العدد 38 - حريات | ||||||||||||||
حمزة السعود "لا يسمح للخادمات باستخدام مرافق النادي، ولا يسمح بتواجدهم في منطقة برك السباحة." جملة تحذيرية تجدها في النشرات التعريفية لبعض المسابح العامة، في بلد يفتخر بأنه لا يعرف شيئا يسمى العنصرية. وحين يسافر أبناؤه إلى الخارج فإنك لا تعدم من يعود منهم ليروي قصصا عن تمييز عنصري ضده في هذا البلد أو ذاك، وقد يعلق قائلا إن ما يتم الحديث عنه في الغرب عن عدم وجود عنصرية إنما هو من قبيل الكذب الصريح. ورغم أن مثل هذه الجملة مكتوبة، فإن ديسي، الفلبينية الثلاثينية العاملة في أحد المنازل، فوجئت حين عرفت أنها، مثل باقي العاملات في المنازل، ممنوعة من استخدام مرفق السباحة التي ذهبت إليه مع ربة المنزل الذي تعمل فيه، إذ فوجئت بنفسها تقع ضحية تمييز لم تتوقعه يوما، وهي مازالت تعيش المفاجأة، بعد فترة طويلة من تعرضها لهذه العنصرية، فتتساءل بكلمات متعثرة عن الأسباب التي جعلت أصحاب المسبح يأمرون بمثل هذا السلوك العنصري، وهل كان ذلك بسبب عرقها الشرق آسيوي؟ أم بسبب نوع من التمييز الطبقي الذي حكم عليها بحكم موقعها كعاملة منزلية، أن تكون وراء هذا التمييز، "وفي كلتا الحالتين فهي عنصرية موجهة ضدنا،" كما قالت ربة المنزل الذي تعمل فيه ديسي. عبير النعيمات، إحدى المشرفات على مسابح مدينة الحسين للشباب، تفسر وجود مثل هذه الجملة بأنها جاءت بعد أن عبر أكثر من فرد من أعضاء النادي عن ضيقهم من دخول العاملات المنزليات إلى برك السباحة، خشية من عدم نظافتهن. وذلك خوفاً من نقل أمراضهن إلى المسبح "لذلك نفضل عدم دخولهن،" كما تقول النعيمات. السيدة حنان، إحدى رواد المسبح تقول إنها تشمئز من فكرة دخول العاملات المنزليات إلى برك السباحة، مؤكدة أنها تحرص دائما على الذهاب إلى الأماكن التي "يوحي لها زوارها بالنظافة." لم تنتبه السيدة حنان إلى أنها تحتفظ بعاملة في منزلها، وهي عاملة وافدة، مثل ديسي، ولكنها تختلف عن ديسي في أنها فتاة متعلمة، فهي حاصلة على ماجستير في الكيمياء، ولكن حاجتها، هي وأسرتها إلى المال هي التي دفعتها إلى العمل في منزل السيدة حنان. حنان، ترى أن هذا التعميم غير عنصري، بل هو شبيه بتعميمات أخرى، "تماما مثل تعميم يمنع النزول إلى البرك بثياب غير مخصصة للسباحة." رئيسة جمعية حقوق المرأة العاملة، عايدة أبو راس، عبرت عن استغرابها من تغلغل مثل هذه الأفكار العنصرية في مجتمعنا، حتى في أمور على مثل هذه الدرجة من البساطة. تقول: "ألا يشمئز هؤلاء من العاملات في منازلهن عندما يقمن بالاعتناء بأطفالهم أو خلال طهي الطعام لأسرهن؟!" لكن أبو راس تنبهت إلى أمر آخر أثار استغرابها، وهو عدم ورود أي شكوى للجمعية حول هذا الموضوع، وشددت على ضرورة إجراء تحقيق فوري في مثل هذا التعميم الذي تفوح منه رائحة العنصرية. المحامية إنعام العشي، مديرة البرامج والأنشطة في المعهد الدولي لتضامن النساء، أكدت عدم وجود قانون أردني يجرم العنصرية بأشكالها المختلفة، وبخاصة وأن العنصرية في المجتمع الأردني "قانون غير مكتوب" كما تقول. وترى العشي بأن على الحكومة الأردنية استصدار قوانين خاصة تكافح التمييز العنصري بجميع أشكاله، ويتم بموجبه "تجريم أي شكل من أشكال التمييز العنصري،" مشددة على ضرورة أن يكون من حق الذين يتعرضون لأي نوع من أنواع التمييز التقدم بشكوى رسمية، وتستدرك العشي قائلة: "ربما تكون القوانين الأردنية غير واضحة، أو ربما فضفاضة في هذه المسألة،" ولكنها ترى أن المشكلة الأكبر هي عدم إقدام من يتعرضون للتمييز على تقديم الشكاوي." وإن كان من المفهوم أن يصدر مثل هذا التعميم العنصري في مرفق ما، في مجتمع يفتقر إلى أي ثقافة معادية للعنصرية، فإن من غير المفهوم أن تمنع فتاة، أردنية هذه المرة، من دخول مكان يفترض أن يكون عاما ومفتوحا للجميع. نبال، فتاة في العشرين من عمرها، كانت عائدة في أحد الأيام من الجامعة. وحين شعرت بالجوع قررت التوجه إلى أحد المطاعم، ولكن مفاجأتها كانت كبيرة حين رفض موظفو المطعم إدخالها، والسبب أنها كانت ترتدي الحجاب. لم يقل لها الموظفون شيئا، ولكنهم لفتوا نظرها إلى تعميم يمنع دخول المحجبات. تقول نبال إنها شعرت لأول مرة بأن الحجاب الذي ترتديه قد يجعل البعض ينظر إليها على أنها "شاذة" عن باقي البشر. وتذكرت كثيرا بعض الأماكن التي تمنع "دخول غير المحجبات"، أو بعض الوظائف التي يحجم أصحابها عن قبول محجبات لشغلها. المشكلة مع نبال أنها مواطنة أردنية وبحسب نص الدستور فإن "الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". إلى ذلك فإن الأردن هو أحد الموقعين على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ولكن من الواضح أن نصوص الدستور والاتفاقيات الدولية الموقعة حول التمييز العنصري، لم تجد لها مكانا في التطبيق، كما هو الحال في بعض الدول الغربية، مثل قانون العلاقات العرقية البريطاني الذي صدر في عام 1976، وعدل عام 2003 تماشياً مع مرسوم الاتحاد الأوروبي للمساواة العرقية. |
|
|||||||||||||