العدد 39 - أردني
 

محمد عدي الريماوي

"الكل بيغش، ما أظن أنو في حدا بينجح بدون ما يغش أو يغشش حدا غيره،" يؤكد أحمد الذي أنهى التوجيهي مؤخراً. ويضيف أن مظاهر الغش منتشرة في جميع قاعات الامتحانات، ولكنها تختلف من منطقة إلى أخرى. فمديريات عمان الأولى والثانية (عمان الشرقية) تمتلئ بالكثير من حالات الغش: "هناك بيغشوا زي ما بدهم، المراقبين متساهلين كثير، وفي منهم بخافوا من الطلاب"، والحال هو نفسه في المحافظات، التي يتفاخر بعض أساتذتها بمساعدة الطلبة على الغش، وخصوصاً في مناطق الأقل حظاً. لا يقتنع أحمد بالغش، فهو بالنسبة له كذب على النفس، ولكنه لا يمانع في بعض الأحيان في مساعدة زملائه في القاعة، ما دام المراقبون لا يمانعون في ذلك.

انتشرت ظاهرة الغش في الفترة الأخيرة بشكل كبير، وساعد في ذلك تراجع دور المدرس، وقلة حزمه مع طلابه، وبدا ملاحظاً أن ظاهرة الغش تبدأ، في بعض الأحيان، في وقت مبكر، وفي الصفوف الأساسية. إلا أن الغش في امتحانات التوجيهي يأخذ طابعاً آخر؛ فحالة التوتر والخوف التي تسود الطلبة المتقدمين لهذه الامتحانات، تجعل من محاولات الغش أمراً صعباً، ولكن الرغبة في النجاح تدفع بعض الطلبة، لفعل أشياء جنونية في محاولاتهم للغش.

عامر قدم امتحاناته في الدورة الصيفية الأخيرة في إحدى مدارس جبل الحسين، وهو يؤكد أن المعلمين قد ساعدوا كثيرا من الطلبة على الغش: "يا إما بتركونا نحكي زي ما بدنا، أو بيكونوا المرسال بيننا، لولاهم كان نص القاعة ما نجحت". ويقول إن المراقب كان يقف أحياناً على باب القاعة، ليتأكد من عدم مرور رئيس القاعات، الذي كان بدوره يمشي بأطراف أصابعه محاولاًَ ضبط هؤلاء الطلبة والأساتذة معاً. ويقول إنه قد درس عدة مباحث، ولكن النتيجة واحدة "بدرس أو ما بدرس، كنا نيجي على القاعة ونغش طول الوقت".

ويتضامن هؤلاء المعلمون مع الطلاب المتأخرين والمعروفين بأنهم قد تقدموا للامتحان أكثر من مرة، فيساعدهم المراقبون بداعي الشفقة، كما يقول عامر. وهنالك بعض الحالات التي يكون فيها أحد الطلاب المتنفذين في القاعة، ما يساعد على تسهيل الغش للجميع، وتعامل المراقبين بسلاسة أكثر مع الطلاب الذي يسعون لتبادل المعلومات مع زملائهم. عامر لديه خبرة في امتحان التوجيهي فقد تقدم له أكثر من أربع مرات، وفي مدارس مختلفة، وهو يؤكد أن الوضع يختلف من مدرسة لأخرى، ولكن مبدأ الغش موجود في أغلب المدارس.

"ما همه دافعين دم قلبهم مشان يفوتوا المدرسة، خلهم يخلصوا التوجيهي ويتخرجوا،" يقول أحد أساتذة المدارس الخاصة، مؤكدا أن الغش منتشر أكثر في تلك المدارس، فالطلبة معتادون على أن يفعلوا ما يريدون، وكثير من المعلمين يتبنون هذه الفكرة، وحتى لو كانوا من خارج المدرسة. "بس مرات بتلاقي ناس حاقدين على المدارس الخاصة، فبضيقوا بزيادة على الطلبة!" صدر هذا الكلام من المعلم نفسه الذي عمل مراقباً أكثر من مرة، ولا يخجل من أنه يساعد طلابه بنفسه أو يتركهم يساعدون بعضهم في الامتحان.

وساعدت التكنولوجيا الحديثة طلاب التوجيهي على تبادل طرق الغش، فموقع الـFacebook مليء بالمجموعات التي تتناول موضوع الغش، ورغم أن المشتركين فيها لا يعرفون بعضهم، فإنهم يتبادلون طرقا جديدة ومبتكرة للغش، ما يساعد في نشر هذه العادة بين طلبة التوجيهي، وهنالك خوف من أن ينتقل هذا الأمر إلى طلبة المدارس من المراحل الأخرى. وللمفارقة، فإن هنالك مجموعات تتشكل لمكافحة الغش، لكن عدد أعضائها لا يتجاوز عدد أصابع اليد!

وبدأ بعض الطلاب في استخدام ماكينات التصوير الحديثة، التي تساعد على تصغير حجم الصفحة إلى أقل من النصف، فيصبح حجمها في حجم علبة الكبريت. "الحلو أن الماكنات الجديدة بتخلي الصفحة واضحة حتى لو كانت صغيرة، إحنا بهمنا القوانين وبعض المسائل الصعبة،" يقول رامي الذي استخدم هذه الطريقة في امتحاناته هذا العام. ويؤكد أنها كانت فعالة، واستطاع من خلالها رفع تحصيله في بعض الامتحانات. ويلصق الطلبة هذه الأوراق الصغيرة على أيديهم أو ملابسهم. ويذكر رامي أن زميلا له قد ألصقها على ساعة يده، وآخر وضعها داخل دفتر الإجابة، وأن أحداً من المراقبين لم يشك بشيء.

أما وزارة التربية والتعليم، فتصدر مخالفات بحق من يتم ضبطهم متلبسين، ووصل عددهم في الدورة الصيفية الأخيرة إلى أكثر من 1500 مخالفة، كان أخطرها حرمان 8 طلاب من دورتين كاملتين من التقدم للامتحان. وفي هذا العام سجلت سابقة، عندما انتحلت طالبة جامعية شخصية شقيقتها الطالبة في التوجيهي، ما استدعى تحويلها إلى القضاء. ووضعت الوزارة أخيراً تعليمات صارمة لمنع الغش، فتم تركيب الكاميرات لمراقبة القاعات، وزاد عدد المراقبين ليصل إلى مراقب لكل سبعة طلاب. ولكن الحقائق وما يقوله الطلبة عما يجري داخل قاعات الامتحان، لا يدل على أن هذه التعليمات يتم تنفيذها بدقة.

هذه الظاهرة لم تكن منتشرة بهذا الحجم منذ بضع سنوات، ولكن تدهور الوضع التعليمي أدى إلى ازديادها، والخوف المرضي من امتحان التوجيهي ساعدا كثيراً في نشر هذه العادة، والأساتذة والمراقبون على الجانب الآخر يعبرون عن تعاطفهم مع هؤلاء الطلبة بطريقة خاطئة بمساعدتهم وتحفيزهم على الغش.

سبب ارتفاع المعدلات في الشتاء!

"الدورة الشتوية بتساعد على الغش أكتر، بنقدر نخبي كتير أشياء في الملابس التقيلة، بس المشكلة في الصيف .. ما في مكان نخبي فيه إشي." يقول بلال إن برد الشتاء يساعدهم على تخبئة أوراقهم و"براشيمهم" في ملابسهم الكثيرة، وأنه يصعب على المراقب رؤية ما بين الملابس. ويؤكد أن هذا هو السبب المباشر لارتفاع المعدلات في الدورة الشتوية، وليس كما يقول التربويون من أن الطلبة في الفصل الأول يقبلون على الدراسة أكثر!

ولكن حرارة الصيف قد تساعد الطلبة أيضاً، فهي تدفع المراقبين للخروج من القاعة لتنشق بعض الهواء النقي "بحكوا بدهم يشموا هوا، بس هم بطلعوا مشان يعطونا مجال للغش. ومرات بيفتحوا الشباك فبيصير ضجيج، فبنحكي على راحتنا، وعالحالتين إحنا مستفيدين". ويقضي المراقب وقتاً طويلاً في الخارج، خصوصاً مع غياب رئيس القاعة، فيكون أحدهم في الخارج والثاني ينظر من نافذة القاعة، فيتحول الامتحان في كثير من الأحيان إلى حلقة نقاش بين الطلبة!

**

التكنولوجيا في خدمة الغش

يؤكد طلاب أن المعلمين في إحدى قاعات الامتحان، كانوا يستخدمون أجهزتهم الخلوية لبعث رسائل تحتوي على بعض أسئلة الامتحانات، وينتظرون الإجابة من أساتذة آخرين. أحد الطلاب فضل عدم ذكر اسمه، فهو سيتقدم للامتحانات في دورة مقبلة، أنه هو وزملاؤه في القاعة، قاموا بشراء بطاقة تعبئة من فئة مرتفعة للمراقب قبل دخول الامتحان، حتى يقبل بمساعدتهم بهذه الطريقة المتطورة.

وفي إحدى الامتحانات ضبط رئيس القاعة المراقب، وهو يقوم بعمليته هذه، ما نشر حالة من الخوف في القاعة "لولا إنو صارت في آخر عشر دقايق كان كبر الموضوع كثير" يقول الطالب. واطمأن الطلبة بعد الامتحان على أن المراقب – معاونهم في الغش – لم يعاقب بشيء، ويعود هذا لعدم خبرة رئيس القاعة، الكبير في السن، بالأجهزة الخلوية، فلم يستطع كشف ما كان يبعثه المراقب.

ويعتبر الهاتف الخلوي من أفضل الأجهزة التي تساعد على الغش، ورغم القوانين التي تمنع إدخاله إلى القاعة، فإن كثيرا من الطلبة يدخلون أجهزتهم معهم، ويستخدمون الجهاز في إرسال الرسائل، أو مراجعة القوانين التي كتبوها قبلاً، إضافة إلى استخدام تقنية البلوتوث لتبادل الإجابات مع زملائهم.

وسائل جديدة واستخدام التكنولوجيا : مراقبون “يتعاونون” مع الطلبة في الغش!
 
14-Aug-2008
 
العدد 39