العدد 39 - أردني
 

إذا كان الصيف لبعضهم إجازةً يقضيها في سياحة داخلية أو خارجية، أو موسماً للتزاوج فهو يعني لغيرهم أمراً آخر: موسم امتحانات الطلبة؛ طلبة المدارس والمعاهد والجامعات، لكن امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) ربما تكون أهمها، إذ تتحدد بموجبها مصائر آلاف الطلبة كل صيف.

"العائلة التي يتقدّم ابنها لامتحان الثانوية العامة تعلن حالة طوارئ في المنزل"، يقول أبو حمد، الذي أدت إحدى بناته امتحان الثانوية العامة في حزيران الفائت. أما الطالب، فيمر بفترة انتظار لينطلق بعد ذلك إلى مرحلة جديدة في حياته.

"خلّصوا التوجيهي، وكل الأمكنة صارت زحمة"، يقول سائقو سيارات أجرة في إشارة إلى الازدحام الذي يصيب المدينة بعد أن ينهي طلاب الثانوية امتحاناتهم، إذ يخرجون إلى الشوارع، كمن رفعت عنه الإقامة الجبرية بعد أن أنهى المدة المطلوبة منه. إنهم يملأون المجمعات والمقاهي والمطاعم، ولسان حالهم يقول: "وداعاً للجلوس في البيت بعد الآن".

"التوجيهي هو البوابة التي تفتح على مرحلة جديدة من الحياة،"، يقول إسماعيل صبحا، والد طالب قدم الثانوية العامة أخيراً، لكن البوابة قد لا تفتح، إن فشل ابنه في اجتياز الامتحان.

يتقدم لامتحان الثانوية العامة كل عام مئات آلاف الطلبة (بلغ عددهم في العام الدراسي 2007/2008 نحو 235 ألفاً)، وفي العادة، لا ينجح منهم أكثر من النصف، ما يعني لكثير منهم إعادة تقديم الامتحان في دورة مقبلة.

وبينما يسعى معظمهم للالتحاق بالجامعات الرسمية الحكومية، يبدأ بعضهم بالتفكير بالدراسة في الخارج؛ على نفقة الأهل ، أو من خلال المنح التي تقدمها الجامعات الغربية، أو في إطار التبادل الثقافي مع الدول العربية.

بعد انفتاح البوابة، كما يقول صبحا، تبدأ زيارات الطلاب إلى مدارسهم ودوائر التعليم، لاستلام الشهادات وتصديقها والبدء بمعاملات دخول الجامعة، تحت درجات حرارة مرتفعة تبرّدها مشاعر النجاح العارمة، وعادة ما تكون الرحلات في سيارات التاكسي الصفراء التي تنشط في فصل الصيف، فلا الجو ولا الحالة النفسية للطالب تحتمل انتظار الباصات. في هذا الجو القائظ تنسحب آخر الذكريات المدرسية للطالب لصالح حياة جديدة تنتظره في الجامعة.

أصحاب المعدلات المنخفضة، لا سبيل أمامهم سوى الدراسة في الجامعات الخاصة أو دراسة "الموازي" في الجامعات الحكومية، وهو البرنامج الذي يتيح الالتحاقَ بالجامعة للطلاب ذوي المعدلات المنخفضة والدُّخول المرتفعة، فتكاليف الدراسة في هذا البرنامج تبلغ ضعف تكاليف الدراسة العادية، ما يضيف أعباء إضافية على عائلات ترغب لأبنائها الالتحاق بالجامعة في الوقت الذي تعاني فيه ظروفاً مالية صعبة.

هناك من يلجأ إلى مصر، الوجهة المفضّلة للطلاب الراغبين بالدراسة في الخارج الآن، وذلك لما يتوافر في الأذهان من صورة واضحة ومسبقة عن مصر ، وتحسُّن مستوى التعليم الجامعي فيها، خصوصاً جامعتي 6 أكتوبر وجامعة القاهرة. إضافة إلى سهولة إجراءات القبول في تلك الجامعات.

تقدَّر أعداد الطلاب الأردنيين الدارسين في الخارج بنحو 30 ألف طالب، يتوزعون على مصر وسورية من بين الدول العربية، ومعظمهم يفضّلون دراسة الهندسة بأنواعها. ويعمد طلبة كُثر للسفر إلى روسيا وأوكرانيا لدراسة الطب والصيدلة؛ في حين تقل نسبة الدارسين في أميركا وأوروبا، لارتفاع تكاليف الدراسة والمعيشة هناك.

ويعد خيار كليات المجتمع أو الكلية المتوسطة، من آخر الخيارات عند هؤلاء الطلاب، فتلك الكليات لا تقدم مستوى مرضيا من التعليم، ولا تفتح أبواب العمل أمام طلابها. فعلى الدارسين في الكليات التقدم لامتحان الشامل والتجسير لجامعة أخرى، للحصول على شهادة تمكنهم من المنافسة على وظيفة ، ما يستنزف سنوات عديدة من عمر الطالب، في مغامرة غير محسوبة النتائج. فلم تتجاوز أعداد الملتحقين بهذه الكليات في العام الماضي أكثر من 26 ألف طالب، انضم أغلبهم إلى «البرنامج التربوي» و«برنامج الأعمال الإدارية» حسب المسميات المتبعة في تلك الكليات.

وتظهر المشكلة الكبرى عند العائلات التي فشل أبناؤها في النجاح في هذه الامتحانات أو نجحوا بمعدلات غير مرضية، ما يجعل الخيارات أمامهم محدودة، أولها إعادة الامتحانات، ما يعني انتظار ستة أشهر أو سنة أخرى، قبل الإقدام على خطوة تعليمية جديدة. خلال هذه المدة، كثيرا ما يجد الطالب عملاً متواضعاً ليمضي به وقته، وعادة ما يكون مع أبيه أو أحد أقاربه، وتكون الحساسية في هذه المواضيع عالية وتسبب الكثير من المشاكل. ويلاحظ أن البعض يستمر بالعمل المؤقت، ويترك «كار» التعليم، لينتقل جبرياً إلى مرحلة العمل ، من دون أن يتم مرحلة الدراسة والتعلم، ويتجاوز مرحلة التعليم الجامعي التي تساعد في صقل شخصية الشاب. أما من يتعذر عليه العمل أو يفشل في الحصول على وظيفة سريعة، فيتحول إلى عبء على عائلته التي تسعى لإيجاد حل لهذا «الولد الذي أضحى مشكلة»، والذي ليس له من عمل سوى النوم طوال الوقت. وتمر الأيام بطيئة جداً، قبل أن يأتي موعد الدورة المقبلة من الامتحانات، ما يلقي بظلال سوداء على أجواء البيت، يبقى فيها الوالدان في حالة توتر شديد طوال الوقت.

في يوم صيفي حار يتقرر مصير مئات آلاف الشبان
 
14-Aug-2008
 
العدد 39