العدد 6 - ثقافي | ||||||||||||||
على الرغم من اعترافه بانحسار دولة الماركسية حتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي ومآخذه الكثيرة على رجالاتها من العرب، إلاّ ان المفكر والأكاديمي والمنظر هشام غصيب يعد من أشد المنافحين عن الماركسية بوصفها علماً، وهو الذي لم يكن مؤطراً يوماً تنظيمياً حسب لغة الرفاق. لدرجة وصفه بأنه آخر متصوفة أو دراويش الماركسية. وعلى الرغم من معرفته التي لا يرقى إليها الشك بالخراب العام والطام الذي يحيط بالأمة، وسمة الانسحاب التي يتسم بها المثقفون العرب، إلاّ أن صاحب”تجديد العقل العربي ما يزال ممسكاً بأضلاع المثلث: المهني الذي يتبوؤ فيه رئاسة أهم مؤسسة أكاديمية في تكنولوجيا المعلومات، والفكري المتجذر، والسياسي الراديكالي. والواقع أن الأستاذ الجامعي الرقيق والصارم في آن الفحيصي الجذور العماني النشأة اختار دراسة الفيزياء عام 1967 في عاصمة الضباب لندن، وقت كان حلم السواد الأعظم من الأردنيين وصول عمان المدينة، ولم يكن تعلقه بالتاريخية والجدل يصدر عن من مصلحة أو حاجة ، بل لفرط حبه للبحث الذي استغرق نزفاً عقلياً، استنطق فيه الفلسفة الغربية وحاور من خلالها لبّ أصحابها ومقولاتهم، منذ أرسطو، مرورا بكانت، وانتهاء بهيغل. وعلى خلاف المتوقع كانت لندن وبريقها وسهراتها التي طالما شكلت حلماً لشباب في عمره وقتذاك، صدمة للشاب في التوقيت الذي تزامن مع هزيمة العرب عام 67، والمكان الذي كان غريباً على الفتى الذي تشبع بروح العروبة واللغة والثقافة، وكشفت عند الفتى العربي المسيحي نوعاً من الطهرانية، والمشاعر الميسيانية التي حملته الى القراءة والكتابة كفعل مقدس. وتحول إيمانه بالماركسية إلى الحد الذي يوصف فيه بالماركسي الأرثوذكسي، فهو وإن كان يمتلك الشرط الأرستقراطي، إلاّ أنه يميل الى الزهد، فهو ما يزال يعيش مع والدته المسنة في بيتهم العتيد الذي أقيم نهاية العشرينات في جبل عمان، ويستظل برضا الأم مع الأخت الفنانة التشكيلية رهام غصيب، ويرى أن متع الحياة خلا القراءة والكتابة مجرد فقاعة لا تساوي شيئاً، فهو لا يدخن ، ولا يشرب الخمر، ولا يميل لممارسة الرياضة، وعلى شدة أناقته، فهو يلقب بأنه أشهر المفكرين والعلماء العازبين، وقد باءت محاولات أخيه الذي يناظره في التخصص والاهتمام الإبداعي والفكري همام غصيب في وضعه رهن حبس الزوجية بالفشل. وهو وإن كان يحمل هم العالم وحزن الفيلسوف ومشرط الجراح في الكتابة عند وصف حالنا بأسئلته الجارحة، ومقولاته: “إننا نعيش فضيحة التاريخ” إلاّ أنه يظل متفائلاً بجدوى السؤال: “كيف نستعيد أنفسنا؟، داعياً المثقف الى التخلي عن فكرة الانسحاب، والانخراط في معمعة العمل، وأشد ما يقلقه، الأجيال التي يقول عنها: إنها “عاجزة عن الشعور بخطر التخلف”!. وبين لغة الأرقام ولغة الحروف يسعى صاحب ”نقد العقل الجدلي”،”جدل الوعي العلمي”،”هل هناك عقل عربي؟ الذي يرد فيه على محمد عابد الجابري” وصدر بعضها مؤخراً في “الأعمال الفكرية الكاملة ، يسعى بلا كلل الى أنسنة العلم ليكون فضاء للمعرفة والحرية، وسعادة الإنسانية. |
|
|||||||||||||