العدد 39 - كتاب
 

وصلت إلينا أخبار ما وصف لاحقاً بـ "حرب الأيام الستة" 1967، ونحن نغادر قاعات امتحانات التوجيهي في كلية الحسين بعمّان يوم الخامس من حزيران من ذلك العام. كان الناس في الشارع يتناقلون أخباراً قالوا إنهم سمعوها من "راديو صوت العرب" في القاهرة، مفادها أن مصر أسقطت 100 طائرة إسرائيلية فور نشوب الحرب صباح ذلك اليوم الحار.

أثناء خروجنا، شاهدنا طائرتين إسرائيليتين تخترقان سماء عمان على علو منخفض، واحدة منهما اتجهت نحو مطار ماركا. وعلى الفور، شاهدنا سحابة دخان سوداء تنطلق من منطقة المطار.

في اليوم التالي لم نعد لإكمال الامتحانات، فقد كان الوضع أخطر من أي امتحانات، حتى لو كانت تلك امتحانات تقرر مصيرك وترسم مسار حياتك مثل التوجيهي. فقد أعلن راديو عمّان بعد وقت قصير من خروجنا عن وقف الامتحانات حتى إشعار آخر. كانت هنالك مباحث لم نكن قدّمنا امتحاناتها بعد. لكننا في واقع الأمر لم نعد أبداً إلى قاعة الامتحان. في هذا الجو المضطرب اختتمت حياتي المدرسية.

وزارة التربية والتعليم، استخرجت معدلاتنا بالاستناد فقط إلى المواد التي كنا قدمناها حتى يوم وقوع الحرب، وكان مجموع علاماتها ألف علامة. امتحان التوجيهي كان يقدم آنذاك في دورة واحدة. وكان أمام الطالب فرصة اختيار مادتين من أربع مواد اختيارية لأغراض احتساب المعدل.

كنت من طلاب الفرع العلمي، وأحمل رقم الجلوس 7278. كانت المباحث التي قدمنا امتحاناتها تشمل سبع مواد، هي: التربية الدينية، اللغة العربية، الرياضيات، اللغة الإنكليزية، الكيمياء، الأحياء، والوطن العربي، ولم نكن قدّمنا بعد مادة الفيزياء، ومادة التخصص (في إحدى المواد العلمية). شخصياً كنت اخترت الكيمياء العضوية مادة للتخصص، وكانت هناك خيارات أخرى مثل الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، والأحياء.

عدم تقديم المادتين المتبقيتين، وضع الطلبة في أوضاع متباينة، ففيما كان البعض سعيداً لأن المواد الاختيارية التي قدمها، كان يرغب في أن تكون جزءاً من معدله، كان آخرون ساخطين لأنهم كانوا يرغبون في احتساب الفيزياء ومادة التخصص ضمن المعدل.

كانت النهاية الكبرى لعلامة كل مبحث هي مئة، ما عدا اللغة العربية 200، واللغة الإنكليزية 200، أما الرياضيات، فكانت 300، وكان امتحان الرياضيات موزعاً على يومين.

لكن "النهاية الكبرى" للحرب آنذاك كانت بعيدة، لقد خسرنا الحرب، وما زالت مرارة الخسارة عالقة في وجداني، حتى وإن نجحت في التوجيهي في ذلك الصيف الاستثنائي من العام 1967.

من طرائف الامتحان: كنت أتوقع أن يطلب إلينا ضمن مادة اللغة العربية كتابة موضوع إنشاء له صلة بالأوضاع السائدة في المنطقة، وهي أوضاع ساخنة تنذر باشتعال الحرب. كثيرون، وأنا منهم، كانوا يعتقدون أن مصر عبد الناصر جاهزة تماماً لإلحاق الهزيمة بإسرائيل. وكما كان متوقعاً، طلبت إلينا ورقة الامتحان أن نكتب في واحد من المواضيع عن كيف نرى استعداد أمة صلاح الدين الأيوبي للتحدي القادم. وكتبت ما تيسر من عبارات منمقة تشيد بالأمة والنصر القادم على يد أحفاد صلاح الدين الأيوبي. كان ذلك قبل الحرب بأيام.

يومها فوجئت أن زميلاً لي واسمه هشام قد أخذ منحى آخر في كتابة موضوعه، إذ انطلق من أن الأمة ليست مستعدة فعلياً للمواجهة، وبأنها ستخسر الحرب إذا ما نشبت. وصدقت "نبوءة" هشام. لكن ما أشغلني أكثر هو كيف تلقى المصلّح عبارات هشام عن الهزيمة، وهل كرّمه بالتصليح أم أطاح به؟!

حسين أبو رمان: توجيهي في زمن الحرب
 
14-Aug-2008
 
العدد 39