العدد 40 - أردني
 

منصور المعلا

في حادثة شغلت الأردن قبل سنوات، قتل أحد شيوخ العشائر الأردنية بعد أن انهمر عليه سيل من الرصاص فأرداه قتيلاً. كان القاتل يترصد الشيخ للأخذ بثأر قديم له، وكانت تلك "فرصته" التي انتهزها ليأخذ "ثأره" مشعلاً فتيل سلسلة من الثارات التي استمرت بعد ذلك بسنوات، فخلال مراسيم دفن الشيخ القتيل، وقف رجال عشيرته يطلقون زخات كثيفة من الرصاص الحي ويرددون عبارة: يا (...) عليك النوم، واحنا علينا الحوم"، تعبيراً عن إصرارهم على الأخذ بثأر زعيم عشيرتهم.

بحسب مسؤول في وزارة الداخلية، فُتح بيت عزاء للشيخ الراحل في أحد الأحياء الراقية بعمّان الغربية. وحين وقف أهل الفقيد لاستقبال المعزّين، كانت بندقية من نوع "برتّا" تتدلى على خصر شقيقه.

هذه الحادثة تفتح الأفق على واحدة من أخطر المشاكل الاجتماعية في الأردن: ظاهرة حيازة الأسلحة، التي تتبدى في صورتها الأبرز في المناسبات؛ الزواج، النجاح في امتحان الثانوية العامة، التخرج في الكليات والجامعات، وفي مناسبات أخرى عديدة، حيث تشتعل سماء البلاد بالأعيرة النارية، ومعها الألعاب النارية التي أصبح بعض المحتفلين يستخدمونها تعبيراً عن ابتهاجهم في تلك المناسبات بديلاً عن الرصاص الحي، استجابةً لنداءات عدة من الحكومة ومن مسؤولين آخرين.

لكن حادثةً وقعت في مخيم البقعة القريب من عمّان قبل نحو أسبوعين، أثبتت أن الألعاب النارية لا تقل خطراً عن الرصاص الحي. أدى إطلاق ألعاب نارية من مكان قريب من النار التي أُشعلت لتجهيز الطعام للمحتفلين، إلى حريق امتدت ألسنته لتصيب أكثر من 30 شخصاً من المحتفلين، بمن فيهم طفل صغير احترق نصف وجهه.

إطلاق الرصاص مستمر رغم وثائق شرف جرى التوقيع عليها، وعرائض قدمتها مجموعات شعبية وعشائر وأبناء محافظات، رأت فيها أن إطلاق الأعيرة النارية سلوك غير حضاري، وأنه قد يؤدي إلى خسائر مادية وبشرية.

مع ذلك، ضبط جهاز الأمن العام على أثر إعلان نتائج الثانوية العامة، عشرات المخالفين من بين المبتهجين بنتائج ذويهم.

رغم أن الأفراح من أبرز المناسبات التي تُطلق فيها النيران الغزيرة، إلا أن بعضها قد ينتهي بفاجعة، كأن يُقتل أحد الحضور في حفلة زفاف، لتتحول إلى مأتم.

في مناسبة فرح ذات طابع مختلف، استل نائب فور سماع نبأ فوزه للمرة الثانية بالمقعد النيابي، رشاشاً من طراز "كلاشنكوف"، وأطلق صلياتٍ عدة ابتهاجاً بفوزه. وجود عدد من رجال الأمن في المكان لم يردعه عن ذلك.

يُستخدم السلاح أيضاً في المشاجرات التي كثيراً ما تكون على خلفيات عشائرية؛ فقبل نحو شهر أقدم عدد من الشباب على إطلاق أعيرة نارية ،على منزل النائب السابق عبد لله العكايلة بالجبيهة، على خلفية مشاجرة كانت نشبت في جامعة الطفيلة التقنية. وكان من حسن الحظ أن إحدى الرصاصات أخطأت رأس ابن النائب السابق الذي كان موجوداً في غرفته.

من الطريف أن السؤال حول مصدر هذه الأسلحة، قد يبدو غريباً لكثرة ما يظهر منها في هذه المناسبات، وكأن وجودها في أيدي الناس، وأحياناً أمام سمع رجال الأمن وبصرهم، أمر طبيعي، بحسب المسؤول في وزارة الداخلية، كما في بيت العزاء الذي فتحه أهل الشيخ الذي قُتل في حادثة الثأر. السؤال يتناقض مع سربان قانون يعود إلى خمسينيات القرن الماضي "ينظم" تداول الأسلحة النارية بمختلف أنواعها.

في العام 1952، صدر أول قانون للسلاح، ونص على أنه يجوز لأهالي المملكة أن يحتفظوا في منازلهم وأماكن إقامتهم بالبنادق والمسدسات لاستعمالهم الشخصي.

بحسب نص القانون، فإن كمية العتاد المخزنة يجب أن تكون بالقدر الضروري للدفاع عن النفس، شريطة حصول من يرغب في اقتناء السلاح على رخصة مسبقة من وزارة الداخلية، وأن يسجل اسم المشتري واسم المتجر في سجلات الوزارة.

آنذاك، كان اقتناء السلاح يعد جزءاً مكملاً للرجولة خلال ارتداء المسدسات على الخاصرة. هذه الظاهرة اختفت مع التطورات التي طرأت على المجتمع، إلا أن اقتناء السلاح والاتجار به ما زال يمارَس، في الخفاء، بحسب خالد أبو لب الذي قدم نفسه بوصفه تاجرَ سلاح سابقاً.

ربما كانت ممارسة اقتناء السلاح في الخفاء هي السبب في أن سالم، شاب في العقد الثالث من العمر، يرفض الإفصاح عن وجود سلاح ناري في بيته. سالم، الحائز على درجة الماجستير في العلوم السياسية، يبرر تكتمه هذا بأن أي حادثة إطلاق نار في الحي الذي يقطنه أو الأحياء المجاورة قد تستدعي تجريد حملة تفتيش على تراخيص الأسلحة، وهو ما لا يريده، لأن سلاحه غير مرخص.

بحسب أبو محمد، رجل خمسيني عرّف على نفسه بأنه تاجر سلاح سابق، فإن السلاح يعد تجارة رائجة في العديد من المناطق. الرجل بدأ حديثه همساً، متسائلاً عما إذا كان سؤال "ے" عن السلاح من قبيل التحري والإيقاع به، إلا أنه سرعان ما تذكّر أنه اليوم تاجر تائب، وأنه لم يعد يخشى شيئاً في هذا المجال.

بينما كان أبو محمد يهم بمغادرة المكان، بدعوى انشغاله بأمور أخرى، قال إن الإحساس بالأمان هو ما يدفع بعض الناس للبحث عن السلاح، رغم ارتفاع أسعاره.

يوضح أبو محمد أن ثمن "قطعة السلاح" يتحدد في ضوء نوعيتها، وبحسبه فإن أسعار الأسلحة الأوتوماتيكية ارتفعت في الآونة الأخيرة، حتى أصبحت تراوح ما بين 750 ديناراً و5 آلاف دينار للقطعة الواحدة، وذلك بحسب نوعها، قياسها، ومواصفاتها: طلقات مفردة أو رشاشة، آلية أو أوتوماتيكية، وسوى ذلك من تفاصيل.

وتشكل الأسلحة الواردة من العراق الجزء الأعظم من المعروض في السوق المحلي، ولكن تاجرا يصفه بأنه يعاني من رداءة في النوعية، بعكس الأسلحة الواردة من مصر والتي "تتصف بالجودة والحداثة" على حد تعبيره.

ويضيف التاجر ذاته أن أسعار الأسلحة وذخيرتها ارتفعت في السنوات الأخيرة، عازيا ذلك إلى ندرة المعروض في السوق وازدياد الطلب، معتبرا أن الاتجار بالأسلحة في كثير من مناطق المملكة، وبخاصة في الغور واللبن وسحاب والموقر ومناطق البادية الشمالية يشكل أحد مصادر الرزق الرئيسية.

السلاح موجود بين الأيدي وفي أماكن معينة في المنازل، لكنه قد يشهر في أي مناسبة للفرح أو للأخذ بثأر قديم، فيفاجأ كثيرون بعدد القطع المخبوءة، ما يعني أن الأمر بحاجة لتفعيل قانون حيازة السلاح الصادر في العام 1952 والذي عدل في العام 2006 وقدم باسم قانون السلاح والذخائر الأردنية، لتصبح رخصة" اقتناء" بدل "حمل"، في تفريق واضح بين التعبيرين، ومنح القانون الجديد مقتني السلاح الحق في الاحتفاظ بالسلاح في أربعة أماكن فقط هي: البيت، المكتب، المزرعة، السيارة.

ومنع القانون إشهار السلاح إلا في الحالات الطارئة التي تستدعي ذلك، مع عدم جواز حمله في الأماكن المكتظة بالسكان، وفي الأسواق والدوائر الحكومية.

**

"السجل" والداخلية

«السجل» حاولت الحصول على معلومات وأرقام كانت طلبتها من وزارة الداخلية حول هذا الموضوع قبل أكثر من أسبوع، لكنها لم تتمكن من ذلك. كان هدف «ے» هو التزaود بإحصاءات رسمية حول عدد حيازات السلاح في الأردن، وعدد قضايا حيازة السلاح المضبوطة خلال السنوات الأخيرة، وعدد الرخص الممنوحة.

لدى الاتصال بمديرة الشؤون الأمنية بوزارة الداخلية، أكدت المسؤولة وجود إحصاءات، لكنها قالت إن تزويدنا بها يحتاج إلى موافقة أمنية. لكن الوزارة عادت ونفت امتلاكها أي أرقام حول الموضوع المطروح، وطلبت من الصحيفة مراجعة مدير الأمن العام للحصول على الأرقام، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام المسؤولين الحكوميين بالدعوات الرسمية للشفافية في التعامل مع وسائل الإعلام، وبعض هذه الدعوات صادر عن أعلى المقامات.

في أثناء مراجعات «ے» للوزارة للحصول على البيانات، وجّه مسؤول في الوزارة بعض الملاحظات السلبية على بعض أعداد «ے»، وأبدى مشاعر عدم إعجاب بخط الصحيفة والقضايا التي تطرحها.

“زينة الرجال” للأفراح وللثأر: قانون تنظيم الأسلحة لعام 1952 لم يفعل!
 
21-Aug-2008
 
العدد 40