العدد 1 - اقليمي
 

الغموض الذي شاب الدعوة لمؤتمر دولي في الخريف الحالي، بدأ يتبدد جزئياً مع بدء العد العكسي لانعقاده. ولعل هذا المؤتمر إذا عقد هو الأكثر غرابة بين ملتقيات سياسية مماثلة. فقد تمت الدعوة اليه من الولايات المتحدة دون التنسيق مع أي من دول مجلس الأمن أو مع الأطراف المعنية، خلافاً لمؤتمر مدريد مثلاً بخصوص الشرق الأوسط الذي انعقد قبل ستة عشرعاما.

لقد فوجىء الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي بإطلاق الدعوة، مع فارق أن حكومة أولمرت بدت متشائمة من اضطرارها لتجرع هذا الكأس، بينما لم تكتم السلطة الفلسطينية برئاسة عباس ترحيبها بالدعوة، وبدت راضية رضا "من صبر ونال".

التبدد الجزئي للغموض تم بعد ضغوط عربية وفلسطينية على واشنطن، وبدأ يتمثل في حصر موضوع البحث بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا بتسوية شاملة، وبالزيارات المتكررة للدكتورة رايس الى المنطقة وحملهما الطرفين المعنيين على صياغة تفاهمات مشتركة مكتوبة.وهو ما شرعا فيه بالفعل وشكلا لجاناً للتفاوض، فيما سمى الجانب الإسرائيلي الوزيرة تسيبي ليفني لقيادة وفد حكومتها للتفاوض، بينما يقود أحمد قريع الجانب الفلسطيني وهو نفسه من قاد المفاوضات التي أدت لاتفاق أوسلو قبل أربعة عشر عاماً.

ولم يتبدد الغموض حتى تاريخه، حول الأطراف المدعوة الى جانب الطرفين الرئيسين ، وإن كانت مصادر مختلفة تحدثت عن مشاركة 25 دولة بينها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ودول صناعية، ودول عربية من "معسكر الاعتدال" أبرزها الأردن والسعودية ومصر.. ورغم أن مصادر أميركية تحدثت عن دعوة دمشق لحضور المؤتمر، إلا أن الأمر لا يبدو محسوماً، وهو ما استبقته دمشق باشتراط إدراج قضية هضبة الجولان على جدول الأعمال ثم بتوضيح أهداف المؤتمر. ومن المستبعد البحث في تسوية تضم لبنان وسوريا لأكثر من سبب.

أما لبنان فقد أعلن غير مرة على لسان رئيس وزرائه فؤاد السنيورة أن حكومته لم تتلق دعوة للمشاركة في المؤتمر. ومن الواضح أن الاستحقاق الرئاسي والاحتقان السياسي والتأزم الأمني، هو ما يشغل اللبنانيين كأولويات راهنة تطغى على قضية مزارع شبعا وتلال كفر شوبا.

يذكر هنا أن الأطراف العربية المعنية قد واظبت خلال الأشهر الثلاثة الماضية على التحذير من مغبة فشل المؤتمر، لما لذلك من انعكاسات مأساوية، أما تل ابيب فهي تتصرف دون حماسة تذكر بل بقدر ظاهر من اللامبالاة. ويثابر أيهود أولمرت ووزيرته ليفني على القول بضرورة عدم رفع سقف التوقعات، وذلك كتهيئة لإفشال المؤتمر والتنصل من الالتزامات. وبينما دعت ليفني الجانب الفلسطيني لـ "التحلي بالواقعية"، فإن أولمرت يعمل من جانبه على تفادي أن يخرج المؤتمر ببرنامج زمني للتفاوض.

لا سقف زمنياً !

التطور المتأخر السيىء هو في مماشاة واشنطن لتل أبيب، بعدم وجوب تحديد سقف زمني مسبق لمدة ستة أشهر حسبما شدد عليه الجانب الفلسطيني. ومن الجلي أن إبقاء التفاوض مفتوحاً هو تكتيك إسرائيلي ثابت سبق لإسحق شامير أن عبر عنه صبيحة انعقاد مؤتمر مدريد. ومن شأن عدم الالتزام مسبقاً بأمد زمني تحويل المفاوضات الى لعبة مكشوفة وبالغة الخطورة، من أجل تأبيد الاحتلال وتعظيم الوقائع الاستيطانية. تطور آخر لا يقل سلبية، يتمثل في محاولة واشنطن مقايضة القضايا الجوهرية بلفتات إنسانية وتسهيلات وإجراءات جزئية من قبيل تخفيف عدد الحواجز العسكرية وإزالة مستوطنات عشوائية. زيادة على ذلك، تشارك حكومة أولمرت في التحضيرات للمؤتمر دون التوقف عن سياستها التوسعية، فقد صادرت 1100 دونم من الأراضي حول القدس المحتلة، ولما تلقت استفسارات من واشنطن بخصوص هذا الإجراء كان الجواب أن هذه الأراضي لم تصادر لغايات الاستيطان بل لاستكمال بناء الجدار!!

الرهان على العملية السياسية وحدها

مقابل ذلك يمضي الجانب الفلسطيني في الرهان على العملية السياسية وحدها، دون إطلاق سراح حركة شعبية مدنية ومنظمة ضد الاحتلال لتعزيز وضعه التفاوضي وإسماع صوت الرأي العام.. ولا تحظى التحركات الأهلية المدعومة من نشطاء ومناصري سلام أجانب بأي دعم رسمي ظاهر أو مشاركة من قبل مسؤولين في السلطة. فيما يتحدث أولمرت بأن المعارضة الداخلية ورقة مهمة لمجابهة الضغوط بتقديم تنازلات للفلسطينيين، ولعل المطلوب من الجانب الفلسطيني هو الاستماع الى آراء القوى الديمقراطية وممثلي المجتمع والأخذ بالمفيد منها.

تحتاج واشنطن هذه المرة للانتصار على الذات قبل الآخرين، كي تقود مؤتمر الخريف الى النجاح .. الانتصار على سلبيتها وإهمالها لقضية الشرق الأوسط وعلى محاباتها المقيتـة للاحتلال الاسرائيلي، وتعطيلها قرارات دوليــة وأحكام القانون الدولي. ويحتاج الأوروبيون الى تفعيل دورهم السياسي وعدم الاكتفاء بدعم اقتصادي على أهميته البالغة، وإلى إثبات أن هناك سياسة أوروبية على قدر من الاستقلال بما يخص قضايا المنطقة، وذلك يستلزم وقف الاستجابة الآلية للضغوط الأميركية والابتزاز الإسرائيلي.

وكانـت أطراف عربيــة شددت على عقد مؤتمر جدي، حتى إن المملكة العربية السعودية، شككت على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، في مشاركتها إذا لم تتضح صورة المؤتمر وأهدافه بصورة نهائية قبل عقده. فيما طالبت مصر بـلسـان سفيرها في واشنطن نبيل فهمي بأن يدفع المؤتمر نحو مفاوضات نهائية، تقود إلى إرساء اتفاق سلام خلال العام 2008 .

أما الطرف الفلسطيني فلن يسعه توقع تطور ذي شأن بمجرد إطلاق المناشدات، فالأمر يستلزم اتخاذ مبادرات جريئة، لا تتوقف عند البرهنة على الذهاب بالعملية السياسية الى نهايتها.

هناك حاجة عاجلة لتوسيع إطار الجهد السياسي بتمكين المكونات السياسية والاجتمــاعيـة من المشـاركة بهذا الجهد ومقـارعـة حمـاس على أرضية مشروع وطني ديمقراطي ودينامي، يقود الى اشتبـاك سياسي مع الاحتـلال في أروقة مؤتمر الخريف، واشتباك تفاوضي بعد انقضاء المؤتمر.

يلزم انتصار واشنطن على الذات كي ينجح مؤتمر الخريف – محمود الريماوي
 
08-Nov-2007
 
العدد 1