العدد 39 - كتاب
 

تتناهب مشاكل الريف ومشاغله العديد من الشبان الذين يستعدون لامتحانات التوجيهي، فهم يتوزعون بين واجباتهم المنزلية بتسيير الأمور اليومية لكثير من العائلات كحلب الأغنام ورعيها، والمشاغل الموسمية ذات الصلة بالزراعة والحصاد والقطاف، وبين رغبتهم في التحصيل العلمي الذي يفتح لهم آفاقا جديدة.

يشكل التعليم في الريف رافعة لجيل من الشباب الباحث عن فرص عمل لا تحتاج إلى جهد بدني كبير مثل ذاك الذي تحتاجه الزراعة والرعي، إلا أن أسرهم، في الغالب، لا تعير طالب الثانوية العامة اهتماما كبيرا.

لكن تجارب حدثت في أوساط المجتمع العشائري الذي أنتمي إليه أثبتت أن هنالك من يمكنه النجاح حتى في وسط كل هذه التعقيدات، وبالرغم من التناقض الذي يعيشه طالب التوجيهي بين دراسته وبين التزاماته الأسرية، والاجتماعية. فقد نجح الطالب عثمان وهو يرعى الغنم، وتفوق سلامة وهو يعمل إلى جانب والده في الحقل.

ومن الطريف أن امتحانات الثانوية العامة تأتي في العادة في مواسم الحصاد وجز الصوف وفلاحة الأرض، وهي مناسبات يغدو فيها تغيب أي من أفراد العائلة عن اللحاق بهذا الجهد ترفا لا تقوى علية الأسرة.

ويتوافق إعلان النتائج مع انشغال العائلة في تخزين "التبن" لقطيع الشياه لتكون مؤونة لها في الشتاء، وبعد الفراغ من إتمام المهمة يتأهب طلبة التوجيهي لاستقبال النتائج في ظل رجاء بألا تكون مخيبة للآمال بعد كل هذا الجهد المبذول ما بين ثنائية التعليم والعمل.

الإصرار على تحقيق حلم دخول الجامعة واللحاق بزملاء سابقين باتوا على مسافة بعيدة من الطالب الغارق حتى إذنيه بهموم الزراعة والرعي هو الحافز الأقوى لتحقيق نتيجة تعفيه من البقاء ما بين الحقل والمرعى.

ثمة حظ عاثر قد يصيب مثل هؤلاء الطلاب، هو أن تكون المدرسة التي ينتمي إليها تابعة لواحدة من "المناطق الاقل حظا"، حيث يعمل مدرسون بجهد كبير لإيصال ما أمكن من المعلومات لأكثر من 32 طالبا يقبعون في غرفة صفية واحدة.

ويشكل التفاوت في التحصيل العلمي والثقافة والتنشئة قاسما مشتركا ما بين المدرسين والطلبة، فيما يتمكن مدرس الثقافة العامة من ضبط إيقاع الغرفة الصفية، فإن مدرس اللغة الإنكليزية لا يتمكن من إتمام دقيقة من الحديث دون نهر طالب عن الكف عن الحديث أو العبث، أو محاولة كسر شرود طالب يراقب الطريق الواصل إلى مدرسة البنات الثانوية المجاورة.

وتستأثر رسائل غرامية يلتقطها شاب من يد فتاه في زقاق قرب المدرسة بمحور اهتمامه، بينما يراجع أبوه، الموظف الحكومي في مديرية أشغال الزرقاء، المدرسة بانتظام لمعرفة واقع ابنه الدراسي الذي كثيرا ما لا يكون جيدا.

في زحام الصور التي تتبعثر بعد عقد من اجتياز التجربة بالجهد والحظ معا، يبقى الدافع الذاتي والروح القتالية لدى أي طالب ثانوية عامة أهم ركائز النجاح التي لا تخفق أبدا، حتى لو كان الطالب قد فرغ لتوه من القيام بأعباء لا يعرفها أبناء المدن.

منصور المعلا: النجاح في موسم الحصاد
 
14-Aug-2008
 
العدد 39