العدد 6 - ثقافي | ||||||||||||||
في الجدل الدائر بين أوساط النقاد والسينمائيين العرب حول الفيلم التسجيلي للمخرجة المصرية ناديا كامل المعنون “سلطة بلدي” والذي موٌل إنتاجه مجموعة دول أجنبية، ثمة نقطة من الواجب أخذها بالاعتبار، وهي تتجاوز الاكتفاء بمناقشة مضمون الفيلم المعني بحد ذاته باتجاه فهم مضمونه من خلال استيعاب إشكالية السينما بعامة في تعاملها مع ما يمكن وصفه بالرسالة الإنسانية (وهذا هو الهدف المعلن لصانعي فيلم “سلطة بلدي”)، التي يمكن أن يتضمنها موضوع ما ومدى مطابقة الرسالة للموضوع وطريقة معالجته فنياً ودرامياً، وأيضاً، مدى مطابقة الموضوع للواقع. يروي فيلم “ سلطة بلدي” ذكريات امرأة مصرية عجوز متزوجة من مصري مسلم نعرفها في البداية كامرأة مسيحية ثم صارت مسلمة بعد زواجها، ثم تتكشف في مرحلة لاحقة معلومة أنها ذات أصول يهودية، وهي أثناء تصوير الفيلم، وهو من إخراج ابنتها، تتذكر أقاربها اليهود الذين غادروا مصر إلى إسرائيل قبل أكثر من نصف قرن وانقطعت صلاتها بهم، فيصيبها الحنين نحوهم، وترجو من ابنتها أن تأخذها في زيارة لإسرائيل للقاء أقاربها،ويحثها حفيدها الصغير على الأمر، فتحقق الابنة رغبتها وتصور هذه الزيارة وهذا اللقاء بين الأقارب وتدخل كل ذلك في نسيج الفيلم. الجدل الدائر حول فيلم ”سلطة بلدي” يتعلق بفريق يعتبر الفيلم دعوة صريحة للتطبيع مع إسرائيل، وفريق آخر ينفي عنه هذه التهمة، ويعتبره مجرد وصف لحالة إنسانية وتذكير بتشابك العلاقات الإنسانية في منطقتنا استنادا إلى الهوية المختلطة للمخرجة وشخصيات الفيلم وهم أفراد عائلتها. بعيداً عن الاتهامات والتبريرات المقابلة،ودون محاولة الخوض في تفاصيل الفيلم، فإننا نلاحظ أن مشكلة فيلم مثل هذا تكمن في شقين، الأول منهما، وبغض النظر عن النوايا الطيبة المعلنة من قبل مخرجة الفيلم، يرتبط بتوقيته الزمني بما يجعله في حالة تناقض مع الظرف الواقعي إذ إن الإشكالية المطروحة فيه، وإن اتخذت مبرراً إنسانياً، لا يمكن أن تعزل عن الواقع السياسي المتناقض جذرياً مع مسوغات الفيلم. أما الشق الثاني فيتعلق بمعالجته التي تنم عن تناقض بعض أحداث الفيلم المثيرة للجدل والاعتراض (تحديداً، زيارة إسرائيل ولقاء الأقارب)، مع المنطق الدرامي. وهنا لا بد من ملاحظة أن الفيلم وعلى الرغم من كونه تسجيلياً إلا أنه مبني كدراما عن امرأة عجوز تحن إلى بعض ماضيها. وفي حين يتطلب منطق الدراما أفعالاً وعلاقات تتلاءم مع الحالة وتقلباتها وتطوراتها وتتسبب في نوع من التعاطف مع الشخصية. وفي هذا الفيلم، فإن فعل الزيارة والعلاقات التي نشأت عنها لا تخدم الحالة العاطفية، ولا تجعلها تؤثر في النفوس أو تؤدي إلى التعاطف مع الشخصية، بل تحرفها باتجاه آخر بعيد عن المحفز، أي حنين شخصية الفيلم الرئيسية لأقارب طفولتها، اتجاه مغاير يرتبط بالواقع السياسي المتناقض جذرياً مع الفعل ومحفزاته، والعلاقات التي تلته، بحيث يجير الفعل، بطبيعة الحال، لا لصالح الفاعل ولا لصالح العاطفة التي حفزته على الفعل، بل لصالح موقف سياسي يستفيد منه طرف خارجي يفترض أن صانعي الفيلم معادون له. ثمة مأزق آخر يعاني منه الفيلم من ناحية الشق المتعلق بالمنطق الدرامي الخاص ببناء الشخصية وعرضها الشخصية الرئيسية في الفيلم، أي المرأة العجوز، امرأة مثقفة ومناضلة سياسية يسارية سبق لها أن تعرضت للسجن مراراً هي وزوجها الصحفي اليساري، وهذا يفترض فيها أن تكون واعية لتبعات حنينها العاطفي، ولكن الفعل الذي تحقق في الواقع وجرى تصويره في الفيلم، يتناقض مع المنطق، ويؤكد تراجع الوعي وانهزامه أمام حالة عاطفية غير مقنعة، حالة عابرة نشأت عرضا، كما بدا ذلك في الفيلم، أثناء سرد العجوز لسيرتها لحفيدها الصغير. والملاحظة ذاتها تنطبق على الزوج، كما تنطبق حتى على الابنة مخرجة الفيلم. تتسبب العجوز حين تعلن عن رغبتها في زيارة أقاربها في إسرائيل، في إثارة نقاشات مع من حولها،بين أخذ ورد، وهي نقاشات معروضة أمام الكاميرا ومتضمنة في الفيلم، تنتهي إلى موافقة المحيطين بها، ومن ضمنهم زوجها المناضل المدافع عن الحقوق الفلسطينية، على الزيارة. وتستغرق المناقشات حيزاً كبيراً من زمن الفيلم. ومن الناحية الدرامية يفترض أن ينتهي الفعل نتيجة مؤثرة، إنسانياً على الأقل، وأن يصل إلى الذروة التي تتناسب مع الحافز الذي أدى إلى الفعل الجلل الذي استغرق الوصول إليه الكثير من النقاش، غير أن الفيلم لا يتوصل إلى نتيجة من هذا النوع أو إلى ذروة ملائمة، فالنتيجة تبادل ذكريات عائلية قديمة جدا تستدعي عواطف لدى المشاركين في اللقاء هي دون مستوى العاطفة التي حفزت على الزيارة وجلسات طعام ولقاءات مع الأقارب، ومن ضمنهم مجندون في جيش العدو تليها جولات سياحية. |
|
|||||||||||||