العدد 39 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري يعود تاريخ امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة إلى العام 1933، ففي ذلك العام أجري لأول مرة الامتحان الذي يعلن انتقال الطالب إلى مرحلة تالية من الدراسة هي مرحلة الدراسة الجامعية، وكان يعرف آنذاك باسم المترك، وظل هذا الاسم هو المتداول للامتحان حتى العام 1960، وذلك قبل اعتماد نظام التوجيهي. كان امتحان المترك يقدم مرة واحدة في نهاية المرحلة الثانوية، التي كانت سنواتها تراوح بين الأربع والخمس سنوات. فقد كان سلم التعليم المدرسي يمتد 11 عاماً فقط منها 6 أو 7 سنوات مرحلة ابتدائية تليها 4 أو 5 سنوات مرحلة ثانوية. يذكر أحمد النمري أنه تقدم لامتحان المترك في مدرسة الروضة بالقدس القديمة العام 1954، والتي كانت تضم مواد اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والتاريخ، والجغرافيا، والتربية الإسلامية، والرياضيات البسيطة. ويضيف أن النتائج لم تكن تحسب بالعلامة وإنما بتقدير ناجح أو راسب، وكان الطلبة الناجحون يتوزعون على تقدير أ الذي يضم الناجحين بدرجات مرتفعة، وتقدير ب الذي يضم الناجحين بدرجات أقل. وفي التفصيل كان يقدر أداء الطالب في كل مادة بممتاز أو جيد أو مقبول. تضيف بثينة جردانة، التي حصلت على المترك في الخمسينيات من المدرسة الثانوية في رام الله، أن الطالب آنذاك كان أكثر نضجاً من الطلبة هذه الأيام. وتشرح "إللي مش شاطر كانوا أهلو يسحبوه من المدرسة"، فلم يكن يصل إلى امتحان المترك إلا الفطن الذكي. يضاف إلى ذلك أن الأساتذة كانوا على درجة عالية من المعرفة والقدرة على التدريس، وبكلمات جردانة: "النخبة من المبدعين كانوا يصيرون مدرسين". في فترة الخمسينيات، وتحديداً في العام 1955، بدأت بعض مدارس الضفة الغربية في تدريس ما كان يعرف آنذاك بالتوجيهي المصري؛ وكانت البداية في المدرسة القبطية في القدس، التي كانت تدرس منهاج التوجيهية المصرية في السنة الدراسية الأخيرة، وكانت تعقب السنة الأخيرة من الثانوية الأردنية (المترك). يشرح النمري أن معظم الخريجين الأردنيين من حملة المترك كانوا يتوجهون للجامعات المصرية التي لم تكن تعترف إلا بالتوجيهي المصري، ما يضطر الطلبة إلى دراسة سنة إضافية للحصول على الثانوية العامة المصرية أو التوجيهية المصرية. أما القلة الباقية فكانت تتوجه إلى الجامعات السورية أو العراقية التي كانت تقبل بالمترك الأردني. وما لبثت بعض المدارس الخاصة، في الضفة الغربية تحديداً، أن بدأت بتدريس التوجيهي المصري للتخفيف على الطلبة، إلى أن تم اعتماد التوجيهي العام 1960. في العام المذكور، حل التوجيهي محل المترك، وذلك مع توحيد نظام التعليم في الدول العربية الذي اتفق على أن يعتمد سنوات التعليم في المدرسة على مدى 12 عاماً بدلاً من 11 عاماً، وترك لكل دولة أن تقسم المراحل الدارسية بحسب رؤيتها، فاختار الأردن أن توزع سنوات الدراسة الاثنتي عشرة على النحو التالي: 6 سنوات ابتدائية، 3 إعدادية، 3 ثانوية. ومن الطريف أن نذكر أن السنة الانتقالية التي تم فيها التحول من المترك إلى التوجيهي لم تشهد أي امتحان للشهادة الثانوية، وكان ذلك في العام الدراسي 1960/1961. مع بداية التوجيهي، أُدخلت تخصصات العلمي والأدبي والتجاري؛ هذا الفرع الأخير تحديداً ظل مقتصراً على الذكور حتى العام 1970 إلى أن تم إلغاء الفرع نهائياً في الدورة الصيفية لعام 2005. في العام 1968، أُدخل فرعان جديدان هما: الصناعي والزراعي، واقتصرا وقتها على الذكور؛ أما الآن، فبإمكان الإناث الانتظام في دراسة الفرع الزراعي، ودراسة الفرع الصناعي من خلال التعليم الخاص. أما فرع التمريض، الذي اقتصر على الإناث، فاستحدث العام 1978 وظل معمولاً به حتى العام الماضي، إذ تم في العام الدراسي 2007/2008 تخريج أول دفعة من فرع بديل هو التعليم الصحي. وقد أتيح للذكور الانتظام في دراسة هذا الفرع إلى جانب الإناث. في العام 1978 أيضاً، تم استحداث الفرع البريدي الذي استمر العمل به حتى العام 1983، ليتم استحداث فرع آخر هو الفندقي. وفي العام 1997، استحدث فرعا الشريعة والاقتصاد المنزلي وما زالا مطبقين. في العام 2005، استحدث فرع المعلوماتية IT. واللافت أن جميع هذه الفروع أصبحت الآن متاحة للإناث والذكور. خلال تلك الأعوام، ظلت وزارة التربية "تجرب" في أسلوب عقد امتحان الشهادة الثانوية. فمع التحول من المترك إلى التوجيهي ظل الامتحان يقدم مرة واحدة في السنة وذلك ما بين العام 1962 حتى 1977؛ ما بين العام 1978 و1996 اعتمد نظام تقديم الامتحان على دفعتين: في الفصل الأول والفصل الثاني. ومرة أخرى وخلال الفترة من 1997 و1999، أعيد العمل بنظام الامتحان لمرة واحدة في العام؛ ليتم في العام التالي، العام 2000، التحول إلى نظام تقديم الامتحان على دورتين صيفية وتكميلية؛ أي أنه كان يحق للطالب الذي رسب في مبحث أو اثنين، أن يتقدم للامتحان في هاتين المادتين في دورة تكميلية دون أن يضطر لأن يتقدم في جميع المواد مرة ثانية ولسنة ثانية. عقد هذا النظام في سنة دراسية واحدة 2000-2001؛ ليتم بعد ذلك اعتماد نظام الدورتين: الصيفية والشتوية؛ وهو نظام قريب من نظام الدورة التكميلية السابق، ولكن مع اختلاف أنه يحق للطالب هذه المرة التقدم للامتحان في المواد التي رسب فيها، بغض النظر عن عددها، وذلك في دورة شتوية. مرة أخرى لم يستمر هذا النظام أكثر من عام دراسي واحد 2002-2003؛ إذ اعتمد في العام التالي 2003-2004 نظام الحزم، الذي يحق للطالب بموجبه اختيار 4 مواد يتقدم للامتحان فيها في الفصل الأول، على أن يتقدم في الفصل الثاني لبقية المواد. ومرة رابعة، لم يطبق هذا النظام إلا في عام دراسي واحد، إذ تم التحول في 2005 إلى نظام الفصول المعتمد إلى الآن؛ وهو الأقرب إلى نظام الساعات المعتمدة في الجامعات. بموجب هذا النظام، يستطيع الطالب توزيع المواد التي تؤهله للحصول على الثانوية العامة على 4 فصول في حدها الأقصى. فمثلاً، قد يختار طالب أن يجتاز مواد معينة في الفصل الأول (الدورة الشتوية)، على أن يجتاز بقية المواد في الفصل الثاني (الدورة الصيفية). وقد يختار طالب آخر أن يباعد في التوزيع بحيث يجتاز عدداً أقل من المواد في الفصل الأول، ثم مثلها في الثاني ثم الثالث ثم الرابع. وإذا رسب الطالب في المادة، فيستطيع أن يعيدها في الفصل التالي من دون أن يضطر إلى إعادة العام الدراسي كله. يضاف إلى ذلك، أن هذا النظام يوفر خيارات أمام الطالب يحددها بحسب ما يرغب في دراسته في الجامعة. فمثلاً، الأصل أن يتابع طالب تكنولوجيا المعلومات IT دراسته الجامعية في المواد الأدبية أو الحاسوب؛ لكن بموجب هذا النظام يستطيع أن يدرس الهندسة إذا اختار أن يضيف إلى مواد دراسته الفيزياء والكيمياء والرياضيات. محمد العكور مدير إدارة التعليم العام في وزارة التربية يشرح أن الوزارة "تسعى من خلال هذا النظام إلى توفير مزيد من البدائل أمام الطلبة بحيث لا يشكل التوجيهي عبئا على الطلاب أو على الأهل." ويزيد أن الطالب، بموجب هذا النظام، يستطيع أن يختصر سنتي الثانوية إلى سنة ونصف السنة، "فالطالب المتميز يستطيع أن يوزع مواد الأول الثانوي والثاني الثانوي على 3 فصول بدلا من أربعة". الخبير التربوي حسني عايش يقر أن مثل هذه الأساليب في عقد امتحان التوجيهي هي "اجتهادات تربوية سياسية لامتصاص الغضب والنقمة من الناس على هذا الامتحان، وجودا ونتائج،" ويضيف أنها "قد تسهل على التلاميذ وذويهم بعض الشيء، لكنها لا تحل مشكلة التوجيهي الذي ما تزال المدارس عقيمة بسببه، إذ تخلو من الأنشطة التي تعلم الطالب وتثقفه وتصقل شخصيته، وهي مهارات تبقى مع الطالب مدى الحياة". يرى عايش أن "ما يتعلمه الطالب من الامتحان سرعان ما يُنسى ويتلاشى لأنه مجرد حفظ للمعلومات واسترجاع لها." من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى نظام تدريسي يربي الطالب على التفكير والنقد والاستنباط، بدلاً من الاعتماد على الحفظ والتلقين؛ تُضاف إلى ذلك الحاجة إلى تنمية شخصية الطالب ليواجه الحياة بحلوها ومرها التي تفوق قدرة أي كتاب. |
|
|||||||||||||