العدد 40 - بورتريه
 

محمود الريماوي

لمحيي الدين توق (64 عاماً) مواهب متعددة وقدرة على المزاوجة بين أمور متباعدة. في سني شبابه كان مولعاً بالرياضة: كرة اليد، وكرة السلة، مستفيداً من طول قامته وجسمه الصلب، حتى إنه انضم للمنتخب الوطني لهاتين الرياضتين. غير أن الانشغال بالرياضة لم يفارقه تماماً، فقد ترأس فريق العمل لأول خطة تطوير رياضي في المملكة في العام 1992، ومذ ذلك الحين انقطعت صلته بعالم الرياضة باستثناء هواية المشي التي يزاولها خمسة أيام في الأسبوع. في الوقت ذاته في شبابه الأول تفتحت ميوله السياسية، وكان قريباً من حركة القوميين العرب دون أن يكون عضواً في الحركة، وشارك في تظاهرات وأنشطة جماهيرية فيما كان على مقاعد الدراسة الإعدادية، وحافظ على معتقداته هذه وهو يكمل دراسته العليا في الولايات المتحدة، وتولى موقعاً متقدماً في رابطة الطلبة العرب التي أغضبت العديد من السلطات العربية، وفي تلك الأثناء تعرف على الثقافة الماركسية من الأستاذ سعد الدين إبراهيم الذي كان يسارياً متشدداً آنذاك (مطلع السبعينيات). يستذكر توق ذلك بسخرية، فأول من علّمه الماركسية كان بين من عرفهم، من أوائل من "انقلبوا عليها".

يقول إن انفصال سورية عن" الجمهورية العربية المتحدة" وهزيمة العام 1967 وأحداث أيلول ووفاة عبد الناصر، سببت له صدمة كبيرة، وصرفته عن الانخراط في الشأن السياسي المباشر.

ميله إلى التنظيم الدقيق والعمل الجماعي بدأ منذ الصغر، حيث كان ينظم فتيانَ الحي بعمّان في أنشطة ترفيهية. بعد نيله شهادة الدكتوراه في علم النفس التربوي انخرط في العمل الأكاديمي والإداري معاً، وتنقل بين مناصب شتى في الأردن وخارجه، وكان من مؤسسي جامعة فيلادلفيا وأول رئيس لها. وساهم في إنشاء كلية التربية في جامعة الإمارات. وعمل بعدئذ سفيراً في فيينا، ثم لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ومديراً إقليمياً لمكتب التربية التابع لوكالة الغوث، ووزيراً لمرتين آخرهما في الحكومة السابقة حكومة معروف البخيت..

يثير محيي الدين توق للوهلة الأولى الانطباع بأنه إداري وبيروقراطي متطور (من ذوي الياقات الزرقاء). بينما يفيد سجله المهني بكفاءته في مجال التخطيط بعيد المدى وتمتعه برؤى مستنيرة، وإن كان بعضهم يعتقد أن هذه الرؤى قلما انعكست في الوظائف التي تقلدها، فيما يشدد آخرون على كفاءته ومهنيته حين توليه عمادة شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية أواسط الثمانينيات، وهي فترة لم تشهد ظهور الاتجاهات الفئوية والتعصبية لدى الطلبة.

محيي الدين توق، يرى أنه حُرم في ربع الساعة الأخيرة من الانضمام لحكومة أحمد عبيدات في العام 1984 نتيجة تدخلات متنفذين، وذلك "عقاباً" على تقيده التام بالقوانين دون ظلم أو محاباة لأحد. بعد 11 عاماً عُين وزيراً للتنمية الإدارية في حكومة الشريف الأمير زيد بن شاكر.

لمحيي الدين توق آراؤه الخاصة في المسيرة الديمقراطية. إذ يعتبر أن بلوغ ما بلغته الدول والمجتمعات المتقدمة، أشبه بصعود الجبال العالية. السقوط مؤلم جداً، العودة للسفح ثم معاودة الصعود شديد الإرهاق. التقاط الأنفاس لبرهة قصيرة مفيد لاستئناف الصعود.

الديمقراطية في ما يرى مسألة ثقافية كما هي اختيار للنظام السياسي. لا بد من وجود ديمقراطيين يتمتعون برؤى مستنيرة وطول نفَس وتصميم على متابعة المسيرة. في قناعته أن الخيار الديمقراطي عندنا مبتوت فيه، لكن المحافظين وقوى الشد العكسي يمارسون نفوذهم. وفي الوقت نفسه فإن الأحزاب لا تتمتع بأداء ديمقراطي عال، وشمولية بعض العقائد لا تبشر بوعود ديمقراطية. فضلاً عن غياب الحياة الديمقراطية داخل العديد من الأحزاب القائمة.

بسؤاله عن منع هيئات مجتمع مدني من مراقبة الانتخابات النيابية في العام الماضي، قال توق الذي تولى وزارة شؤون مجلس الوزراء آنذاك، إنه كان مع حق "المركز الوطني لحقوق الإنسان" في المراقبة ، ودفعَ في هذا الاتجاه ولقي تجاوباً من رئيس الوزراء معروف البخيت، لكن قوى شد عكسي ضغطت باتجاه المنع، بالاستناد إلى حرفية القانون الذي ينص على حضور المرشحين أو من يمثلهم. بذلك تم الوصول إلى "تسوية " بوقوف ممثلي المركز في المدخل ومراقبة ما يجري في الداخل والاستماع لملاحظات المرشحين ومن يمثلهم في قاعة الاقتراع. في رأيه أنه تم تثبيت خطوة حق هيئات مدنية في المراقبة، والمطلوب المضي بها إلى الأمام.

في حصيلة مسيرته المهنية يبدي توق اهتماماً فائقاً وإعجاباً كبيراً بتجربة نشوء الاتحاد الأوروبي القابلة للاستلهام عربياً حتى لو اختلفت الظروف: نزاهة الانتخابات، ضمان حقوق الإنسان، حكم القانون، وإدراك تعذر قيام اتحاد بمشاركة أنظمة غير ديمقراطية، مع دور أساسي للهيئات الاجتماعية المدنية إلى جانب المؤسسات الأخرى.

يعتز توق في المقام الأول بدوره في التوصل إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وكان ممثلاً للجنة التفاوض مع دول العالم بشأنها بين العامين 2001 و2003. وقد وقعت الاتفاقيةَ مائة دولة في أواخر العام 2006. وكان الأردن في مقدمة الدول العربية التي وافقت وصادقت عليها في نيسان/إبريل 2005.

بشأن الفساد يقول توق إننا نشكو، بالدرجة الأولى، من سطوة متنفذين يستغلون مراكزهم لتحقيق غايات شخصية خارج دائرة عملهم. وكان من رأيه أن تكون" هيئة مكافحة الفساد" مستقلة ومحصنة منذ البدء، وهو ما حدث في نهاية الأمر بعد 11 عاماً بما يعتبر خطوة إلى الأمام..

الرقم 11 تكرر في حياة توق: لقد تأخر تعيينه وزيراً 11 عاماً، ثم تم الأخذ بخطته للتطوير الإداري في العام 2006.

لا ينتمي توق لتيار فكري وسياسي، ولا يسعى كما هو بادٍ لتكوين مثل هذا التيار. ورغم خدمته الطويلة في مراكز مهمة، إلا أنه يحسب على جمهرة المثقفين والأكاديميين، وعلى شريحة النخبة بصفة عامة، لكنه يضع نفسه في موقع إصلاحي ونقدي.

محيي الدين توق: سر الرقم 11
 
21-Aug-2008
 
العدد 40