيصال رسالتنا وإنجازاتنا إلى المواطنين وظل متأثرا، لا مؤثرا.»

**

كان لدينا ذات يوم قانون محترم

وجه الملك عبدالله الثاني الحكومة في الذكرى 62 لاستقلال المملكة، لإنجاز حزمة من التشريعات من بينها «تسيير الاجتماعات العامة». الأمر الملكي ربط ما بين هذا التوجيه وبين تشديده على أن «التنمية السياسية وضمان الحريات الأساسية للمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز مشاركتهم في اتخاذ القرار، حق مكفول في الدستور، وهي متطلب رئيسي، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة».

إذاً تعديل قانون الاجتماعات العامة رقم 7 لسنة 2004 كان المقصود منه إعطاء مجال حرية أوسع لمنظمات المجتمع المدني لتتحرك فيه وتعبر عن ذاتها وتمارس أنشطتها التنموية.

لكن الحكومة التي اضطرت بناء على الأمر الملكي إلى تقديم مشروع قانون معدِّل لقانون الاجتماعات العامة إلى مجلس الأمة، التفَّت على الأمر الملكي بأن قدمت تعديلات "شكلية" على القانون لا قيمة لها البتة، ومع تواطؤ البرلمان، فقد بقيت مشكلة القانون قائمة وهي اشتراط الموافقة المسبقة على الاجتماع أو المسيرة.

الحكومة والبرلمان تجاهلا اقتراحات مصدرها منظمات المجتمع المدني للتفريق بين المسيرة التي لا اعتراض على اشتراط الموافقة المسبقة لإجازتها، وبين الاجتماع التي يكفي الإشعار لإجازتها كما كان عليه الوضع في قانون الاجتماعات القديم لسنة 1953.

للعلم، فإن الحق في عقد الاجتماعات العامة يعدّ من الحقوق الدستورية الأساسية. المادة 16 من الدستور تربط في فقرتيها الأولى والثانية بين حق الأردنيين في الاجتماع ضمن حدود القانون، وبين حقهم في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية. هذا يؤكد أن الحق في الاجتماع هو الوجه الآخر للحق في تأليف الجمعيات والأحزاب.

**

المدينة الإعلامية

تقوم المدينة الإعلامية ببث وإعادة بث حوالي 150 قناة فضائية. فهي مثلا تبث برامج محطات، إلى جانب التلفزيون الأردني، بما فيها قنوات أردنية خاصة مثل: نورمينا، سيفن ستارز، بترا، الصناعية وغيرها. كما أنها تعيد بث برامج قنوات أخرى لتوصل بثها إلى مناطق لا تستطيع القناة الأصلية الوصول إليها، ومنهـــا برامج قناة الجزيرة التي يعاد بثها من المدينة الإعلامية، وقنوات لبنانية وعراقية وسعودية، وآسيوية أخرى.

كما استطاعت المدينة خلال الأعوام الماضية تشغيل 900 شاب من خريجي الجامعات الأردنية. هؤلاء يعملون على أجهزة هي الأحدث في الشرق الأوسط، ومن الأفضل في العالم كله، الأمر الذي أكسبهم خبرة واسعة ووفرت لهم سوقا رائجة في الخارج؛ إذ تم العام الماضي تشغيل 100 منهم في دول الخليج.

الإعلام والمدينة الإعلامية: التوجيهات الملكية في واد وما يحدث في واد آخر
 
21-Aug-2008
 
العدد 40