العدد 38 - أردني
 

محمد شما

بالصدفة، تناهى إلى مجموعة "ميزان" لحقوق الإنسان، أن أي عقد زواج بين أردني وأجنبية يحتاج إلى موافقة وزارة الداخلية.

كانت المجموعة تتابع حالة مواطن قدم طلبا لمساعدته في الزواج من مواطنة تنتمي إلى جنسية عربية، حين علمت أن تعليمات في هذا الشأن أقرت من جانب وزارة الداخلية بالتعاون مع دائرة قاضي القضاة، فخاطبت "المجموعة" الداخلية لكنها لم تتلق ردا بالموافقة على عقد زواجه منها، رغم أنها قدمت الطلب قبل شهرين.

راجعت المجموعة دائرة قاضي القضاة، كما تقول مديرة المجموعة، الناشطة الحقوقية إيفا أبو حلاوة، لكن الدائرة ردت بأن تلك التعليمات هي تعميمات من مديرية الأمن العام لا من وزارة الداخلية، "وحتى هذه اللحظة لا نعلم ولم نطلع على النص الحرفي لهذه التعليمات، ولا نعلم بالإجراءات، ولا بأسس الموافقة ولا الوقت الذي يستغرقه إصدار هذه الموافقة، وما إذا كان وقتا مفتوحا كما هو الحال في بعض البلدان العربية حيث تستغرق الموافقة سنوات." كما تقول.

مصدر مطلع في وزارة الداخلية عزا الخطوة إلى دوافع أمنية، فهي بحسب المصدر جاءت على خلفية "ضبط دخول فتيات راغبات في العمل إلى الأردن". وهو ضبط يوصف بأنه "أقرب إلى منع دخولهن إلى الأردن، لأنهن يعملن في مجالات لا أخلاقية". وأن التعليمات جاءت بناءً على إيعاز وتنسيق مع دائرة قاضي القضاة التي اعتبرت أن صدور هذه التعليمات جاء "لحماية البلد" وصون "مؤسسة الزواج" وللحفاظ على المجتمع من أي "إساءة" قد تحدث وفي مقابل ذلك، فإن هذه "التعليمات" لا تنطبق على المرأة الأردنية التي تتزوج من رجل أجنبي، لكنها يتعرض لسلسلة إجراءات تحول دون دخول أبناء الأردنية المتزوجة من غير أردني إلى البلد.

تقوم دائرة قاضي القضاة أو المحكمة الشرعية بإرفاق عقد الزواج إلى وزارة الداخلية للحصول على موافقتها على الزواج! وتشترط التعليمات ألا يكون على اسم هذه الفتاة أي إشارة أمنية تمنع دخولها إلى البلد، وكذلك أي إشارة تتعارض مع دائرة قاضي القضاة، وألا يشمل سجلها أية اشارات بالاخلال بالآداب العامة. ويعزو مدير دائرة قاضي القضاة، الشيخ عصام عربيات، سن هذه التعليمات إلى "حماية مؤسسة الزواج، وفي ظل التحقق من الشروط والمحافظة على مؤسسة الزواج واستمرارها واستقرارها وضعت التعليمات من أجل المحافظة على حق الزوج والزوجة كليهما".

ويدافع الشيخ عربيات عن وضع التعليمات قائلا: "كي تبقى العلاقة الزوجية قائمة ولا يشوبها أي شائبة في المستقبل يصار إلى هدمها، وتنبني على ذلك حقوق، كأن تستحق المرأة المهر، وينشأ عن هذا الزواج أطفال عندما يجري العقد، فإذا ما سفرت هذه المرأة في حال ثبوت أنه غير مرغوب فيها، لسبب أو لآخر يتعلق بأمن البلد، بعد إجراء عقد الزواج، فهناك ضياع للحقوق بالنسبة للزوج، وبالنسبة لها أيضا، وقد تكون حاملا من الرجل، وحتى تكون الأمور تحت المظلة القانونية؛ الشرعية الاجتماعية الآمنة، تم الاتفاق على هذه التعليمات."

يعتبر ناشطون حقوقيون أن "تطبيق التعليمات" مخالفة صريحة لحقوق الإنسان، وللفصل الثاني من الدستور الأردني ولحرية الأفراد، وبالتالي مخالفا لقانون الأحوال الشخصية. ترى أبو حلاوة أن ذلك يشكل "مساسا بأهم الحقوق الواردة في الدستور الأردني، كما أنه يمس بالمعايير الواردة في اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان، صادق عليها الأردن ونشرت في الجريدة الرسمية كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات أخرى".

"لهذه التعليمات جانب مبرر من حيث قيام الزوج بالتغرير بفتيات واستقدامهن إلى البلد لغايات غير مشروعة،" كما تقول رئيسة اتحاد المرأة الأردنية آمنة الزعبي، "حيث نستقبل في الاتحاد العديد من السيدات المغربيات والمصريات وبعضهن قصر، ونقوم بمساعدتهن إنسانيا وقانونيا، هذه الحالات موجودة ونتعامل معها، ولوزارة الداخلية ودائرة قاضي القضاة مبرراتهما في حماية المجتمع ومؤسسة الزواج."

لكن الزعبي ترى أن تطبيق التعليمات يكون أحيانا تعسفيا، ذلك يقتضي وضع ضوابط كي يتم تجاوز أي "حالات فردية" معتبرة أن "من حق أي شخص أن يختار الزوجة التي يراها مناسبة له، وهي كذلك". وتقول إن على دائرة قاضي القضاة ووزارة الداخلية أن تضع الضوابط كي تكون أقل حدة مما هي عليه، فثمة وسائل أخرى تنظيمية وقانونية أو تأشيرات في هذه القضايا يمكن أن تبين الخلل الحالي".

الغاية من هذه التعليمات - بحسب مدير قاضي القضاة- هو عدم التجرؤ على القوانين والأمن، ووجوب احترام سيادة وقوانين أي دولة من الدول، وهو يرى أن "حماية حقوق الإنسان كإنسان إذا لم يضع في القالب القانوني، والقانون يحميه يبقى هو في شريعة الغاب، وعلى حماة حقوق الإنسان أن تعمل على حماية الإنسان وتحافظ عليه،..

إيفا أبو حلاوة، تقول إن أهم حقوق الإنسان هو اختيار شريك حياته، "والحفاظ على أمن المجتمع يجب أن لا ينتقص من حرية الإنسان، وحتى في الدستور الأردني عندما نصت المادة على أن الحرية مصونة، لم تتبعها عبارة حسب ما يرد في القانون، ولم يأت أي تقيد في القوانين".

"يجب أن لا تكون مقيدة الحرية الشخصية" وتتابع أبو حلاوة حديثها: "الحفاظ على أمن المجتمع ضروري وكذلك أمن الأسرة، ولكن أمن الأسرة قد يمس أيضا في حالة زواج أردني من أردنية، ومن المؤكد أن على الزواج المختلط تبعات، ويمكن حمايته بأشكال أخرى، وفي النهاية فإن قرار الزواج قرار شخصي صاحب الحق فيه الشخص نفسه، ويجب أن لا تكون هناك موافقات من أي جهات".

ولكن موافقة الوزير حتى يتم السماح للرجل بالزواج من غير الأردنية تستغرق وقتا طويلا!! وهذا ما تصفه الناشطة أبو حلاوة بانتهاك آخر في التعليمات وبحسب اطلاعها فعدم وجود "مدد" يتم من خلالها الحصول على الموافقة "إشكالية كبيرة".

وفق مصدر في وزارة الداخلية فإن "الداخلية" وافقت على الضوابط الجديدة لإدراكها أن بعض من تسول له نفسه الذهاب إلى إحدى الدول العربية لأجل إبرام زواجه مع امرأة أو اثنتين بعقد شرعي بغية تسهيل دخولهن إلى الأردن، ومن ثم تشغيلهن في الدعارة.

وتطالب رئيسة اتحاد المرأة الحكومة بأن تكون هناك شفافية في الإعلان عن التعليمات، بغض النظر عن تعميمها فلا بد من نشرها عبر الصحافة المحلية ومن خلال الندوات، وتعميمها في الدوائر الرسمية عن طريق حصوله عليها على هيئة أوراق متاحة لجميع المراجعين.

**

كتاب "قاضي القضاة" إلى "الداخلية"

صدرت التعليمات في العام 2007، في كتاب أرسلته دائرة قاضي القضاة إلى وزارة الداخلية جاء فيه: "نتيجة الاجتماع الذي عقد في مديرية الأمن العام وبحضوري (أنا قاضي القضاة الشيخ أحمد هليل)، وحضور عطوفة مدير الأمن العام، وبناءً على ما توصلت إليه اللجان المكلفة لبحث الأمور المتعلقة بالزواج من الأجنبيات وتسفير المطلقات وتبليغ رجال الأمن العام وغيرها ذات الاهتمام المشترك، يرجى إتباع ما يلي:

1- إرسال معاملات عقود الزواج الخاصة بالأجنبيات غير المكتملة للشروط المطلوبة إلى وزارة الداخلية لأخذ رأيها قبل إجراء عقد الزواج.

2- اعتماد بطاقة إذن الإقامة الصادرة عن دائرة الإقامة والحدود وعدم اعتماد الختم المثبت على جواز سفر الأجنبية.

3- إرسال كشف شهري لوزارة الداخلية ومديرية الأمن العام بحالات الطلاق التي يكون أحد أطرافها غير أردني.

4- التعاون مع الجهات المختصة بإرسال مأذون شرعي لمكتب الحاكم الإداري أو مديرية الشرطة بعد التأكد من صحة المعاملة وأنها استوفت كافة الشروط القانونية الشرعية إذا طلب ذلك في الحالات الاستثنائية.

5- إرسال كافة التبليغات المتعلقة بمرتبات الأمن العام إلى دائرة الشؤون القانونية فيها لإجراء التبليغ حسب الأصول.

**

قضايا عالقة

تستقبل مجموعة "ميزان" شكاوى وانتهاكات تتعلق بالمشاكل الأسرية، فيما يتعامل اتحاد المرأة الأردنية مع جنسيات مختلفة منها: "المغربيات، المصريات، والآسيويات".

لدى "ميزان" حالتان: الأولى حالة أردني زواجه معطل منذ شهور، وقد تمت مخاطبة وزارة الداخلية ولم ترد على الجمعية. والثانية حالة أردني يريد الزواج من سيدة تحمل جنسية دولة عربية مجاورة للأردن، جاء يسأل عن الإجراءات وفوجئ بالموافقات الأمنية التي يجب أن يحصل عليها لاستكمال شروط زواجه.

تعليمات غير معلنة: الزواج من غير أردنية دونه موافقات رسميــة
 
07-Aug-2008
 
العدد 38