العدد 39 - أردني | ||||||||||||||
"هَيّ ورقة الأسئلة، أحفظها قبل ما تفوت،" كان مهند يؤكد أن الورقة التي بحوزته هي التي سيراها جميع الطلاب في القاعة. لم يثر الأمر اهتمام الكثيرين، فقال أحدهم: "كل فصل بيجي حدا وبيحكي أن معو ورقة الامتحان .. كلو كذب". عند دخول الطلبة قاعة الامتحان كانت المفاجأة الكبرى: الورقة التي عرضها مهند في الخارج، هي ورقة الامتحان الرسمي. أثارت "فضيحة" تسريب الأسئلة في العام 2004 الكثير من التساؤلات حول مصداقية التوجيهي، وحول نظام تعليمي يلقي بالكثير من الضغوطات على عاتق الطلبة والأهالي في كل عام، وأصبح الموضوع حديثَ العامة لفترة طويلة من الوقت، خصوصاً مع صدور القرار "التاريخي" بإلغاء الامتحانات وإصدار برنامج جديد، ما أثار سخطاً جديداً لدى الطلبة. تسمّر وقتها معظم المواطنين أمام شاشة التلفاز عند بثّ المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير التربية والتعليم آنذاك خالد طوقان، بمشاركة مدير هيئة مكافحة الفساد، وتم فيه شرح الطريقة التي تمت بها سرقة الأسئلة، باعتراف أحد المتهمين، ليظهر للناس أن عملية تسريب الأسئلة عملية محكمة، إذ تم استخدام أجهزة متطورة فيها لضمان عدم كشف العملية. وكان الضالعون في هذه "الجريمة" أطراف عديدة ، وظهر فيها "تعاون"ج هؤلاء على إتمام سرقة الأسئلة وبيعها للطلاب. "لأنهم عملوا التوجيهي فيلم رعب، صارت الناس تخاف على ولادها، ومش عارفة كيف بدهم ينجحوا في هالامتحان"، يقول أحمد حسن، أستاذ اللغة الإنجليزية الذي يدرّس طلبة التوجيهي، ويؤكد أن خوف الطلبة وأهاليهم من الامتحان دفعهم لإنفاق مبالغ طائلة لشراء الأسئلة. يتساءل المعلم عن جدوى امتحان كهذا، يؤثر في الطلبة نفسياً ويرهقهم فكرياً، أكثر مما يساعدهم على التعلم. يتذكر علاء ما حدث في العام 2004 بحرقة، ويروي أن القصة بدأت عند امتحان الإنجليزي في 10 حزيران/يوليو، عندما اكتشف الطلبة أن ورقة هذه الامتحان تم تسريبها، وتبعها امتحان الكيمياء في 14 حزيران/يوليو، الذي شهد تناقلاً للأسئلة في ليلة الامتحان. وتكرر الموضوع في مادتي اللغة العربية والعلوم الإسلامية. "كنت سهران طول الليل وأنا بدرس فيزياء، وتفاجأت الصبح أنهم قرروا إلغاء الامتحانات". يقول علاء إنه بدأ الاتصال مع أصدقائه الذين "تشاركوا" الصدمة جميعاً بهذا الإلغاء المفاجئ. صدر قرار الإلغاء هذا في 20 حزيرن/يوليو، تبعه المؤتمر الصحفي بعد يومين، وأعلن يومها عن ثلاثة برامج جديدة للامتحانات. "جننونا، وبطّلنا عارفين نركّز، كل ساعتين ينزلوا برنامج شكل". في النهاية، صدر البرنامج الرسمي الذي قرر عقد الامتحانات في الفترة 27 حزيران/يوليو – 15 تموز/يونيو. وكان من المفترض أن تنتهي فترة الامتحانات في الأول من تموز، لكنها تأجلت لأسبوعين بعد كل هذه الأحداث، ما ألقى أعباء نفسية إضافية على الطلبة وأهاليهم. ولم يكن مفاجئاً أن الوزارة بقيت تنفي أي تسريب للأسئلة، وخرج الناطق الرسمي باسمها مراراً لنفي حصول أي تسريب. وقبل إلغاء الامتحانات بأيام، اتهم وزير التربية "فئةً من ضعاف النفوس" بترويج الشائعات "الباطلة" حول تسرب الأسئلة؛ في حين كان الكثير من الطلبة يملكون أسئلة مباحث الامتحانات جميعها في بيوتهم! . النتيجة أن وزارة التربية والتعليم، بعد هذه الأزمة، عدّت أسئلة التوجيهي "وثائق دولة سرية"، وشكلت لجاناً وهيئات متعددة لحماية هذا الامتحان من أي "اعتداء" مستقبلي، وتغير نظام الامتحانات، فتم اعتماد دورتين في كل عام: شتوية وصيفية، ما ساهم في تخفيف الأعباء على طلبة التوجيهي. في حين برّأت المحكمة العسكرية –وكانت القضية عُدَّت قضية أمن دولة- معظم المتهمين "الكبار" بهذه القضية، ودانت موظفاً في تربية عمّان الرابعة وحارسَ مبنى هذه المديرية، إضافة إلى تاجر عقارات كان مشتركاً بهذه العملية، وتمت تبرئة جميع المعلمين والمسؤولين في مديريات التربية. أثارت الأحكام الدهشة ، إذ إن أحداً لم يتحمل مسؤولية الضغط النفسي الذي تعرض له الطلاب وأهاليهم. لم يفكر الوزير بالاستقالة، رغم الاختراق الواضح لأجهزة مديريته، والفشل التنظيمي للوزارة في أهم وأكبر امتحان في المملكة، وقضى الوزير بعد ذلك عامين في الوزارة قبل أن يتسلم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي العام 2007 ترك الوزارةَ الأخيرة ليصبح رئيس هيئة الطاقة الذرية، ويعمل على البرنامج النووي الأردني لتوليد الطاقة. علاء، تخرج الآن في الجامعة، لكنه ما زال يتذكر ما حصل في تلك السنة. "ما بقدر أنسى كيف تسربت أسئلة التوجيهي والتغت الامتحانات". هذا الحدث ترك تأثيره في كثير ممن كانوا ينتظرون نتائج جيدة، فانخفضت معظم المعدلات في تلك السنة، كما انخفضت نسبة النجاح لجميع الطلبة. إلى أمد غير معلوم، ستبقى امتحانات 2004 حدثاً بارزاً في نظام التوجيهي، فلم يحدث أن سُربت أسئلة بهذه الطريقة من قبل، ولم يحدث بعد ذلك، حتى الآن. |
|
|||||||||||||