العدد 38 - كتاب | ||||||||||||||
خلال الأشهر الأولى من هذا العام تواصلت وتسارعت وتيرة الارتفاع في الأسعار التي أخذت طابعاً شمولياً وثقيلاً، لتصل نسبتها العامة المعلنة من دائرة الاحصاءات الى 13.3بالمئة ولتقفز الى أكثر من الضعف في زيادة أسعار مجموعات سلعية أساسية مثل: الإنارة، والوقود 44 بالمئة، ومجموعة الألبان والبيض 34 بالمئة، والحبوب 25 بالمئة، ومجموعة الزيوت 49 بالمئة، وعلى سبيل المثال، فيما لا يوجد في الأفق المنظور ما يوحي بانعكاس الاتجاه أو على الأقل توقف تصاعده. ومع التقدير للجهد المبذول في احتساب نسب التضخم السابقة، فإن المعدلات الفعلية، يرجح أن تكون أعلى من ذلك إذا ما تم تحديث وتغيير وتثقيل «سلة سلع وخدمات المستهلك»، تبعاً لتطورات موضوعية ومتطلبات ومتغيرات معيشية أكيدة، وإذا أخذ في الاعتبار لجوء بعض المصنعين والمستوردين والموزعين إلى تخفيض مستوى الجودة، أو حتى انقاص الوزن والحجم دون توضيح كاف. إن معدلات التضخم العامة والقطاعية التي تحققت في 2008 تتجاوز بمراحل النسب المسجلة منذ 1991. وعندما تتفاقم هذه الظاهرة إلى هذا المستوى القياسي بأبعاده وتداعياته الخطرة، فإن المسألة تحتاج إلى وقفة جادة وتحليل وتقييم علمي لها، ولجميع جوانبها وتداعياتها، وصولاً إلى تحديد تشخيص دقيق لأسبابها بعيداً عن أسلوب الفزعة، أو الإجراءات الجزئية المؤقتة، أو الإفراط في الوعود اللفظية، أو الارتكاز إلى عبارات إنشائية تطمينية من نوع «اقتصادنا بخير» أو مجرد الاستشهاد بتقييمات وحوائج الصندوق. اشتعال الموجات التضخمية في الاقتصاد الأردني يعود الى أسباب خارجية وأكثر الى عوامل داخلية، وليس مفاجئاً أو مستغرباً أن تلجأ الحكومة وفريقها الاقتصادي والناطقون بلسانها الى تحميل العوامل الخارجية الجانب الأكبر من مسؤولية «شبح التضخم الركودي» المتزايد وتداعياته، نفياً أو ابعاداً لمسؤولية توجهاتها وسياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية عن الأزمة المتصاعدة على أرض الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وبأنه ليس في اليد من حيلة في مواجهة المسببات الخارجية العميقة. العوامل الخارجية المؤثرة انحصرت في مجملها في القفزات غير المسبوقة في أسعار النفط الخام التي تضاعفت أكثر من 5 مرات منذ 2003، عام الاحتلال الأميركي للعراق، إلى جانب الارتفاعات الصاروخية في أسعار المواد الغذائية العالمية التي كانت وما تزال من آثار جريمة تحويل الذرة ومنتجات حقلية الى «وقود حيوي» نجم عنه تراجع في الانتاج والمعروض الزراعي وارتفاع حاد في أسعاره. رغم أهمية العوامل الخارجية، إلاّ أنه يمكن مواجهتها عند توافر إرادة، وبما يحد أو يخفف من نتائجها، كما فعلت أسبانيا التي عقدت اتفاقية مع فنزويلا لتزويدها بالنفط بسعر 100 مئة دولار وشروط دفع ميسرة أو بتصدير سلع وخدمات مقابل الثمن ومن خلال التفاهم والتضامن مع دول نامية أخرى متضررة لوقف بدعة «الوقود الحيوي». وتبقى الأسباب الداخلية هي العامل الرئيس والأهم في انفجار موجة التضخم بتأثير تبني وتطبيق بعض التوجهات والسياسات التي كانت من أبرز مكوناتها ونماذجها التشويهات والانحيازات في المنظومة الضريبية بفرض ضريبة المبيعات، في 1994 واستمرار رفع معدلاتها، وتوسيع نطاق سريانها مقابل تقليصات وتخفيضات في معدلات وشرائح ضريبة الدخل التصاعدية حسب الدخل والثروة والمتطابقة مع نص المادة 111 من الدستور الأردني، وما حدث أيضاً من شطب لضرائب مشابهة مثل: ضريبة التوزيع، وضريبة الرسملة، ومحدودية ضريبة الميراث والتحسينات مع الافراط في منح الاعفاءات الضريبية للمتمولين بمبرر «تحفيز وجذب الاستثمار والمستثمرين». وتتحمل السياسة النقدية للبنك المركزي مسؤولية مقاربة في انفجار الغلاء باصرارها على ابقاء سعر صرف الدينار مرتبطاً بالدولار الأميركي المتدهور في قيمته مقابل العملات الأخرى الى جانب سماحها للبنوك بالتوسع بأكثر مما يجب في منح القروض، وبتركيز واسع على منح «قروض التجزئة» ذات الطابع الاستهلاكي وبنسبة 37 بالمئة من إجمالي القروض المصرفية. تركيز السياسات الاقتصادية والاستثمارية المحلية على تنمية متزايدة لقطاع الخدمات بمختلف فروعه مقابل التراجع في نشاط القطاع الانتاجي، بخاصة الزراعي منه، بشقيه النباتي والحيواني، كان بدوره عاملاً رئيسياً في تراجع الانتاج والأمن الغذائي في الساحة الأردنية واشتعال أسعارها. أزمة التضخم وملحقاته التي يحلو للحكومة وفريقها الاقتصادي تسميتها بالتحديات، هي، في جوهرها، نتاج مسار ونهج مختل ومنحاز يتبع منذ سنوات، ويتطلب التصويب والتغيير السريع. |
|
|||||||||||||