العدد 38 - اقليمي
 

داليا حداد

يشهد العراق منذ أسبوعين أزمة سياسية كبيرة نتيجة إقرار مجلس النواب العراقي (البرلمان) الثلاثاء 22 تموز/يوليو الماضي قانون انتخابات مجالس المحافظات، والتصويت على تأجيل انتخابات مجلس محافظة كركوك المتنازع عليها بين مكوناته الرئيسة الثلاثة: العرب، والتركمان ، حيث يطالبون بإبقائها تحت سلطة الحكومة المركزية، وجعلها إقليماً مستقلاً بسبب خصوصيتها، والأكراد حيث يطالبون بضمها إلى إقليم كردستان.

انصب اعتراض الكتلة الكردية، التي انسحبت من قاعة المجلس، ومعها نواب من المجلس الأعلى الاسلامي، على آلية التصويت السري على المادة 24 من القانون، الذي جرى يأغلبية 127 عضوا من مجموع 140 عضوا حضروا الجلسة. وتنص المادة على تحديد مقاعد مجلس المحافظة بـنسبة 32 بالمئة لكل مكون من المكونات الثلاثة، و4 بالمئة للكلدوآشوريين، وهي النسبة التي سبق أن ايدها رئيس الجمهورية جلال الطلباني كنوع من التوافق لحل المشكلة، واعترض عليها العديد من السياسيين الأكراد، خاصة الأعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يرفع منذ عقود شعار "كركوك قدس كردستان"، رغم أن المدينة معروفة تاريخياً بتعدديتها الإثنية. وكانت عملية التصويت على القانون تأجلت اكثر من مرة لفشل مجلس النواب في حسم نقاط الخلاف حول القانون، وبالذات مشكلة إجراء الانتخابات لمحافظة كركوك. الجلسة الأخيرة، التي جرى التصويت فيها على القانون، شهدت سجالاً بين النواب الأكراد ورئيس المجلس محمود المشهداني ، إثر قرار الأخير جعل التصويت سرياً على الفقرة الخلافية في قانون انتخابات مجالس المحافظات المتعلقة بمدينة كركوك، انسحبت على اثرها كتلة التحالف الكردستاني (54 نائباً) من الجلسة لعرقلة التصويت، كما انسحب نائبا المشهداني، الشيخ خالد العطية، (عضو المجلس الأعلى الإسلامي). وعارف طيفور (عضو التحالف الكردستاني) تضامناً مع الكتلة.

في رد فعل سريع على إقرار القانون أيدت الكتلتان العربية والتركمانية في مجلس محافظة كركوك، عبر بيان مشترك، تأجيل الانتخابات المحلية، وتقاسم السلطة وتحقيق الإدارة المشتركة بين ممثلي القوميات في المحافظة، بينما أدانه برلمان إقليم كردستان العراق، في جلسه طارئة عقدها لهذا الغرض في اليوم التالي لإقرار القانون، واعتبره انقلابا على الدستور، وعبر عن رفضه الشديد له، كما أكد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان في بيان له رفضه للقرار. وأصدر حزب الفضيلة الإسلامي والقائمة العراقية والتيار الصدري والجبهة العراقية للحوار الوطني والكتلة العربية المستقلة وتيار الاصلاح الوطني ومجلس الحوار الوطني وكتلة المستقلون والجبهة التركمانية والحركة الايزيدية ، بيانا مشتركا أعربوا فيه عن تأييدهم لقانون انتخابات مجالس المحافظات الذي صوت عليه البرلمان ، واصفين عملية التصويت بأنها "ممارسة ديمقراطية منقطعة النظير جرت بشفافية عالية وأمام عدسات الكاميرات". وانتقد البيان تصريحات النائب الأول لرئيس مجلس النواب خالد العطية وما تضمنته من تشكيك بنزاهة الجلسة وإدارة مجرياتها، مشيرا إلى أن تصريحاته تتنافي مع المعايير المهنية لمنصبه. وأشاد البيان بإدارة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني للجلسة. وأكدت الكتل السياسية الموقعة على البيان حرصها علي "الدفاع عن مصالح الشعب الكردي في كركوك وكل العراق، مشيرة إلي ضرورة أن يبقي المسار الدستوري الديمقراطي السلمي معيار التعامل مع أية قضية أو أية جهة".

وبما أن الدستور العراقي ينص على وجوب مصادقة مجلس الرئاسة، المكون من الرئيس ونائبيه على القوانين التي يقوم مجلس النواب بتشريعها لتأخذ صفة الشرعية، فقد أحال البرلمان قانون الانتخابات إلى المجلس، وكان متوقعاً أن يرفضه عضوا المجلس الرئيس جلال الطالباني، ونائبه عادل عبد المهدي (عضو المجلس الأعلى الإسلامي)، أما العضو الثالث، وهو النائب الثاني للرئيس، طارق الهاشمي (رئيس الحزب الإسلامي)، فلم يُعرف رأيه بالقانون لدى إحالته إلى مجلس الرئاسة فقد كان يجري عملية جراحية في احدى المستشفيات التركية.

وأكد بيان حكومي صدر في بغداد الخميس 24 تموز أن رئيس الجمهورية الطالباني ونائبه عادل عبد المهدي اتفقا على رفض قانون مجالس المحافظات الذي أحاله البرلمان إلى مجلس الرئاسة بعد إقراره رسميا. وبرر مجلس الرئاسة في بيانه رفض الرئيس ونائبه للقانون لاحتوائه "خروقات دستورية وإجرائية من شأنها أن تفسد أجواء التوافق الوطني وتنسف المبادئ التي بنيت عليها العملية السياسية". وأضاف البيان أن عبد المهدي أطلع الطالباني على أن الائتلاف العراقي الموحد رفع توصية إلى مجلس الرئاسة بنقض القانون، والمطالبة بإعادته إلى البرلمان للنظر فيه مجددا "بما يوافق الدستور ويؤمن الانسجام الكامل والصحيح بين الكتل لضمان حصول الجميع على كافة حقوقهم".

ورداً على رفض الرئيس الطالباني لقانون الانتخابات طالب خلف العليان، النائب عن جبهة التوافق ورئيس مجلس الحوار الوطني، بإقالته من منصبه، لأنه تعامل مع قانون الانتخابات على أساس "عنصري وليس وطني".. إلاّ أن المتحدث باسم كتلة التحالف الكردستاني فريد راوندوزي قال إن "العليّان حرّ في تصريحاته، وهدفه تأجيج مشاعر العراقيين عامة والأكراد خاصة". كما انتقدت النائبة عن التيار الصدري مها الدوري موقف الطالباني ونائبه عبد المهدي في نقض قانون انتخابات مجالس المحافظات، عادةً إياه نابعاً من مواقف حزبية ضيقة. وأعربت الدوري عن اعتقادها بوجود صفقة بين التحالف الكردستاني والمجلس الأعلى تتمثل في محاولة تمرير الفدرالية، لافتةً إلى أن كركوك جزء من هذه الصفقة. وشددت الدوري على ضرورة اعتماد مبدأ التعايش السلمي في كركوك.

إثر إعادة القانون إلى مجلس النواب للتصويت عليه مرة ثانية عقد المجلس جلسته الاعتيادية السبت 27 تموز بحضور كتلة التحالف الكردستاني، وأحالت هيئة رئاسة المجلس مشروع القانون إلى لجنة برلمانية خاصة مكونة من لجنة الأقاليم والمحافظات واللجنة القانونية في البرلمان، إضافة إلى ممثل عن كتلة نيابية غير ممثلة في اللجنتين لبيان أسباب نقضه من قبل رئاسة الجمهورية. ثم تواصلت اجتماعات ممثلي الكتل البرلمانية طوال أسبوع كامل للتوصل لصيغة توافقية واجراء تعديلات على المادة 24 من القانون، إلاّ أنها وصلت إلى طريق مسدود لإصرار التحالف الكردستاني على إخراج هذه المادة بما يلبي مطلبه في ضم كركوك، الغنية بالنفط، إلى اقليم كردستان، تمهيداً لانفصاله عن العراق ذات يوم.

في غضون ذلك طالب أعضاء الكتلة الكردية في مجلس محافظة كركوك ضم المحافظة إلى اقليم كردستان في حال عدم توصل البرلمان العراقي الى حل يرضى به الأكراد. وأيد هذا المطلب برلمان اقليم كردستان ورئيسه البرزاني.

ضمن الجهود لحل الأزمة السياسية دخل على خط المقترحات المطروحة ممثل الأمم المتحدة في العراق ستيفان ديمستورا، فقدم مشروعاً إلى الكتل السياسية تضمن نقاطًا أكدت على ضرورة توزيع السلطات في كركوك على مكوناتها الأساسية وتأجيل الانتخابات فيها. واقترح المشروع تحديد سقف زمني يمتد إلى حزيران من العام المقبل 2009، بعد أن تقدم اللجنة المكلفة بتقصي الحقائق في كركوك تقريرها إلى مجلس النواب، الذي سيقوم بدوره بتحديد موعد إجراء الانتخابات، يجري بعدها توزيع المناصب الإدارية بين المكونات الأساسية في المحافظة. إلاّ أن مشروع ديمستورا لم يحظ بقبول العديد من الكتل السياسية في البرلمان، واتهمته بالانحياز للتحالف الكردستاني، وطالبت بإخراجه من ملف كركوك. وأصدرت المجموعة العربية والتركمانية في المحافظة، والممثلة في البرلمان، بياناً قالت فيه «إن جميع العراقيل والشروط التعجيزية التي واجهتها المفاوضات جعلت مبعوثَ الامم المتحدة يَفقد حياديته، وظهر كأنه يتفاوض نيابة ً عن الاطراف التي وَضعت في حساباتها مُسبقا تأجيلَ انتخابات مجالس المحافظات». ودعا البيان الامم المتحدة الى عقد ندوةٍ موسعة للاطراف المحلية والدولية والاقليمية لدراسة اسبابِ أزمة كركوك، ومعالجتها بقراراتٍ دولية تخدم الشعب العراقي..

واستمرت حتى مساء الثلاثاء الخامس من آب الجاري المشاوراتُ الخاصة بايجاد حل ٍ لمازق الانتخابات المحلية في محافظة كركوك، وعقد مجلس النواب جلسةِ خاصة لمناقشة مسودة القانون الجديدة، التي أدخلت عليها تعديلات ممثل الأمم المتحدة في العراق، إلا أن المجلس فشل في حل المشكلة، وأرجأها إلى جلسة لاحقة وقد تضاربت الانباءُ بين اعضاء المجلس حول قبول أو رفض المسودة الجديدة.

أحزاب كردية تسعى لتشريع “الاستيلاء” على كركوك
 
07-Aug-2008
 
العدد 38