العدد 38 - أردني | ||||||||||||||
فارس بريزات تطور مفهوم الدولة الحديثة التي ترعى مصالح المجتمع حول دور المؤسسات في تقديم الخدمات والواجبات الموكولة إليها كجزء من النظام العام. من هنا تطور مفهوم الثقة العامة في مؤسسات الدولة المختلفة كمؤشر على حسن إدارة الدولة لمهامها. المستويات المرتفعة من الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة تُعبر عن دور ناجح لهذه المؤسسات، فيما تعبر مستويات الثقة المتدنية عن دور ينتابه العجز عن القيام بالمهمات الرئيسة لهذه المؤسسات. في كلتا الحالتين يُصبح موضوع أداء الدولة محط تساؤل من قبل المهتمين بدراسة الحكم ومن قبل المواطنين الذين تقوم الدولة ومؤسساتها باسمهم ولهم. وتزخر أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية بالمفاهيم المرتبطة بدور الدولة ومدى ثقة الجمهور بمؤسساتها من جهة وشرعية الدولة كناظم لعلاقات المجتمع وحام للمجتمع وأفراده ضمن المنظومة القانونية المتفق عليها بين المواطنين والدولة. إلا أن الشرعية التي يمنحها المجتمع للدولة تتأثر بمدى إحساس المواطن بفاعلية الدولة ومؤسساتها. جهاز الأمن العام هو من بين المؤسسات الأكثر التصاقاً بالمواطنين وتعاملاً معهم في أي دولة. وتعكس العلاقة بين هذا الجهاز والمجتمع مؤشرا مهما جداً على مدى ارتباط المواطنين بالدولة ومدى إحساسهم بالأمن الشخصي والمجتمعي فيها. في الأردن يحظى جهاز الأمن العام بثقة كبيرة من قبل الناس. وعلى الرغم من وجود بعض الهنات في أدائه، فإن الأردنيين هم من أكثر شعوب العالم ثقة بمؤسسة الأمن العام. إذ بلغت نسبة الذين يثقون بالأمن العام «ثقة كبيرة جداً» نحو 62بالمئة، و28بالمئة يثقون به «ثقة كبيرة». وبالمقارنة بمعدلات الثقة في العالم (كما يبين الشكلان رقم 1 و2) يعطي الأردنيون نسبة ثقة مرتفعة للأمن العام. وتقترب نسبة الثقة بالأمن العام في الأردن من نسبة الثقة في دول ذات تقاليد سياسية ديمقراطية ومؤسسية راسخة مثل بريطانيا و الدنمارك واستراليا كما يوضح الشكل رقم 3 على الرغم من عدم إحراز الأردن مستويات متقدمة في الديمقراطية والمؤسسية كما هو الحال في تلك الدول. إضافة للإحساس بالأمن الذي يوفره جهاز الأمن العام، يحتل تطبيق وتنفيذ القانون مقدمة أعمال هذا الجهاز في علاقته بالمواطن مباشرة. وقد تتعرض مستويات الثقة هذه إلى التراجع أو الازدياد بفعل عدة عوامل داخلية وخارجية. العوامل ذات المصدر الخارجي قد تكون عملاً إرهابياً يستهدف أمن الأردن وفي مثل هذه الحالة، وكما تشير التجارب في أغلب البلدان التي تعرضت لأعمال إرهابية، ترتفع نسبة «التأييد» لمؤسسات الأمن كرد فعل أولي على الاعتداء مدفوعة بنزعة «الكرامة الوطنية». لكن تكرار هذه الاعتداءات يُضعف مدى الثقة الشعبية بمؤسسات الأمن خلال السنوات اللاحقة لهذه الأعمال. قدمت أجهزة الأمن أداءً رفيعاً في هذا المجال تشهد به المؤسسات الأمنية التي تعاملت مع أجهزة الأمن الأردنية كما يُقر به المجتمع الأردني من خلال معدلات الثقة المرتفعة التي يبديها في الجيش والمخابرات العامة والأمن العام . إلا أن هنالك عوامل داخلية تؤثر على مدى ثقة المواطن بجهاز الأمن العام، وهي غالباً ما تكون من وقائع الحياة اليومية. من المؤشرات التي نراها من خلال التعامل اليومي أن يقوم جهاز الأمن بالتنازل التلقائي عن حقه القانوني في تطبيق القانون وبلا سبب أو مبرر مقنع، سواء كان هذا السلوك مؤسسياً أو فردياً. ويمكن سرد مجموعة وقائع تؤشر إلى التنازل المؤسسي والفردي. من مؤشرات التنازل المؤسسي مثلاً أن يقوم جهاز الأمن العام، كممثل للدولة، بالتعامل مع «العشائر» بمنطق العشيرة وليس بمنطق القانون وبهذا يبدو للمراقب وكأنه نمط متجدد أو مختلف من أنماط العشيرة. فأن يقوم الأمن العام «بأخذ عطوة» هو تنازل عن منطق القانون لصالح منطق العشيرة. وعلى الرغم من وجاهة الطرح الذي يبدو محركاً لمثل هذا السلوك – مثل حفظ الأمن والسلم الاجتماعي، وحل المشاكل بكافة الوسائل المتاحة بما فيها الاتكاء على التقاليد والأعراف الاجتماعية السائدة - فإن مبدأ التنازل عن منطق القانون المدني واللجوء للعرف والتقليد الاجتماعي، ولو جزئياً، يبدو وكأنه يسري على حساب مبدأ سيادة القانون الذي يحمي الجميع بما في ذلك أفراد العشيرة وأفراد الأمن العام. وقد يكون لحادثة ما -مثل قضية الشاهين والشرطة في مادبا- اثر إيجابي على الأفراد المعنيين بالأمر مباشرة، لكن الأثر السلبي لمثل هذا السلوك يعم على المجتمع كله بسبب قبول الدولة مبدأ الشراكة في «سيادة القانون» بالفعل. الواقعة الأخرى التي لا بد من الإشارة إليها تتعلق بقيام بعض منتسبي الأمن بمخالفة القانون وبشكل صريح، كأن تتجاوز سيارة للأمن العام من جهة اليمين وفيها ضابط برتبة نقيب، وأن يتحدث شخص يقود سيارة الأمن العام على الهاتف النقال، وأن يدخن رجل الأمن العام بزيه العسكري قرب يافطة مكتوب عليها بكل وضوح «ممنوع التدخين» في المطار، وأن تتجاوز سيارة حكومية (مرسيديس لون فضي) رقمها 5/1 على القانون لأنها تشترك في «فاردة، قطار» عرس (بالاشتراك مع سيارات أخرى بالسير في طريق المطار في ثلاثة مسارب مسببةً إرباكاً وتعطيلاً لحركة المرور)، وتكمل مسيرتها من دون ضبط. وإذا كان هنالك شخص يشغل منصب أمين عام أو مدير عام، ويقوم هو أو غيره بالتجاوز على القانون والنظام العام باستخدام سيارة الحكومة (المعنية بتطبيق القانون ومراقبته وتنفيذه)، ويمر ذلك من دون عقوبة فما هي الرسالة التي نبعث بها لعامة الناس؟ قد تكون هذه الرسالة أن احترام القانون ليس مهماً وبإمكانك التجاوز عليه وسيمر ذلك دون عقوبة. هذا، تحديدا، ما يضر بجهاز الأمن العام وصورته المشرقة أمام الرأي العام. ويترك لدى الناس شعورا بأن المساواة أمام القانون ما زالت أمرا بعيد المنال. |
|
|||||||||||||