العدد 39 - أردني
 

نهاد الجريري

هو أقرب لأن يكون "منهاجاً موازياً"، هذا الذي نجده هذه الأيام بين كتب طلاب امتحان الشهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، فلم يعد المنهاج يقتصر على الكتب التي تقررها وزارة التربية والتعليم، بل تعدتها، وأحياناً طغت عليها، "كراسات" أو "كورسات" يضعها أساتذة يبيعونها في المكتبات أو في المراكز التي توفر دورات لتدريس مباحث التوجيهي. في مجملها تتضمن هذه الكراسات شرحاً لمادة الكتاب المدرسي، وحلاً لأسئلته، وحلاً نموذجياً لأسئلة وردت في امتحانات الوزارة سابقاً.

لم يفاجأ «أبو أحمد» وهو "يعدد" الكورسات التي اشتراها لأحمد الذي يستعد لخوض هذه التجربة المصيرية، فباستثناء مبحث التربية الإسلامية، اكتشف أبو أحمد أنه اشترى لابنه كورسات لكل المباحث التي سيمتحن فيها بعد حين. يقول: "أريد لابني أن يحقق أفضل العلامات في التوجيهي، مهما كان الثمن، عندي استعداد أحط مدرس خصوصي وأشتري الكورسات كلها".

الرغبة في تحقيق الأفضل كانت أيضاً وراء سعي حتى أكثر طلاب المملكة تميزاً، لاقتناء الكورسات والدوسيهات.

أحد الطلاب الذين كانوا من أوائل المملكة في الفرع العلمي، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، يقول إنه استعان في التوجيهي بدوسيه للرياضيات تشمل "أسئلة إضافية وأفكاراً جديدة" غير مطروحة في المقرر. كذلك فعلت طالبة من أوائل المملكة في الأدبي، إذ استعانت بكورسات اللغة العربية والإنجليزية لتحصل على حل نموذجي للأسئلة المقررة في الكتاب أو تلك الواردة في امتحانات وزارية سابقاً، وهو أمر ما كان ليؤثر على علامتها لو اختارت ألا تستعين بتلك الكتب "الموازية".

سهاد، التي كانت من أوائل المملكة قبل حوالي 15 عاماً تقول إن الاستعانة بالكورس والاطلاع على أسئلة سنوات سابقة كان أمراً في بالغ الأهمية لتحصل علامات مرتفعة، وذلك بالاستعداد لكل طارىء أو صيغة سؤال، وتزيد "كنت أشعر بأن عليّ أن أبدأ الحل فوراً، فإما أن أعرف الجواب أو لا أعرف، فلا مجال للتفكير في قاعة الامتحان."

وهكذا بات عرفاً لدى طلبة التوجيهي أنه لا بد من الاستعانة بكراسة واحدة على الأقل؛ إما للاستزادة وضمان الاستعداد الجيد للامتحان، أو للاستعاضة تماما عن المدرس. تقول أحلام، الطالبة في كلية الزراعة في الجامعة الأردنية، إن مدرسة اللغة العربية كانت تحثهم على الاستعانة بإحدى تلك الكراسات. وتضيف "ما كنا نقدر نلحق عليها؛ ما كنا نفهم عليها؛ فكان لازم نجيب دوسيه حتى نفهم ونرتب أفكارنا". أما طارق، الذي أخفق في اجتياز امتحان الثانوية هذا العام، فيقول إنه لا يستطيع أن يقتني دوسيه رياضيات لأنه "بدك أستاذ حتى يورجيك الحل كل خطوة بخطوتها". طارق اقتنى في الوقت نفسه دوسيه أحياء لأنها "تلخص الكتاب كله،" بالرغم من أن المادة تعتمد على الحفظ، باستثناء وحدة الوراثة، بحسب عبد المجيد الذي يدرس هذه المادة في إحدى المدارس الحكومية.

وفيما يتعلق بمقدرة المعلم على أن يوصل المعلومة إلى الطالب بشكل واف وتام، بحيث يوفر عليه عناء اللجوء إلى مدرس خصوصي أو اقتناء دوسيهات تعددت أسماؤها وأحجامها وأسعارها حتى وصل بعضها 6 دنانير، تقول هبة، مدرسة الرياضيات في مدرسة خاصة، إنه حتى لو كان المدرس قديراً، فإن مدة الحصة لن تكون كافية ليعطي كل ما لديه بحيث يضمن أفضل أداء لطالب التوجيهي في الامتحان الوزاري. وتشرح: "الحصة 50 أو 55 دقيقة، وهو وقت غير كاف للشرح والاستزادة في شرح الأمثلة. فبعض الطلاب يحتاج إلى 5 أمثلة على الأقل حتى ترسخ المعلومة في ذهنه. وهذا فوق طاقة المدرس".

إخلاص، مدرسة الأحياء في المدرسة نفسها، تذهب إلى أبعد من ذلك عندما تقول إن الكتاب المدرسي لا يكفي وحده بالنسبة "للّي بدو علامة منيحة في الفصل الأول خصوصاً". وتشرح أن الفصل الأول يتضمن وحدة تتعلق بمسائل وراثية لا بد من الاستفاضة في شرحها، الأمر الذي دفعها إلى إعداد دوسيه خاصة بها تبيعها لطلابها بدينار ونصف الدينار. لكن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تضيف إخلاص أنها اكتشفت أخطاء في دوسيه الأحياء التي تباع في المكتبات.

هذه الملاحظة تثير تساؤلاً حول مدى الرقابة التي تخضع لها هذه الكورسات من قبل وزارة التربية والتعليم. محمد العكور مدير إدارة التعليم العام في وزارة التربية يعتبر أن هذه الكورسات تمثل "تشويها ومسخاً لمحتوى الكتب المدرسية". ويقول إن الدوسيهات بجميع أشكالها ممنوعة وغير مجازة بأي شكل من الأشكال لأكثر من سبب. الأول يتعلق بالبعد التربوي؛ إذ إنها "تحول الكتاب إلى مجرد أسئلة وأجوبة متجاوزة أنشطة وتمارين وضعت لتعزيز العملية التربوية"، والتفاعل الصفي. في المقابل، يرى العكور أن هذه الدوسيهات تعزز عملية التلقين وتحد من قدرة الطالب على التفكير والقياس وبناء شخصية ناقدة ومبدعة. ويقول: "العلامة ليست هي الهم الأكبر في التوجيهي!" لكنه سرعان ما يستطرد ويقول "ما نزال نفتقد البديل لتقييم أداء الطالب غير التوجيهي؛ كأن تقوم الجامعات مثلا بإجراء امتحان قبول للطلبة كما في بعض الدول".

السبب الثاني يتعلق بالبعد القانوني، إذ تعتبر وزارة التربية والتعليم أن هذه الدوسيهات "تعد على الملكية الفكرية وحقوق الطبع والنشر المحفوظة لدى الوزارة". ما يعني أنه يحظر على أي شخص أن يقتبس عناوين الكتب المدرسية أو فقرات منها أو حتى الأسئلة التي ترد فيها أو في الامتحانات الوزارية من دون إذن من الوزارة نفسها. العكور قال إن العمل جار الآن على متابعة أصحاب هذه الدوسيهات والكراسات وملاحقتهم قضائياً؛ ومتابعة العمل مع الجهات المعنية مثل المكتبة الوطنية المعنية بحماية حق المؤلف؛ إذ تم منذ عامين إبرام اتفاقية بين المكتبة الوطنية ووزارة التربية تقوم المكتبة بموجبها بتحويل أي مادة تتعلق بالوزارة إلى إدارة المناهج في الوزارة التي تحيلها على لجان دراسة متخصصة لتبت في ما إذا كانت المادة المعنية تشكل تعدياً على الملكية الفكرية لمناهج الوزارة أم لا.

واللافت هنا أن كرّاسة واحدة على الأقل يتم تداولها في السوق منذ بداية الثمانينيات، وتتعلق بمبحث الرياضيات، تحمل رقم الإيداع 638/11/1988 عن دائرة المكتبات والوثائق. مؤلف هذه الكراسة يقوم سنوياً بتوزيع ما لا يقل عن 7 آلاف نسخة في الأردن وحده، ناهيك عما يتم توزيعه في الضفة الغربية، والسعودية وحتى الإمارات بحسب ما صرح به المؤلف لـ«السّجل». ويستطرد أن هذا الرقم لا يشمل ما يتم نسخه وتصويره بشكل "غير قانوني".

نائب مدير المكتبة الوطنية، محمد يونس العبادي، يقول إن رقم الإيداع هذا قديم أُعطي قبل صدور قانون حق المؤلف مطلع التسعينيات. ويشدد على أنه لا تجوز إعادة طباعة الكتاب قبل أن يُعطى رقم إيداع جديداً.

بأي حال، كل هذه أرقام تشير إلى مدى اتساع رقعة استعمال هذه الكراسات بين طلبة التوجيهي، وهو استعمال يبرره الطلبة بضرورة الاستعداد الجيد لامتحان مصيري عندما لا تكفي كفاءة مدرس أو مدة حصة دراسية.

رغم أنها ممنوعة التداول: الطلبة يتهافتون على الكورسات والدوسيهات والدروس الخصوصية
 
14-Aug-2008
 
العدد 39