العدد 38 - أردني
 

محمد شما

لا تقف البطالة عائقا أمام عدد من الشباب الذين يعيشون داخل أسوار مخيم الحسين، فمنهم من بحث عن مصدر للمال غير العمل في المهن التقليدية، متجاوزاً جدار البطالة في إبداعهم بالرسم، هي وسيلة للعمل، كحال الشاب فؤاد.

فؤاد عمره 23 عاماً، يتخذ من الرسم على الأجساد عملاً له، في مهنة يسمها بـ«الوشيم». ويقطن فؤاد في مخيم الحسين؛ وفيه يمارس عمله، متخذا من غرفة اسمنتية تغطيها ألواح الزينكو، داخل حديقة منزل أهله، مكاناً للعمل. ويتقاضى على الرسمة الواحدة والمتقنة مبلغا لا يقل عن 400 دينار «إذا الزبون دفيع على حد تعبيره.

يقول فؤاد إن «الوشامين» المحترفين في المخيم، لا يتجاوزون السبعة، وانخفض عددهم إلى ثلاثة بعد اعتزال البقية بدافع التدين، «كنا نتنافس على استقطاب أكبر عدد من الشباب الباحثين عن وشم جديد يزينون فيه أجسادهم، هم في غالب من الطبقات المترفة».

مهنة الوشم ليست جديدة، إذ يعود فن الوشم إلى آلاف السنين، وقد عرفته معظم شعوب العالم القديم، لا سيما في آسيا. وعلى الرغم من أن شعوبنا العربية عرفته منذ القدم بهذا الإسم، فإن الاسم الانجليزي أصبح هو السائد اليوم وهو «التاتو»، والذي يبدو مختلفا نوعا، عن الوشم القديم الذي كان بلون واحد هو الأخضر.

تخضع هذه الحرفة لمتطلبات السوق، فهي تزدهر في فترة الصيف. ويعتمد فؤاد على السمعة في الترويج لرسوماته، «هذه مهنة تدر أموالا طائلة»، رافضا الإفصاح عما يجنيه من أموال مكتفيا بالقول: «يمكن القول إن دخلي جيد جداً». لكنه يرى أن المواد المستخدمة مكلفة: «الألوان التي أستخدمها مكلفة وغير مؤذية والماكينة كهربائية، لذا فالفاتورة تأتيني عالية».

يقوم «الوشيم»، وهو الاسم الذي يطلق على من يمارس هذه المهنة، برسم الصورة التي يريدها بقلم الحبر، ويدهن الجلد بمادة مخدرة شبيهة بتلك التي تستخدم في تخدير الأسنان، ثم يبدأ بحقن مادة <الحبر الخاصة> داخل الجلد، بحسب اللون المطلوب، وعن طريق جهاز كهربائي متعدد الإبر.

ماكينة معقمة، ممتلئة بالألوان، يسبقها تحديد الرسم على المكان الذي يريده الشاب، في الغالب إما يختار الرسم من الصور التي يجمعها في ألبوم واحد أو صورة يطلب الشاب رسمها على كتفه أو ظهره، وكذلك الحال بالنسبة للفتيات.

يتذكر فؤاد شابا جاء وأعطاه صورة لفتاته. «نظرت إلى الصورة ووشمتها طبق الأصل، وحينما أصبحت جاهزة قام بمكافأتي بمبلغ محترم».

تختلف الأسعار بإتقان الوشم وبقدرة الشاب على الدفع، «لا يهم الشاب القادم إلينا السعر المرتفع، فالأرقام فلكية، قد يدفع من 30 ديناراً حتى 2000 دينار وأحيانا أكثر».

علي، لم يكتف بالوشم على أجساد الآخرين، بل جعل من جسده النحيل حقلاً للرسوم، يقول: «كنت أظهر جسدي للزبائن لأجذبهم». أما محمود، فيصف نفسه بالوشيم، لكنه لا يعتقد أن هذه المهنة تشكل له مصدرا للزرق، فهو يعمل في أحد محلات بيع الملابس في جبل الحسين، يقول: «كل العالم تقبل على الوشم، وتغريهم الأفلام الأميركية».

في عام 2002 قام علي بشراء جهاز من أميركا عن طريق أحد أصدقائه، يحتوي على عدة إبر، تعمل على الكهرباء، يتم وضع اليد أو أي جزء من الجسد أمام إبرها لاتخاذ الشكل المراد، كلفه الجهاز 1000 دولار فقط، وفيه 16 لوناً. يقول: «أرسم كل ما هو موجود في أميركا من رسومات على أجساد شبابنا، وتتم الحسبة بالساعة أو بالسنتيمتر أو بالرسمة وبحرفية رسمها».

أبو خالد، وشيم آخر، لديه شروط في العمل، يعددها: «أولا أرفض أن يتم الرسم والحساب لاحقا، لذلك أحاول أن يكون زبائني من ميسوري الحال، ثانيا أرفض أن أرسم التاتو بناء على صورة يأتي بها الشاب، فأنا مختص برسم التعاويذ والأساطير لأنها اختصاصي، ثالثا أسأل الشاب عن رغبته الجدية بالوشم لأنها لن تزول، لذلك أتأكد تماما من أن الزبون يريد وشما على جسده».

ويصّر أبو خالد على أن يحصل على توقيع الشاب أو الفتاة على عقد قبل الوشم: «لا أقبل العمل إذا كان عمر الواحد فيهم أقل من 18 عاماً، وهو السن القانوني، وليكون موثقا، وخوفا من أن يأتيني ويقول لي: غيرت رأيي».

وعن أكثر الرسومات التي يرسمها أبو خالد يقول: «التعاويذ والأساطير، وأحاول رسم إلياذة وهوميروس وصور عن الحضارة اليابانية أو شخصية الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا بالإضافة إلى الأبراج الصينية».

الشاب محمد يضع على كتفه وشما، يقول: «يلوموني بعض الناس لأن جسدي موشوم، لكنني مرتاح جداً، ولا تشكل عائقا لي أبداً، بل على العكس، أتباهى بها كثيراً».

رغبة في التغيير أو محاولة للخروج عن المألوف، هذا حال محمد. ويقول الشاب أيمن: «أضع الوشم كي أكون مختلفا عن رفاقي».

سارة، تتخذ من كتفها مسرحا للأساطير، وأيقونتها «حصان طروادة» المرسوم على كتفها الأيسر وأسفل ظهرها وفي قدمها اليسرى أيضا. تبلغ من العمر 23 عاما، وهي تنتمي لأسرة تصف أوضاعها المادية بالجيدة جدا، حيث تقيم عائلتها في السعودية، وهي في الأردن تدرس بإحدى الجامعات الخاصة، هي متيمة على حد تعبيرها بالممثلة الهوليودية أنجيلينا جولي؛ التي يحمل جسدها كثيراً من الأوشام.

تقول سارة: «لي صديقة زينت جسدها بشعارات وأساطير يونانية وتعاويذ يابانية على كتفيها وقدميها وأسفل ظهرها».

كرابيد زكريان، الباحث النفسي، يرى أن نزوع الشباب للوشم هو «رغبة في البروز والظهور. هم يهربون من الواقع، من أجل أن يقوموا بشيء جديد في حياتهم».

وينتشر التاتو بين شباب الطبقات المترفة والتي تدفع مئات الدنانير لأجل التغيير والتعبير عن الذات، فأنت ترى الرسومات الشيطانية والهياكل العظمية والتعاويذ الصينية واليابانية والهندية، بالإضافة إلى أسماء فرق عالمية وشعاراتها على أكتاف الشباب، بذلك يتعدى الأمر كونه حالة غريبة أو غير مألوفة إلى موضة منتشرة بينهم.

يقول الطبيب النفسي محمد الحباشنة: «الوشم في الدول الغربية أمر عادي، بينما يدل، في الثقافة العربية، على وجود اضطرابات في الشخصية، وهي غالبا ما تحدث في مرحلة معينة من العمر هي مرحلة المراهقة، فتأتي للتعبير عن الاستقلال الفكري والاستقلال بالمظهر والتعبير عن طريقة خاصة في حياة الشاب، وبالتالي يعمد إلى التعبير عن ذلك بالكلمات التي ينقشها في يده».

الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب عامل مهم لما يقومون به، مع ضعف وسائط التعبير عن الذات، إضافة إلى التحولات النفسية والبيولوجية التي يخضعون لها.

لكن هنالك من يرى في انتشار موضة «التاتو» جنوحاً من بعض الشباب نحو ثقافة الغرب بكل ما تحمله من استهلاك و«صرعات»، فيدفع كل ذلك بعضهم إلى «وشم أجسادهم»، مقلدين بذلك بعض نجوم هوليود.

التاتو، هو طريق الشاب أو الفتاة للبحث عن التغيير أو الجديد المختلف، ولكن هذا التغيير لا تراه الباحثة الاجتماعية هيفاء حيدر تغييرا حقيقيا، تقول: «هؤلاء الشباب لا يبحثون عن التغيير، إنما هذا دليل آخر على تدني الوعي والثقافة، ويدلل على حالة فراغ يعيشها الشباب، حيث يعتقد أن الوشم هو السبيل الوحيد لإبراز الذات».

أما فؤاد، فلا يرى في الوشم ظاهرة، لأن الشبان الذين يضعون الوشم على أكتافهم أو ظهورهم أو أيديهم، سرعان ما يدفعون مبالغ طائلة لإزالتها لدى أطباء. يقول طبيب جلدي رفض الإفصاح عن اسمه، إنه يستقبل حالات تريد إزالة الوشم عن جسدها عبر جهاز الليزر.» فيما يقول الشاب أحمد صقر إنه أزال وشما كان على يده قبل سنتين عند الطبيب، وهو ما كلفه 350 ديناراً.

“وشامون” في جبل الحسين: الأبراج الصينية وغيفارا وحصان طروادة تلتقي على أجساد شبان عمان
 
07-Aug-2008
 
العدد 38