العدد 39 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري كانت دهشة الحضور عظيمة عندما روى سياسي ، أن عيناً ووجيهاً من شيوخ العشائر مال إليه برأسه في جلسة خاصة، وشكا إليه كيف أنه في مطلع كل شهر يوصل شقيقته بسيارته "ذات النمرة الحمراء" لتستلم معاشها من صندوق المعونة الوطنية، والذي تنفقه لاحقاً لتسديد فاتورة "موبايلها". في هذا تلخيص للجدل الدائر حول مدى استحقاق المنتفعين من الصندوق لمعوناتهم الشهرية بعد مضي 14 عاماً على إنشائه. رغم نجاحات الصندوق التي لا ينكرها أحد، خصوصاً في السنوات الأخيرة، يشير فايز الصياغ إلى "هدر" في إنفاق الصندوق الذي تصل موجوداته إلى حوالي 72 مليون دينار سنوياً، وبخاصة ما يتعلق بالمعونات المتكررة التي تُدفع على شكل معاشات شهرية، أو معونات طارئة. يقول الصياغ: "ثبت بالتجربة أن كثيراً ممن يتلقون المعونة المتكررة هم من غير المستحقين، فهي معونة يُفترض أنها متكررة، لكنها مشروطة بتوافر شروط معينة في المنتفع بها تتصل بوضعه المالي والاجتماعي". ويشير إلى أن عدم الاستحقاق هذا خلّف أثراً "تراكمياً وضخماً" من حالات الهدر "الذي يقترب من الفساد". يستند الصياغ في ذلك إلى آلاف الحالات التي عايشها أثناء عمله القريب من الصندوق. فعلى سبيل المثال: الأرملة التي تتقاضى معونة متكررة لها ولأبنائها منذ انطلاقة الصندوق في 1986، كانت ما زالت تتقاضى معونتها بالرغم من أن أبناءها كبروا أو ربما صاروا يعملون في الخليج مثلاً. الصياغ يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يشير إلى أن هذا الخلل الإداري المتراكم، والذي قد تعجز عن تصويبه الإدارة الحالية للصندوق، كان من مسؤولية وزراء ومسؤولين في فترات سابقة. ويذكر أن أحد وزراء التنمية الاجتماعية دوّن أسماء المهنئين له بالوزارة في دفتر تشريفات، ليثبت لاحقاً أن تلك الأسماء أُدرجت في سجلات الصندوق. محمود كفاوين، المدير العام للصندوق، يشير إلى أنه مع بداية توليه الإدارة في 2004، قام بمسح للمنتفعين ألغى بعده 7 آلاف حالة. يشير الى أن الحالات المخالفة تتناقص من عام إلى آخر بفضل عمليات التحقق اليومية والشهرية والدورية. "الناس بطبيعتها تحب أن تتحدث عن تجاوزات، ونحن نلتقط تلك الحالات"، يقول كفاوين، موضحاً أن هناك عمليات تحقق ومتابعة شهرية ودورية كل 6 أشهر، تتم خلالها متابعة الحالات ومقارنتها بقاعدة بيانات الضمان الاجتماعي والأراضي والمساحة، وغيرها من البيانات التي قد تُظهر أن المنتفع لم يعد بحاجة إلى المعونة. كفاوين يقر بالخلل، لكنه يرى أنه الآن "ربما لا يتجاوز 5 بالمئة"، وذلك بالإشارة إلى حالات هامشية غير مسجلة في البيانات، ما يترك أمر التحقق منها مرهوناً بالموظف المعني بالمتابعة الذي قد يخطئ وقد يصيب. تكشف الأرقام الصادرة عن البنك المركزي أن عدد المنتفعين من المعونة المتكررة تحديداً، وصل في العام 2002 إلى 66450 منتفعاً، وهو مقارب للرقم الذي ورد في نشرة 2007، إذ وصل إلى 65212 حالة. ويرى كفاوين أن هذا التقارب في الأعداد يشير إلى نجاعة أسلوب التحقق من الحالات التي ترد الصندوق، ويقول إنه بطبيعة الحال يتم استثناء حالات الوفاة، وبخاصة أن جزءاً من المنتفعين هم من كبار السن، يضاف إلى ذلك أن من كان غير مستحق في 2002 ربما أصبح مستحقاً في السنوات اللاحقة، وعليه فإن هذه العملية من شطب وإضافة تؤدي في نهاية الأمر إلى تقارب في البيانات. ثمة جانب آخر من الملاحظات على عمل الصندوق يتعلق بمسألة الإنتاجية والتنمية المستدامة، وذلك وفقاً للمقولة الشهيرة إن "إعطاء رجل صنارة يصيد بها خيرٌ من أن إعطائه سمكة". الصياغ يرى أنه لو استمر الصندوق بدفع المعونة المتكررة حتى الألفية الثالثة، فإن ذلك لن يصل بالشخص المعني إلى الخروج من دائرة العوز. وهو ما يلفت إلى أهمية تفعيل برنامج التأهيل المهني الذي أوقفه الصندوق في العام 2000. راجح صوالحة، الناطق الإعلامي باسم الصندوق، يقر بأن الصندوق "فشل" في هذا الأمر، ويرجع ذلك إلى المواطن نفسه. ويشرح صوالحة: "كنا نمنح قروضاً لفتح مشاريع صغيرة، وكانت قيمة القرض تصل إلى 4 آلاف دينار، وربما أكثر، من دون فوائد، وكنا نتولى جميع أمور الترخيص وصولاً إلى تأمين البضاعة، لكن من متابعتنا لهذه المشاريع وجدنا أن معظمها فاشل؛ فقد يبيع المواطن مشروعه بخسارة حتى يحصل على النقد". ويرى صوالحة أن ثمة جهات أخرى قد تكون أقدر على الاضطلاع بهذه المهمة، مثل صندوق التنمية والتشغيل. في الإطار نفسه، يسعى الصندوق من خلال برنامج التشغيل والتدريب إلى إعداد أبناء المنتفعين، وغير المنتفعين، بما يمكّنهم من الحصول على وظائف، بالتنسيق مع جهات حكومية كوزارة العمل، أو جهات غير حكومية كالمصانع الخاصة، ومؤسسة المدن الصناعية. يشير صوالحة إلى أنه تم منذ بداية العام الجاري إحالة 1577 طالبَ عمل مدرباً إلى وزارة العمل لتأمين وظائف لهم. من هؤلاء عمل 70 شخصاً فقط. صوالحة يرى أن مسؤولية الصندوق تنتهي عند حد التدريب والتنسيب. محمد القضاة، مدير التشغيل في وزارة العمل، يقول إنه تم استقبال كشف بـ1114 طالبَ عمل، قامت الوزارة بالاتصال بـ850 منهم، إلا أن 42 شخصاً فقط تم تشغيلهم. القضاة يُرجع ذلك، بناء على ما تم تدوينه في الكشوفات، إلى أن معظم الباحثين عن عمل يفضّلون وظيفة حكومية، ويخشون انقطاع المعونة عنهم إن قبلوا العمل في القطاع الخاص. ويزيد أن قبولهم الوظيفة يعتمد، في نهاية الأمر، على العرض والطلب، "فقد لا يحصل انسجام بينهم وبين صاحب العمل"، ولا تستطيع الوزارة أن تفرض على صاحب العمل تشغيلهم. القضاة يؤكد أن أسماء "المستنكفين" تظل مفعلة في كشوفات الباحثين عن عمل، بحيث يتم استدعاؤهم والاتصال بهم لاحقاً في حال توافر أي وظيفة. في محاولة لمواكبة الأوضاع الاقتصادية الراهنة، قام الصندوق ،ابتداء من مطلع آب/أغسطس الجاري، برفع قيمة المعونة للفرد (إذا كان أرملة أو مسناً) من 40 إلى 60 ديناراً، ليصل حدها الأقصى إلى 180 ديناراً للعائلة المؤلفة من 5 أفراد (وهو الحد الأقصى الذي تُمنح على أساسه المعونة، انطلاقا أن معدل أفراد العائلات الأردنية يقف عند هذا الحد). عند السؤال عما إذا كان هذا المبلغ كافياً، أقر بعض المسؤولين في الصندوق بأنه غير كاف، لكنهم في الوقت نفسه يعولون على وجود جهات أخرى يمكنها أن تساهم في إقامة أود هذه العائلات. كفاوين يقول: "أتمنى أن نصل إلى مرحلة نستغني فيها عن الصندوق"، ويضيف: "من غير المنطقي أن يتحمل الصندوق مسؤولية مكافحة الفقر في الأردن، فالصندوق ليس عصا سحرية". |
|
|||||||||||||