العدد 39 - حريات | ||||||||||||||
حمزة السعود ورغم توقيع الأردن على جميع المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان؛ فإن النظام التربوي والتعليمي الأردني لا يعير أدنى اهتمام لحقوق الإنسان سواء كان على المستوى المنهجي أو حتى على مستوى السلوكيات. ويعرف كل متابع للشأن الطلابي أن المدرسة مثلاً عاجزة عن السيطرة على العنف بين الطلاب، بل إنها، وحتى وقت قريب، كانت تمارس العنف الجسدي معهم، كوسيلة تأديبية تعليمية، وهي ممارسات لم تنته تماما. رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، عدنان بدران، أكد على ضرورة وجود مبادئ حقوق الإنسان في مناهج التربية والتعليم لتصبح أحد مفاهيم الطفل الأساسية التي تتفتح عيونه عليها. وأعلن عن إنشاء مبنىً جديد سيباشر في بنائه خلال اسبوعين- ممول من الحكومة الأردنية- ضمن المركز الوطني لحقوق الإنسان «يعنى بتدريب القضاة والمعلمين ومدراء المدارس وتثقيفهم بأساسيات حقوق الإنسان». ويضيف بدران: «المشكلة الأساسية هي في التطبيق، وهذا ما يستدعي تدريب المعلمين أولاً، لأن التقبل الرسمي لإضافة وحدات تعريفية بحقوق الإنسان في إحدى المساقات، بناءً على توصيات المركز، قائم». حقوق الإنسان كمساق منفرد، إن وجد، في الجامعات فهو اختياري، وغالباً ما لا يتم طرح هذا المساق، بفتح شعبة دراسية، لأن أعداد الراغبين بالتسجيل فيها غير كاف. مثل معظم الطلبة الجامعيين، ندمت حلا على إقدامها على اختيار مساق حقوق الإنسان في إحدى الجامعات الخاصة، والتي تمكنت من فتح هذه الشعبة رغم انسحاب بعض الطلاب منها بعد التسجيل. حلا ندمت على التسجيل، لعدم قدرتها على «استيعاب» جملة المواثيق والقوانين الدولية لحقوق الإنسان. «ليس لدي معرفة مسبقة بهذا الموضوع، وأجده غاية في الصعوبة»، تقول حلا. وفي ظل توقيع الأردن على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لا بد من التشديد على أن التثقيف بحقوق الإنسان يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الحق في التربية والتعليم، فهي تندرج ضمن الأهداف التربوية التي نصت عليها المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل، وهذه جميعا تنص على أن الأهداف الأساسية للتربية هي تنمية الذات البشرية لدى الطفل وتدعيم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتعتبر أجهزة مراقبة الاتفاقيات الأممية أن حرمان الطفل من التربية والتعليم، بل حتى وجود أي تناقض في صلب أي نظام تربوي مع الأهداف الواردة في هذه المواد، هو خرق لهذه النصوص الدولية. مع ذلك فإن السياسات التربوية والمناهج الناتجة عنها، تغافلت إلى حد كبير عن محتوى تلك البنود أو تبنتها بصفة شكلية لا غير "لإقناع الأطراف المعنية بأن التربية على حقوق الإنسان ليست من باب الترف الفكري، وإنما هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه كل إصلاح تربوي"، يقول أحد الخبراء في منظمة "اليونسكو"، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه. ويعلق بأن البلدان العربية تبتعد عن قيم إنسانية عامة وواضحة، بحجة عدم ملاءمتها لخصوصياتها الثقافية والدينية والقومية، «وبناء على ذلك نجدها تنتقي من حقوق الإنسان ما يناسب أنظمتها السياسية، في حين أن المسألة لا تقبل التجزئة». ومن الجدير ذكره أن وزارة التربية والتعليم أعلنت في عام 2005 عن نيتها تعديل مناهج التعليم ضمن خطة شاملة وذلك على ثلاث مراحل تنتهي في العام 2008. وأعلن في حينه أن التعديلات تتناول مفاهيم واردة في مصفوفة حقوق الإنسان وثقافة السلام. غير أن الخطة جوبهت بالرفض آنذاك على المستويات السياسية والنيابية والنقابية والاجتماعية، فقد اتهمت أوساط منها الوزارة بإقحام ثقافة السلام «من باب تعزيز السلام مع إسرائيل»، إلا أن الوزارة قالت إن التعديل يأتي ضمن «مشروع تعديل مصفوفات المناهج التعليمية المتضمن تحديد نتاجات لكل المراحل». بعد محاولات دامت 3 أيام للحصول على تعليق من مدير المناهج في وزارة التربية والتعليم موفق الزعبي على هذا الموضوع، تمكنا من التحدث معه، ولكنه رفض التعليق قائلا أنه غير مخول بالحديث عن أي موضوع. الطالب الجامعي محمد يرى أن التثقيف بحقوق الإنسان والتسامح وعدم التمييز، مازالت تصطدم بتضارب المرجعيات، وتضارب القيم وتناقضها (دينية، قومية، سياسية)، يقول: «اطلعت على الأقل على المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، فتشوشت إلى حد كبير لتناقضها مع ديانتنا وواقعنا الاجتماعي الذي نعيشه بما فيه من عادات وتقاليد». أسمى خضر، عضو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، تقول إنه لا بد من التعامل مع الموضوع بمرونة والتزام بالجوهر، إذ إن تطبيق مبادئ حقوق الإنسان لا يتعارض وأي من قيم المجتمع العربي الدينية والقومية، ولكن «بعض المحافظين التقليديين المتمسكين بالشكليات لا يرغبون، بالطبع، في مواكبة التطور حتى لو كان على المستوى الحقوقي». واعتبرت خضر أن المشكلة الأبرز كانت في تقديم مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان للمجتمع العربي على أنها نتاج غربي مؤكدة أن أول منظمة لحقوق الإنسان وجدت في مكة باسم «حلف الفضول». تنادي خضر بتأهيل المعلمين وإدماج مبادئ حقوق الإنسان في مختلف المساقات التعليمية بطريقة غير مباشرة. «الطريقة المثلى لغرس مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمع تأتي من خلال جيل المستقبل»، تقول خضر، وتضيف أن إفراد مساق يعنى بحقوق الإنسان يزيد العبء على الطلبة. وتؤكد طالبة الحقوق سمية على وجود البعد الحقوقي النظري بشكل ضمني في كل مناهج الثقافة الإسلامية التي تدرس، «إلا أنني لم أتعلم على الإطلاق شيئًا عن تطبيقات هذه الحقوق في الواقع، ولا كيف أمارسها فهذا المنهج النظري يقصر هذه الحقوق على مجموعة القوانين والتشريعات النافذة التي تحكم حياتنا كمواطنين، بحيث أتحسسها كواقع أعيشه، وهذا المنهج النظري قاصر حتى عن فرض تطبيقاته في حدود المؤسسة التعليمية، أي داخل المدرسة نفسها». من الغريب أن نتحدث عن تعليم حقوق الإنسان للأطفال والشباب ضمن المناهج التعليمية والمدارس والجامعات، في الوقت الذي لا توجد أية مشاريع أو مساءلات حول إيجاد ثقافة حقوقية للبالغين وفي الحياة العامة! . |
|
|||||||||||||