العدد 38 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري يعود صدور أول تشريع أردني للعشائر إلى السنوات الأولى من إنشاء الإمارة. ففي عام 1924 صدر قانون محاكم العشائر، الذي شكلت بموجبه محكمة العشائر، وتتألف من 3 قضاة برئاسة الحاكم الإداري (مدير ناحية أو قائمقام)، أو قاض نظامي مناب،اختصت تلك المحكمة في قضايا الأموال المنقولة وقضايا الدم والعرض والخيل الأصايل وتبعاتها. ظل قائد الجيش يتولى تطبيق أحكام هذه المحاكم، بموجب قانون الإشراف على البدو لعامي 1929 و 1936. وفي العام 1958، أنيطت صلاحيات التنفيذ بمدير الأمن العام، بموجب قانون الأمن العام لتلك السنة. بقيت هذه المحاكم قائمة حتى العام 1976 عندما صدر قانون إلغاء القوانين العشائرية. وإن ألغيت القوانين رسميا، فإنها بقيت تمارس، ولكن بوصفها عرفا وليس قانونا. في فترة لاحقة، في العام 1985، وبناء على مطالبات وعرائض قدمتها العشائر في المملكة، قام وزير الداخلية بتشكيل لجنة لدراسة المطالب والاحتياجات العشائرية. تيسير نهار السليم في كتابه "العادات العشائرية ومدى مساعدتها للإجراءات الأمنية"، يذكر أن اللجنة خلصت إلى إبراز وثيقة تحسين العادات العشائرية بما يتواكب مع تطور المجتمع الأردني، إذ تم اختصار الإجراءات العشائرية إلى الجرائم الكبرى فقط وهي جرائم القتل العمد، والعرض، وتقطيع الوجه والدخالة. ونالت الوثيقة مباركة الملك الحسين. ** الوجه: ربما كان هذا من أهم المصطلحات العشائرية المتعارف عليها. والوجه، باختصار، هو الضامن الذي يتكفل بحماية المعتدي و«خمسته»، من رد فعل المعتدى عليهم. فإن تكون "بوجه فلان" فهو ملزم بحمايتك، والآخرون ملزمون بعدم خرق هذه الحماية. ويرتبط هذا المفهوم بالجلوة، فالجالي يكون "بوجه" العشيرة التي ارتحل إليها؛ في الدخالة، يكون الداخل "بوجه" الدخيل أو المجير. كما يرتبط أيضا بالكفالة. وهي نوعان: كفيل دفا، وكفيل وفا. كفيل الدفا هو وجه من وجوه العشائر (سواء كان من عشيرة المعتدي أو من عشيرة أخرى)، ويكون ملزما بعدم الاعتداء على الطرف المعتدي. وهو أمر يحترمه ويلتزم به أهل المعتدى عليه، فلا يتعرضون للمعتدي أو أهله ما داموا في كفالة ذلك الشخص الوجيه. وقد اعتاد البدو أن يسموا كفيلا ولو كان غائبا لا يعرف بالأمر بتاتا، وذلك من باب احترام ذلك الشخص وتقديره. فإن ذُكر اسمه، التزم الحضور بحفظ وجهه. أما كفيل الوفا، فهو الشخص الملزم بدفع كل ما يترتب على الطرف المعتدي من أعباء مالية. ** العطوة: هي هدنة تعطى من أهل المعتدى عليه لأهل المعتدي، وذلك بكفالة وجه من وجوه العشائر، لمدة يتم تحديدها وتجديدها بحسب رغبة الطرفين. والعطوة "ستر" لأهل المعتدى عليه تجنبهم حرج الرد على الاعتداء إذا كانوا ضعافا لا يقدرون على الرد، أو إذا كانوا يفضلون عدم الرد لاعتبار القربى أو الجيرة. فتكون العطوة بمثابة عذر قوي لهم. وللعطوة أنواع أهمها: - عطوة أمنية، ويسميها البدو عطوة المهربات، أو فورة الدم، ومدتها 3 أيام وثلث. وهي الفترة التي تمنح لأهل المعتدي كي يتدبروا أمورهم بالدخالة أو الجلوة لدى عشيرة أخرى يكونون عندها آمنين من رد فعل أهل المعتدى عليه؛ من هنا جاء اسم "المهربات أو المسربات". وجاء تحديد هذه المدة لأن العرب اعتادت التنقل على البعر والجمال لقطع مسافات بعيدة. - عطوة الاعتراف، وتعني اعتراف المعتدي بجريمته كاملة، وتحدد مدتها بشهر أو أكثر، وتؤخذ بوجه كفيل وبوساطة جاهة مكلفة من قبل الشخص الذي قبل دخالة المعتدي. - عطوة حق أو تفتيش، وتتم حين لا يعترف المتهم بالجريمة كاملة أو بجزء منها، إذ تتيح المجال للتحقق من الجريمة. - عطوة إقبال، وهي آخر مراحل العطوات التي تسبق الصلح، وتعنى الرضا بإجراءات الصلح واستقبال جاهة لذلك الغرض. القاضي في الماضي، كان يحق لطرفي النزاع اختيار القاضي للحكم في الخصومة. بأن يتوجها إلى الحاكم الإداري الذي يختار 3 قضاة بأن يرسم خطا في الرمل، بحيث يمثل كل خط اسم قاض معين. ويتعين على المتنازعين اختيار واحد من الثلاثة؛ فإن لم يرغب أحدهما في قاض ما اكتفى بالقول: "القاضي فلان طوّل خطه"، وذلك من باب الاحترام للقاضي وشأنه. وفي العرف العشائري أيضا أنه يحق لأحد المتخاصمين اللجوء إلى ما يشبه "محكمة الاستئناف" إذا لم يتحقق الرضا عن حكم القاضي، فيتم تعيين 3 قضاة، يكون اتفاق اثنين منهم كافيا لتثبيت الحكم الأصلي أو رده. كما يحق لأحد الطرفين "انتداب" شخص يتحدث باسمه إذا كان ضعيف اللسان والتعبير؛ فيكون في مقام المحامي هذه الأيام. ** تقطيع الوجه: يحدث تقطيع الوجه عندما يتم انتهاك كفالة الوجيه العشائري الذي تعهد بحماية المعتدي. وقد يكون الانتهاك من أي من طرفي النزاع (المعتدي أوالمعتدى عليه). وللتشديد على بغض تقطيع الوجه، جاءت عقوبته مغلظة، وكأن الفاعل أو "مقطَع الوجه"، قتل 4 أشخاص، فجاء الحكم بتجريمه دية أربعة. ويكون الإجراء بأن يعترض "صاحب الوجه" لدى مستشارية شؤون العشائر (في قيادة البادية)، فتأتيه أو "تكد عليه" جاهة كبيرة من بينها قضاة "القلطة"، وهم أكبر قضاة القبيلة. فمثلا، قضاة القلطة لدى بني صخر هم: ابن زبن، ابن زهير، وابن فايز. وفي الماضي اعتاد البدو أن "يبيضوا" الوجه بدفع ناقة "وضحى"، أي بيضاء، وبكسوة بيت "المقطع وجهه" بالقماش الأبيض. وهو تقليد اتبع أيضا في حالات الزنا أو الشروع في الزنا لتبرئة ساحة المعتدى عليها. ** الجلوة: في جرائم القتل والزنا، يطلب من المعتدي ومن يتصلون به لخمسة أجيال (هم خمسته كما يقال لهم)، بمغادرة مناطق سكناهم إلى مناطق سكن عشائر أخرى. فمثلا، إذا كان المعتدي من بني صخر في وسط المملكة، يكون مجلاهم (المكان الذي يجلون إليه) لدى قبائل أهل الجبل (البلقاء)، أو بدو الشمال (مثل عشائر السردية) أو بدو الجنوب (مثل الحجايا، والسعيديين). ويتعلق بالجلوة مصطلح "العد والطلوع"، وهو المفهوم المتفق عليه لتحديد أفراد عائلة المعتدي المتعلقين به والمفروض عليهم أن يجلوا معه. ويقوم على هذه المهمة شخص يقال له "العداد"، وهو شخص يعرف بالأنساب. والمبدأ هو أن يمسك العداد بشبرية بأصابعه الخمسة، ويقوم بذكر الأشخاص الذين تنطبق عليهم الجلوة، بدءا بأصغر جيل يقترن بالشخص المعتدي. فمثلا، إذا اعتبرنا أن المعتدي هو حماد بن فواز بن سلامة، وكان له ابن هو ناصر، فإن العد يبدأ من ناصر (وأشقائه)، ثم حماد (وأشقائه)، ثم فواز (وأشقائه)، وهكذا. ومع ذكر اسم كل (جيل)، يطلق العداد إصبعا من قبضة الشبرية (بدءا بالخنصر ثم البنصر ثم الوسطى) إلى أن يصل إلى الجد الخامس، عندها تسقط الشبرية من يده. ويكون على كل من ذكره العداد، واجب الجلوة. وقد اعتادت العشائر أن يقوم الجد الرابع والخامس بدفع "جمل النوم" أو "ناقة المرتع"، ما يمكنهم من العودة إلى ديرتهم وإخراجهم من دائرة الجلوة. أما حاليا فالجلوة لا تشمل إلا المذكورين في دفتر عائلة المعتدي، وذلك تيسيرا على الناس الذين اصبحوا يتعلقون بأماكن سكنهم. تستمر الجلوة حتى يتم الصلح النهائي بين أهل المعتدي والمعتدى عليه، فلا يسمح للجالي (أو الجلوي) بأن يتواجد في مناطق أهل المعتدى عليه، في أي حال من الأحوال. ** الدخالة: تعني الدخالة أن يستجير المعتدي (أو طالب الحق أحيانا)، بأحد الشيوخ أو بوجهاء العشائر. فإذا كان المستجير معتديا فإنه يدخل ضمن الجلوة، وإذا كان طالب حق فإن استجارته أو دخالته تأتي لطلب تحقيق العدل والمساواة في أمر يشعر أنه غُبن فيه. ويعرف البدو الدخالة بأنها "بلوى"، إذ يُجبر الشخص المجير بالدخالة وحماية المستجير. ولأهمية هذا الأمر، فقد عُرف عن البدو أيضا أنهم يقبلون دخالة المرأة. فإذا دخل رجل بيتا على سبيل الاستجارة ولم تكن فيه إلا امرأة، فيعتبر دخيلا على البيت ويحظر الاقتراب منه. |
|
|||||||||||||