العدد 40 - أردني | ||||||||||||||
ياسر أبو هلالة عندما استقبل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد، رئيسَ المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خالد مشعل في 16 حزيران/يونيو الماضي، تذكرت ما قاله لي مشعل عندما التقيته في دمشق قبل زهاء عام: "لدينا علاقات جيدة مع كل الدول العربية باستثناء الأردن والإمارات". فاللقاء جاء بعد عشر سنوات من آخر لقاء استقبل فيه الشيخ زايد الشيخ أحمد ياسين بعد الإفراج عنه. الإمارات ليست على تماس مباشر مع القضية الفلسطينية، وشعبها لم يكن متحداً مع الضفة الغربية، ومع ذلك تفتح صفحة جديدة مع حماس. ولا ينقلها ذلك من دولة معتدلة ضمن ما عرف بـ"الرباعية العربية"، إلى دولة ممانعة مع إيران التي تحتل جزرَها. ولا يمحي من الذاكرة أن حماس صادرت في ذروة مواجهاتها مع فتح في غزة شحنة سلاح إمارتية كانت مقدمة لأجهزة أمن السلطة. تلك كانت إشارة مهمة، إلى أن الأردن يمكنه تغيير موقفه المتشدد من الحركة. بعدها بشهر تقريباً فتحت "صفحة جديدة "مع الأردن. تاريخ 21/7/2008 هو بداية لمرحلة غير مسبوقة في العلاقات. رغم أن الشعرة الأمنية لم تنقطع بين الحركة والأردن حتى بعد إلغاء زيارة محمود الزهار واتهام حماس بتهريب وتخزين سلاح واستهداف ضباط مخابرات. اللقاءات الأخيرة كانت "مختلفة". قبل 21/7 كان يمثل الحركة في اللقاءات محمد نزال ومحمد نصر (عبد الدايم). كانت لقاءات استطلاع وجهات نظر وتبادل رسائل غير مباشرة ومراجعة ومحاسبة لاختراقات متبادلة. بخلاف لقاءات الصفحة الجديدة، التي كان عنوانها "شراكة" لمواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية والأردن. حرص الطرفان على وضع اللقاءات بعيداً عن الإعلام، وهو ما نجح جزئياً، إذ بدأ التفاعل الإعلامي معها بعد مضي نحو شهر. لم تخرج تصريحات إلى العلن على لسان مسؤولين في حماس إلا في خطبة الجمعة (13/8/2008) التي رحب فيها رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية بالحوار مع الأردن. في الأثناء كانت عُقدت أربعة لقاءات، وحضر للمرة الأولى عضو المكتب السياسي المبعد عزت الرشق إلى عمّان التي أُبعد عنها في العام 1999. لا شك أن الطرفين حريصان على حياة العلاقة الوليدة. والتحديات التي تواجههما ليست سهلة. فالترحيب والارتياح العام لا يخفي مخاوف أطراف كثيرة لا يسرها التطور في علاقة الأردن وحماس. فالإسرائيليون يريدون خنق الحركة والرئة الأردنية التي يمكن أن تضخ منها أكبر كمية من الأكسجين. ورغم إدراكهم أن الأردن لن يعود إلى ما قبل 1999، يوم كانت عمّان مقر قيادة الحركة، إلا أنهم يعلمون جيداً أن استدارة حصلت لا يعرفون مداها، وهي بالنتيجة لن تكون في صالحهم. لا يختلف الموقف الأميركي الراهن عن الموقف الإسرائيلي كثيراً في عدائه للحركة، ورفضه الاقتراب منها. ذلك الرفض لا يلزم حلفاءها بشكل حاد. ولم يحصل أن وجه الأميركيون انتقادات علنية لدول حليفة بسبب علاقاتها مع حماس. في المقابل تكيل الاتهامات لإيران وسورية بسبب علاقتهما مع حماس. وكثيراً ما تُوسع السياسة الأميركية هامش المناورة للحلفاء. ذلك كله لا يعني أن الأميركيين ينظرون بعين الرضا للقاءات، وقد تفاجأوا بها، وهم حريصون على استيضاح حقيقتها. بعيداً عن المجاملات، يمكن ملاحظة قلق السلطة الفلسطينية من التطور في العلاقة. حتى عرفات في عز قوته لم يكن راضياً عن علاقة الأردن بحماس. فكيف بسلطة ضعيفة. سارع الرئيس محمود عباس للتوجه إلى عمّان لاستيضاح ما حصل. بخاصة أن عمّان ظلت العاصمة العربية الوحيدة المجافية لخصمه اللدود حماس. ولم يصدر عنه ترحيب بالتطور الذي حصل، وهو ما يشي بعدم الرضا. المواقف العربية تتفاوت ترحيباً وحذراً. فالمصريون يريدون أن تظل حماس ورقة بيدهم. واللقاءات جاءت في ظل برود في علاقة مصر وحماس، بعد فشل المصريين في إدراة ملف مفاوضات شاليط، وتعنتهم في قضية المعبر، وتشددهم في مقاومة التهريب. لا يشعر المصريون بمنافسة مع سورية ذات التحالفات المختلفة، لكنهم يشعرون بالمنافسة مع دولة مثل الأردن لديها شبكة العلاقات نفسها، وربما أقوى، مع الأميركيين والإسرائيليين. أما السوريون، فلا يشعرون بمنافسة مع الأردن، باعتبارهم "دولة ممانعة" تعمل في حيز استراتيجي آخر، وهم يرون في العلاقة مع حماس تأكيداً على صحة مواقفهم السابقة. ارتبط ما جرى بعوامل محلية وإقليمية ودولية. محلياً لا بد من تجفيف منابع التوتر مع الإسلاميين، وقد تزامنت اللقاءات مع حماس بأخرى مع الإخوان. وبعيداً عن الاتهامية، تعتبر الحركة الإسلامية واحدة في الأردن وفلسطين، وإن تمايزت تنظيمياً. وتقوية الجبهة الداخلية أمر مهم لاعتبارات كثيرة، فالوضع الاقتصادي الخانق يجعل البلاد غرفة مملوءة بالغاز، والإسلاميون في حال التوتر يصلحون عود ثقاب، وفي حال الاستقرار هم إطفائية حريق. وهم الجهة الأقدر على ترشيد الشارع وحماية الوحدة الوطنية، باعتبارهم الحركة الوحيدة العابرة للضفتين. على أهمية العامل المحلي، يظل الإقليمي والدولي متقدماً عليه. ما حصل في غزة والضفة الغربية، يكاد يكون قضية داخلية أردنية في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية. من الواضح أن حركة حماس اكتسحت الشارع بقوة صناديق الاقتراع، وعززت بحسمها العسكري إنجازها السياسي، وخلال عامين صمدت في ظل حرب ضارية عليها شارك فيها الشقيق الفلسطيني والعربي. استتب الأمر لحماس في غزة، وهي في الضفة لها أكثرية النواب والبلديات، وحافظت على حضورها في الانتخابات الطلابية والنقابية. وبحسب مسؤول أردني: "لو جرت في الضفة الغربية انتخابات بين عباس ومشعل لفاز مشعل". الفرق الوحيد بين الضفة وغزة أن الجهاز العسكري لحماس في الضفة لا يعمل. وفي حال انهيار السلطة ستكون حماس جاهزة لبسط نفوذها على الضفة الغربية. ولو جرت انتخابات رئاسية نزيهة يصعب على عباس الاحتفاظ في موقعه. في ظل الإجرام الإسرائيلي والدعم الأميركي والتعامي الغربي، يحتاج الفلسطينيون إلى حماس، دليلاً على أنهم شعب ما زال على قيد الحياة. وفي الوقت الذي تصمد فيه قيادات حماس في الضفة وتفاوض بقوة على الأسرى وتصد العدوان، يكتفي قادة السلطة بالتفاوض، والتقاط الصور مع المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين. ما يغري في التقارب مع حماس ليس قوتها الخاضعة لمعايير الهبوط والنزول، وإنما ما يمكن وصفه بـ"نهاية فتح". فقطاع غزة الذي شهد ميلاد فتح وصعودها شهد نهايتها الدرامية حتى آخر مربع لعائلة حلس. وأكثر المتفائلين والمتعاطفين مع فتح لا يملك إجابة، كيف يمكن إعادة الحياة للحركة التي تحولت إلى كوادر ترتبط براتب آخر الشهر. وفي مصالح الدول لا تذرف الدموع على الجثث. وكانت فتح تتمزق بشكل لا يمكن معه تسنيدها. راهن المسؤولون الأردنيون في السابق على السلطة وفتح. وخاب الرهان بشكل فاجع. لم تنتقل كل البيضات إلى سلة حماس، لكن سلة حماس الفارغة بدأت تمتلئ. هذا تنويع في الخيارات، وليس استبدال خيار بآخر. فإن حصلت معجزة واستعادت فتح عافيتها ستجد أن سلتها غير خالية. ما جرى في غزة حلقة في سلسلة هزيمة "محور الاعتدال" في المنطقة. ولبنان شكل النموذج الساطع. فأميركا لم تعد تلك القوة الباطشة التي أسقطت نظامَي طالبان وصدام. هي قوة نازفة اليوم في أفغانستان والعراق، لم تتمكن من إقامة البديل، وتركت البلدين نهباً للفوضى والجوع والخوف و.. المقاومة. لا ترفع أميركا راية بيضاء وتنسحب ذليلة من العالم الذي اجتاحته، لكنها في ظل الإدارة الجمهورية، بدت مرتبكة متخبطة تغير سياساتها وفق اعتبارات ميدانية وحسابات انتخابية وأحيانا إعلامية. حماس لم تقاتل أميركا، في العراق فصائل قاتلت أميركا ولم يجد الأميركيون حرجاً من حوارهم ضمهم لما عرف بـ"الصحوات"، فمن يضمن ألاّ يأتي يوم تحاور فيه حماس سعياً لإقناعها بحل الدولتين؟ لو جاء أوباما، فالمرجح أن يغير الموقف من حماس. بخاصة أن روبرت مالي، أحد مساعديه، سبق أن حاور حماس، واستقالته جاءت حماية لأوباما، لا انقلاباً على قناعاته. إسرائيلياً، يراوح الوضع بين جمود وفوضى في أحسن الأحوال، أو سياسة عدوانية تجاه الأردن إن فاز نتنياهو، وهو الاحتمال الأسوأ. وفي بلد تعتبر القضية الفلسطينية مسألة داخلية فيه، لا يمكن انتظار الأسوأ حتى يقع. الانفتاح على حماس استباق للقادم، وعودة إلى الأصل. فحماس دخلت الأردن من أبوابه في مطلع التسعينيات، ولم تتسلل من الشبابيك. اليوم فُتحت الأبواب لكن ليس على اتساعها السابق. |
|
|||||||||||||