العدد 38 - حريات
 

دلال سلامة

تلتفت أم أحمد حولها وتسأل بقلق:

- ماذا يقصد بورقة عدم الممانعة هذه؟.

أم أحمد كانت بين عدد من المسافرين من الأردن إلى مصر عبر ميناء العقبة. عندما وصلت الحافلة المتجهة إلى مصر مدينة العقبة، هتف السائق بالركاب قائلا:

- الرجاء من الأمهات اللواتي يسافرن بصحبة أطفال، دون آبائهم، ولم يستصدرن ورقة عدم ممانعة، أن يتجهن مباشرة إلى مكتب المسؤول لحلّ الإشكالية. لا نريد التأخر بسببكن.

في مكتب الضابط، اكتشفت أم أحمد أن ورقة عدم الممانعة هذه هي إذن يوافق فيه زوجها على ألا مانع لديه من سفر أبنائه مع والدتهم. كانت هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها بهذا الإجراء، وهي المرة الأولى التي تسافر فيها وحيدة من دون زوجها.

اتصلت المرأة بزوجها الذي توجه من فوره إلى مركز أمني واستصدر إذن سفر للأطفال، وأرسله بالفاكس إلى الحدود لتتمكن زوجته من عبور الحدود إلى مصر.

زوجة عمار كانت بطلة لقصة مشابهة، فقد توجهت مع ابنتهما البالغة اثنتي عشرة سنة لزيارة دولة مجاورة ،ولكنه فوجئ باتصال هاتفي منها تخبره فيه أنها مُنعت من مغادرة البلاد بصحبة الطفلة لأنها لا تحمل ورقة عدم الممانعة هذه.

يقول عمار: قيل لها إن بإمكانها السفر وحدها، أما الطفلة فلا.

وكما في الحالة الأولى توجه عمار من فوره إلى مركز أمني، وهناك قام باستصدار أمر عدم الممانعة، ثم أرسله بالفاكس إلى نقطة الحدود لتتمكن زوجته من المغادرة مع طفلتها.

زياد الزعبي، الناطق الإعلامي لوزارة الداخلية، أفاد بأن هذا الإجراء هو تطبيق للمادة 166 من قانون الأحوال الشخصية، التي تنص على أنه لا يسمح للحاضنة بأن تسافر بالمحضون خارج المملكة إلا بموافقة الولي، وبعد التحقق من تأمين مصلحته الخاصة.

وبحسب الزعبي، فإن هدف الإجراء هو الحد من حوادث الفرار بالأبناء، «فقد حدث كثيرا أنه في حالات النزاع بين الزوجين، تعمد الأم إلى الفرار بالأطفال خارج المملكة، ويحدث هذا غالبا في زيجات مختلطة، حيث يكون الأب أردنيا، وتكون الأم من جنسية أخرى». بحسب الزعبي.

المحامية ميسون عربيات، أضاءت جانبا آخر من القضية قائلة: القانون لم يمنع الحاضنة من السفر بأطفالها خارج المملكة دون إذن الولي فقط، بل إنه منعها أيضا من الانتقال من محافظة إلى أخرى دون إذن الولي، «فللأب الحق في رفع قضية على طليقته إن أرادت تغيير مكان سكنها داخل المملكة، إذا رأى في ذلك إضرارا بمصلحة الأطفال».

إذا كان هناك خطر من الفرار بالأبناء في حالة السفر خارج المملكة، فما هو الخطر الذي يمثله الانتقال من محافظة إلى أخرى؟.

المحامي بكر أبو عبيد يقول: «قد تكون لدى الولي تحفظات على البيئة الجديدة التي ترغب الأم في نقل الأطفال إليها، فيرى أنها غير مناسبة اجتماعيا أو غير منسجمة مع قيمه الأخلاقية. ومن ناحية أخرى فإن الانتقال يرتب عليه أعباء إضافية تتمثل في جهد السفر ونفقاته لمشاهدة أطفاله».

لكن لفاطمة رأي آخر. فاطمة كانت تقيم مع أهلها في إربد، وانتقلت إلى الزرقاء بعد زواجها، وبعد زواج استمر إحدى عشرة سنة وأثمر أربعة أطفال، انفصلت عن زوجها، وعندما أرادت العودة إلى إربد للسكن قريبا من أهلها، فوجئت بزوجها يمنعها من ذلك، وبأمر من المحكمة: «قال للقاضي إنه لا يستطيع السفر إلى الزرقاء كل أسبوع لمشاهدة الأطفال، وقال إن أهلي يسيئون معاملة أطفالي، وهذا غير صحيح. أنا هنا وحيدة تماما، لأن أهلي وجميع أقاربي في إربد، وأهل زوجي قطعوا علاقتهم بنا تماما بعد الطلاق، وحياتي أصبحت صعبة جدا، لأنني أعمل ولا أستطيع تحمل مسؤولية العمل والأطفال وحدي. لقد أردت السكن إلى جانب أهلي لأنهم كانوا سيحملون بعضا من العبء عني، ولكن زوجي يرفض، لا لشيء، إلا النكاية بي».

المادة 155 من قانون الأحوال الشخصية، حددت الشروط الواجب توافرها في الحاضنة ومنها: «أن تكون بالغة، عاقلة، أمينة، لا يضيع الولد عندها لانشغالها عنه، قادرة على تربيته وصيانته». والسؤال هنا: ألا يعني ذلك أن المرأة التي نالت حكما بحضانة أطفالها هي متصفة ضمنا بهذه الشروط؟ ألا يعني ذلك أيضا أنها أهل لإدارة شؤون أولادها ومنها تقرير المكان المناسب لإقامتهم؟ فمن الذي يقرر إن كان هناك ضرر فعلا؟ يجيب أبو عبيد أن القاضي الشرعي هو الذي يملك هذه الصلاحية.

المحامية عربيات أوضحت أن القانون فصل بين مفهومي الحضانة والولاية، فالحضانة الممنوحة للأم تعني أنها مكلفة برعاية أطفالها ووقايتهم وتلبية حاجاتهم الجسدية، أما الولاية فهي تتعلق بأمور مثل إدارة أموال الصغير إذا كانت له تركة، كما أن للولي الحق في أن يتدخل في المكان الذي يقيم فيه الصغير .

مع ذلك، تضيف عربيات، فإن القانون منح الأم التي يكون أطفالها في عهدة والدهم الحق في منعه من السفر بهم إذا كان هناك طلاق وكان لديها حكم بمشاهدتهم، ففي هذه الحالة يعتبر الحرمان من المشاهدة إضرارا بالأطفال. وإذا كان هناك نزاع زوجي وشكت الأم في أن هنالك احتمالا، لأن يسافر الأب بالأطفال، فيمكنها هي أيضا أن تستصدر أمرا بمنع سفرهم.

فهل يعني هذا أن القانون ساوى بين الرجل والمرأة ولم يميز بينهما؟

المحامي أبو عبيد يرى أنه يميز بين الرجل والمرأة، وكمحام لا يعتبر هذا التمييز مشكلة، بل يعتقد أنه منسجم مع "روح الشريعة الإسلامية التي جعلت القوامة للرجل". ويرى أن المساواة بين الرجل والمرأة غير ضرورية في القوانين، فلكل منهما طبيعة خاصة ترتّب عليه نوعا مختلفا من الحقوق والواجبات. «وهذا ليس تمييزا بقدر ما هو توزيع للمهام». بحسبه.

المحامية إيفا أبو حلاوة تراه قانونا يميز ضد المرأة؛ فالأم تمنع من السفر بأطفالها من دون إذن كتابي من الوالد، سواء كان هناك نزاع أو لم يكن، في حين أن بإمكان الأب أن يسافر بأطفاله دون مساءلة، إلاّ في حالة وجود نزاع تكون الأم قد استصدرت على إثره أمرا بمنع السفر، بمعنى أنه في الحالات التي يكون فيها هناك نزاع بين الطرفين ولا تكون الأم قد قامت بإجراء منع السفر، فإن بإمكان الأب ببساطة أن يسافر بأولاده ولو من باب النكاية بالأم.ولكن القانون ذاته كفل له أن يمنع أو يسمح في كل الأحوال.

تروي السيدة ثروت، بمرارة، كيف حرمت من طفليها دانا، 7 سنوات، ويامن 4 سنوات، بعد أن فرّ بهما والدهما الذي يحمل جنسية أخرى إضافة إلى جنسيته الأردنية:

"لم أشك بشيء. كانت بيني وبين زوجي خلافات عميقة، وكنا نناقش في المدة الأخيرة إمكانية الانفصال، وأوضحت له أن بقاء الطفلين معي هو خط أحمر لن أتفاوض بشأنه، ولكنني لم أشك لحظة في أنه قد يفعلها ويفر بهما. لكن هذا حدث. عدت يوما من عملي، لتخبرني الخادمة أن "بابا" سافر».

ثروت تروي بغضب: "ذهبت مرة مع طفليّ، وأختي وأولادها لقضاء عطلة نهاية أسبوع في سوريا، ولم يسمحوا لي بالمرور إلا بإذن كتابي من زوجي يسمح فيه بسفر الطفلين. وهو سافر بهما إلى الأبد، وسمحوا له بالمرور، فهل هذا عدل؟ أليس في هذا القانون مخالفة للدستور؟".

تقول أبو حلاوة: «تنص المادة السادسة من الدستور الأردني على أن الأردنيين أمام القانون سواء، فإذا فسرنا "الأردنيين" باعتبارها تعني الرجال والنساء، فإن هذا القانون بما ينطوي عليه من تمييز يخالف هذه المادة».

هيفاء حيدر الناشطة النسائية ومسؤولة الخط الساخن في اتحاد المرأة الأردنية، تعتبر القانون مجحفا بحق المرأة: "إذا كانت المرأة قد منحت حق حضانة أطفالها، وكانت بالتالي مؤتمنة على حياتهم، فكيف تسلب بعد ذلك حقها في إدارة شؤون أطفالها، ومنها تقرير مكان إقامتهم أو حتى السفر بهم خارج البلد؟".

تُرجع حيدر ذلك إلى العقلية التقليدية التي ما تزال مستحكمة وتتعامل مع المرأة بوصفها مخلوقا قاصر الوعي، بإمكانه إدارة منزل والنهوض بأعمال مثل الطبخ والتنظيف وغيره، ولكنه قاصر عن إدارة حياة طفل واتخاذ قرارات عقلانية. وتضيف: «وهذا ما يسعى اتحاد المرأة الأردنية، عبر برامجه المختلفة، إلى تغييره، أي تغيير الوعي التقليدي وتغيير الصورة النمطية للمرأة».

من هنا تشدد حيدر على ضرورة مواصلة الجهود من أجل تغيير هذه النصوص القانونية التي تمارس التمييز ضد المرأة، وتشير إلى حملة إقليمية لتغيير بعض مواد قانون الأحوال الشخصية التي تميز ضد النساء وذلك في خمس دول هي: الأردن، وفلسطين، ومصر، وسورية، ولبنان، وهي حملة يتولى التنسيق لها اتحاد المرأة الأردنية بالتعاون مع منظمات غير حكومية معنية بهذا الشأن في هذه الدول.

الدستور الأردني أكد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، في الحقوق والواجبات، فهل يحمل هذا القانون مخالفة للدستور؟.

الأردنيون “الرجال” متساوون أمام القانون.. أما مع النساء فلا!
 
07-Aug-2008
 
العدد 38