العدد 38 - ثقافي
 

مراجعة: ديفيد إل. جونستون*

يعمل رياض نور الله، الأستاذ في كامبردج، محاضرا رفيعا في الأكاديمية الدبلوماسية بلندن. دراساته المنشورة هي خير دليل على اهتماماته الواسعة، من الأدب والقضايا الثقافية في الشرق الأوسط إلى الدبلوماسية وبناء السلام. وكل هذه الاهتمامات تلتقي في هذا المشروع المحكم والجريء، «ما بعد المرض العربي».

مثلما يذكر إبراهيم أبو ربيع فإن «كل مفكر عربي تقريبا، سواء كان من اليمين أو اليسار، يعتقد أن الرؤى القديمة لإعادة بناء المجتمع قد استنزفت وأن هنالك أزمة قائمة منذ زمن في المجتمع العربي تنتظر حلا» (الفكر العربي المعاصر، 2004، ص 8). وبحسب التصنيف الذي وضعه الأخير فإن من المناسب أن يوضع نور الله بين «الليبراليين» (لا وجود لنظرية نقدية هنا) وبين «القوميين العرب». في الفصل الأول يحلل نور الله العلة العربية، واضعا إيقاعا لما تبقى من الكتاب، ثم يتوجه إلى الدول العربية والغربية ليستمعا بعضهما الى بعض من جديد، للعمل على حل الصراعات الناتجة عن الاستعمار والاستعمار الجديد، ثم التوجه نحو المصالحة. وفي الوقت الذي يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ فيه نصيبها من سلوكها غير المسؤول في المنطقة، فإن على البلدان العربية أيضا، هي التي تعاني من مرض عضال، أن تفكر جديا في ثلاثة حلول من شأنها أن تضعها على طريق الشفاء الكامل: الوحدة العربية، وعلاقات أفضل مع القوة العظمى في العالم وإقامة سلام مع إسرائيل.

تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادم الصادر عن وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة عام 2002، يقود نور الله ،إلى تقصي بعض الأسباب المحتملة لـ"المرض" الذي يلم بالعالم العربي، خاصة في مجالات التربية والثقافة والاقتصاد. هذا يتطلب العودة إلى "النهضة العربية" في القرن التاسع عشر والثورة العربية ضد الأتراك والوعود الغربية التي لم يوف بها خلال الحرب العظمى، وكذلك فكرة إقامة خلافة عربية التي اقترحها الدبلوماسي والشاعر البريطاني دبليو إس بلنت في كتابه "مستقبل الإسلام" 1882، والذي أسهم جزئيا في إثارة غضب القوميين العرب في القرن التالي. وبما يتعلق بـ"الوصفات المرة" الثلاث، التي يقدمها نور الله بوصفها علاجا، فإن التوكيد هنا هو على "المرارة": فقد تكون الوحدة العربية بعيدة وهيمنة الولايات المتحدة الأخيرة قد خلفت أضرارا في بدايتها والصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبدو أكثر بعدا عن الحل مما كان في السابق.

رغم هذا، وبالروح ذاتها التي ظهرت في كتاب المؤرخ ريتشارد بوليي " The Case for Islamo-Christian Civilization" المنشور عام 2004، يشير نور الله إلى أنه على جانبي الفوارق الحضارية، ثمة قواسم مشتركة من الاهتمامات والمصادر للتبادل الدبلوماسي أكثر مما يظهر في العادة. روزفلت كان شديد الإعجاب بكلمة ملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز في مؤتمر يالطا 1933، إلى درجة أنه كتب إليه (قبل وفاته بأسبوع واحد)، قائلا إنه لن يتخذ أي إجراء يتعدى على مصالح العرب في فلسطين" (ص 13). نور الله يقتبس كذلك من شخصيات يهودية دينية وسياسية شكلت حوارا إنسانيا كونيا في نواحٍ مختلفة تتناقض مع الحوار الذي نراه هذه الأيام والذي يتخذ أحيانا طابعا ضيقا يخدم الصهيونية وحدها (ص 24-28).

العنصر الوحيد الذي يحقق الوصل والربط في هذا المشروع ،هو حرص نور الله على التصالح ومقوماته الشخصية وهو يلعب دور صانع السلام في الشرق الأوسط: معرفته بالدبلوماسية وشغفه بالأدب. الفصل الثاني زاخر بالملاحظات الأصيلة عن الدبلوماسية الإسلامية، من المهارات الدبلوماسية اللافتة التي استخدمها النبي محمد إلى قائمة طويلة من القيم الأساسية في التقليد الإسلامي الساعي إلى فهم الدول والحضارات الأخرى والحوار معها. ويصر نور الله على أن حقيقة عدم تطبيق هذه المثل في الممارسة الفعلية، لا تشكل إدانة لروح هذه التعاليم، بل حافزا للمسلمين اليوم كي يتمثلوا بها أكثر. بالإضافة إلى ذلك، استعارت الخلافة الأموية في دمشق من الدبلوماسية البيزنطية وبشكل واسع، كما استعارت الخلافة العباسية في بغداد من "قائمة من التقاليد الغربية والشرقية" (ص 50). هارون الرشيد رتب لتبادل الهدايا والمبعوثين مع شارلمان إمبراطور الفرنجة، وفي عهد الخليفة العثماني سليم الثالث "أمسى رهط من السفراء اللامعين مروجين ومناصرين بارعين للإصلاح والتقارب مع أوروبا" (ص 53). أما اليوم، فقد تخلفت الدول الإسلامية في التدريب المهني لدبلوماسيها، الذين لا "يمثلون" بلدانهم فحسب، وإنما في أحيان كثيرة "يدافعون" عن إداراتهم عندما يحكمون على سياسات أخفقت في التكيف مع قضية السلام والتفاهم. ثم يقدم 24 صفحة من الاقتراحات المرقمة حول كيف يجب أن تطور الدول العربية ومجتمعاتها المدنية "ثقافة دبلوماسية، وثقافة منع النزاعات وحلها" (ص 57)؛ وكيف تتطور مسودة متخيلة، واقعية، وعملية تجتمع فيها القيم الدينية والعلمانية لتؤطر لعالم يضمن بحق تعددية في وجهات النظر والمراكز.

بالإضافة إلى الفصل الخامس عن "الصوفية وأثرها الإيجابي في الغالب على المجتمع"، يركز الكتاب على دور الأدب في تجسير الهوة بين الإسلام والغرب: مقدمة مثيرة للاهتمام للأدب العربي الحديث؛ جورج برنارد شو، الإسلام، والشرق الأوسط؛ الأدب وصناعة السلام. هنايدهش القارئ ليس فقط لاتساع معرفة نور الله بالأدب العالمي، ولكن أكثر من ذلك من قدرته على الترويج للأدب الراقي وقدرته على "تهذيب" العنيف من أحاسيس وأفعال والارتقاء بالأفراد ومجتمعاتهم، "مع التركيز على أن الحياة نفيسة تحتاج إلى جلد وأناة حتى في أكثر اللحظات ألما وضعفا" (ص 118).

*قسم لغات وحضارات الشرق الأدنى، جامعة بنسلفانيا، فيلادلفيا

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

دعوة لمدونة تأتلف فيها القيم الدينية والدنيوية
 
07-Aug-2008
 
العدد 38