العدد 38 - ثقافي | ||||||||||||||
جعفر العقيلي العام الماضي، 2007، كان عام الحصاد الثقافي بالنسبة لوزارة الثقافة. صودف أن كان عاد الطويسي وزيراً للثقافة حينئذ. لكن المصادفة وحدها لا تكفي لتفسير حجم الإنجاز. شرّع الوزير أبواب مكتبه للقاءات فردية مع عدد من الشخصيات الثقافية وممثلي الهيئات الثقافية، منصتاً لهم، ومتفكراً في وضع القطار على السكة المناسبة. من "محاسن الصُّدَف" أن عدداً من القوانين المتصلة بالشأن الثقافي أُقرّت في ذلك العام بعد مرورها بجميع المراحل التشريعية. وكان التنفيذ يحتاج إلى خطة تأخذ في الحسبان ما هو متاح، وما يمكن إنجازه في ظل ميزانية قليلة، وطموحات كبيرة. تضطلع الوزارة منذ تأسيسها بمهام روتينية كدعم النشر وإصدار الكتب وشرائها ورعاية المعارض التشكيلية والفعاليات الفنية والثقافية، لكن التفكير في الانتقال خطوة أخرى والانفتاح على قطاعات واسعة من الشعب لم يكن على جدول أعمال الوزراء من قبل. من هنا انطلقت فكرة "مكتبة الأسرة الأردنية" التي تعدّ إضافة نوعية على صعيد العمل الثقافي التنموي الموجّه لشرائح المجتمع كافة. وكان الأردن الثاني عربياً بعد مصر في تطبيق هذا المشروع. في السنة الأولى للمشروع (2007) كان بإمكان المواطن الحصول على كتب نفيسة، بعضها من أمهات الكتب، في مجالات مختلفة، بسعر رمزي يتراوح بين 25 و35 قرشاً. وأكثر من هذا: أطلقت الوزارة برعاية الملكة رانيا "مهرجان القراءة للجميع"، الذي تضمن معارض كتب ونوافذ بيع توزعت على جميع محافظات المملكة، وفتحت أبوابها للمواطنين في وقت واحد، فكانت المفاجأة أن 150 ألف نسخة بيعت في اليوم الأول للمعرض. وكانت الوزارة أصدرت خمسين كتاباً ضمن المشروع، بواقع 5000 نسخة لكل كتاب. الجديد في المشروع الذي يحتاج إلى مأسسة، أنه لم يتوقف عند الكتب الأدبية كما جرت العادة، بل توزعت إصداراته على 13 سلسلة في المعارف المختلفة: التاريخ، قضايا الشباب، العلوم، قضايا الأسرة، علم الاجتماع.. إلخ. لتناسب أفراد الأسرة بمختلف مستوياتهم العمرية والذوقية. في العام نفسه، قاربت عملية إعادة افتتاح مديريات الثقافة في المحافظات على الانتهاء، بعد أن قرر وزير أسبق (حيدر محمود) إلغاءها، وأعيد افتتاح بعضها في مرحلة تولي أمين محمود حقيبة الثقافة، تنفيذاً لتوصيات المؤتمر الثقافي الوطني الأول. شهد العام ذاته لفتة من وزارة الثقافة لقيت ترحيباً في أوساط المثقفين الأردنيين والعرب، تمثلت في منح الروائي الراحل غالب هلسا جائزة الدولة التقديرية للآداب، بعد أن أقرّت التعديلات على نظام جوائز الدولة، بما يتيح منحها لراحلين ولمؤسسات، إضافة إلى رفع قيمتها المادية. هناك من وقف ضد قرار منح الجائزة لكاتب راحل، انطلاقاً من أن قيمة الجائزة سيتقاسمها الورثة دون أن يستفيد منها الكاتب نفسه، مقترحين أن تكون وقفاً لتنفيذ مشروع ثقافي يحمل اسم صاحب الجائزة. لكن الخطوة اللافتة في سياق منح هلسا جائزة الدولة هي الاعتراف –وهو اعترافٌ من الدولة الأردنية بشكل أو بآخر- بموت هلسا منفياً خارج وطنه، كما جاء في السيرة الذاتية التي وزعتها الوزارة في التعريف بهلسا. أما المشروع الأهم الذي يعدّ أبرز بنود خطة التنمية الثقافية التي أقرتها الوزارة للأعوام 2006-2008، فكان مشروع التفرغ الإبداعي، الذي ظل مطلباً ملحّاً للمثقفين منذ عقود. ويقضى المشروع بتفريغ عشرة مبدعين في حقول مختلفة كل عام، ومنح الواحد منهم مبلغ 15 ألف دينار لقاء إنجاز مشروع يقترحه بعد أن توافق لجنة متخصصة عليه. وتكون حقوق نشر هذا العمل لوزارة الثقافة لثلاث سنوات. وفعلاً، جرى في العام 2007 تفريغ كل من: خليل قنديل، إسماعيل أبو البندورة، يوسف عبد العزيز، هاشم غرايبة، حكمت النوايسة، جمال ناجي، محمود عيسى موسى، أحمد اصبيح، وأنور الزعبي. وأقامت الوزارة في العام نفسه ورشة عصف ذهني لتطوير المشروع شارك فيها كتّاب ومثقفون وفنانون وممثلون عن هيئات ثقافية وفنية. استُهلّ مشروع المدن الثقافية، باختيار إربد مدينة الثقافة الأردنية للعام 2007، على أن تكون السلط مدينة ثقافية في العام 2008، تليها الكرك في العام 2009، وفقاً لما أقرته اللجنة العليا للمشروع برئاسة خالد الكركي. يشتمل مشروع المدن الثقافية على رصد مبلغ مليون دينار بهدف إنجاز المشاريع الثقافية في المدينة التي يقع عليها الاختيار. ورغم ما شابَ التجربة في بداياتها من ثغرات من أبرزها الافتقار الى الخبرة في العمل الثقافي لدى القائمين على المشروع، إلا أنها تعدّ خطوة متقدمة في مجال توزيع مكتسبات التنمية الثقافية على الأطراف، والتخلص من مركزية القرار والفعل الثقافي واقتصاره على العاصمة وضواحيها. نفذت وزارة الثقافة في العام 2007 أيضاً، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، مشروع مكتبة الطفل المتنقلة، إذ جابت حافلتان محمّلتان بالكتب والمجلات محافظات المملكة، ووصلتا إلى مناطق نائية، لتوزيع الإصدارات الثقافية على الأطفال، وإقامة ورش تدريبية لهم بهدف تعليمهم كتابة القصة والشعر، كما قُدمت لهم عروض مسرحية وفنية، وشارك أدباء في قراءات موجهة للأطفال ضمن فعاليات هذه المكتبة. وأطلقت الوزارة مشروع "الذخيرة العربية" الذي يُعدّ ريادياً في فكرته. يستهدف المشروع الحفاظ على المنتج المعرفي على اختلافه، وتحميله على الشبكة العنكبوتية بشكل ميسّر يتيح الاطلاع عليه وتصفحه بسهولة، خصوصاً من طرف الباحثين. هناك أيضاً مشروع "مكنـز التراث" الذي أطلقته الوزارة، ويهدف إلى جمع التراث الشعبي وتدوينه وفق أسس ومعايير علمية، للحفاظ عليه من التشويه والضياع. |
|
|||||||||||||