العدد 38 - أردني
 

حسين أبورمّان

مقترحات نيابية لتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، تجاهلت الحاجة إلى الشفافية وبناء الثقة في العلاقة مع الرأي العام، واهتمت فقط بإجراء تطوير على آليات العمل الداخلي.

مجموعتان من 29 نائباً تقدمتا في ختام الدورة الاستثنائية المنتهية لمجلس النواب بمقترحات لتعديل نظام عمل المجلس الذي كان عدّل قبل 12 عاماً ونيف. المقترحات لم تلحظ أهمية تمكين المواطنين من التعرف على جوانب أساسية من عمل ممثليهم. فالمجلس لا يقدم صورة واضحة عن مدى التزامهم بحضور الجلسات، ولا يعرّف المواطن كيف يصوتون على هذا القانون أو ذاك.

الديمقراطية تفترض أن الناخب يمتلك الأدوات التي تسمح له بتقييم أداء نائبه، حتى يكون قادراً على اتخاذ الموقف المناسب في الانتخابات اللاحقة. وفي غياب هذه الشفافية، يترسخ نموذج نائب الخدمات. بهذا تتضاءل أهمية وظيفة النائب التشريعية والرقابية.

التعديلات أغفلت اقتراح: بناء الثقة بين المواطن ومجلس النواب، من خلال إحالة التحقيق في الطعون المقدمة بصحة نيابة النواب إلى جهة قضائية متخصصة لتقول كلمتها، وهذا لا يتعارض مع التكليف الدستوري للمجلس بالفصل في صحة نيابة أعضائه، فالفصل في صحة النيابة يتم في هذه الحالة بالتصويت على نتائج التحقيق الذي ينجزه القضاء.

التعدلات المقترحة اشتملت على تطويرات مهمة على عمل المجلس الداخلي، باتجاه: تقليص صلاحيات الرئيس لصالح مكتب المجلس، تبني مبدأ التمثيل النسبي في تشكيل اللجان الدائمة، اعتماد الكتل النيابية كأداة لمأسسة العمل النيابي، وإعادة توزيع الأدوار بين الجلسات العامة للمجلس وبين اللجان الدائمة بحيث تتخصص الجلسات العامة بالتصويت، فيما تتولى اللجان مناقشة التشريعات واقتراح التعديلات عليها.

الدورة الاستثنائية الأولى لمجلس الأمة (1/6-12/7/2008)، كانت اشتملت على "تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب"، دون أية تحديدات، ما يعني أن جميع البنود خاضعة للمراجعة إذا ما وردت مقترحات بتعديلها.

وفي جلسة 2 تموز/يوليو، تقدم 16 نائياً بمشروع لتعديل النظام الداخلي أحاله المجلس إلى اللجنة القانونية، وبدا كما لو أن هذا المشروع هو الوحيد الذي سيتم دراسته. وقّع على هذا المشروع الذي لقي القبول لدى رئيس المجلس عبد الهادي المجالي، نواب من كتلتي التيار الوطني والإخاء ومستقلون.

ورداً على اعتراضات انواب بأن هذه التعديلات لا تتناول النظام الداخلي بمجمله، اقترح المجالي على من لديه مقترحات تعديلية تزويد اللجنة القانونية بها.

وفي جلسة 6 تموز/يوليو، تقدم 13 نائباً بمبادرة من النائب بسام حدادين بمقترح جديد أحيل هو الآخر إلى اللجنة القانونية. معظم الموقعين على المشروع نواب مستقلون وأعضاء في كتلة الإخاء.

اشتمل "المشروع الأول" الذي وفّعه 16 نائباً على تعديل 12 مادة من أصل 164 مادة، فيما اشتمل "المشروع الثاني" الذي وقّعه 13 نائباً على ستة مواد.

يتألف المكتب الدائم للمجلس النيابي من الرئيس ونائبيه ومساعدين، ويُنتخب هؤلاء جميعاً، بالاقتراع السري من قبل المجلس (المادة 7). انفرد المشروع الثاني بهذا الصدد باقتراح تعديل على تركيبة المكتب الدائم بحيث يتألف من الرئيس ونائبيه، وممثلين عن الكتل النيابية والمستقلين يتم اختيارهم وفق مبدأ التمثيل النسبي. ويكلف المكتب الدائم الذي يتم تشكيله على هذا النحو باختيار مساعدين للرئيس من بين أعضائه.

كما انفرد هذا المشروع أيضاً باقتراح تعديل اثنتين من صلاحيات رئيس مجلس النواب، لتصبحا من مهام مكتب المجلس، وهما: وضع جدول أعمال جلسات المجلس، والإشراف على الجهاز الإداري والمالي للمجلس.

المشروع الأول اقترح من جهته إجراء تعديل جوهري على آلية إقرار مشاريع القوانين. يرمي إلى تركيز عمل المجلس في اللجان الدائمة من خلال حصر النقاش داخلها. ويتعين تالياً على كل عضو يرغب بتقديم تعديل على النص الأصلي لمشروع قانون أن يقدمه للجنة المعنية أثناء النظر فيه.

وارتباطاً بما سبق، يتم في الجلسات العامة للمجلس التصويت فقط على بنود مشروع القانون دون مناقشتها، لكن يسمح للعضو الذي تقدم إلى اللجنة المعنية باقتراح معدل ولم يؤخذ باقتراحه أن يناقش مقترحه. وللجنة المعنية وحدها تولي الدفاع عن سبب عدم الأخذ بالاقتراح.

المشروع الأول، اقترح كذلك تعديل صلاحية مكتب المجلس الخاصة بتشكيل الوفود الخارجية بأن ترك للمكتب حرية اختيار رؤساء الوفود، والاستغناء عن حصر الرئاسة بشخص الرئيس أو أحد نائبيه إذا كان أي منهم عضواَ في الوفد. وذهب المشروع الثاني في الاتجاه نفسه، لكن مع اقتراح أن تأتي الترشيحات بشأن تشكيل الوفود من الكتل البرلمانية وبتمثيل عادل ومتوازن.

علاوة على ذلك اقترح المشروع الثاني، تعديل بندين من صلاحيات مكتب المجلس؛ الأول هو عدم الاكتفاء بالنص على إعداد موازنة المجلس السنوية والإشراف على تنفيذها، واقترح عرضها على المجلس لإقرارها. والثاني، الاستعاضة عن "إقرار الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للمجلس ووضع كادرها الوظيفي" بعبارة تنص على "الإشراف على الجهاز الإداري والمالي للأمانة العامة للمجلس، ووضع كادرها الوظيفي بمن في ذلك الأمين العام للمجلس".

المشروع الأول اقترح أيضاً فصل اللجنة المالية والاقتصادية، إلى لجنتين؛ واحدة مالية، وأخرى اقتصادية، وأعاد توزيع مهام اللجنة الأصلية بين اللجنتين الجديدتين، مع إضافة "الاتفاقيات الاقتصادية التي يكون الأردن طرفاً فيها" إلى مهام اللجنة الاقتصادية.

التقى المشروعان على مسألة مهمة هي تشكيل اللجان الدائمة وفق مبدأ التمثيل النسبي للكتل النيابية، أي يكون لكل كتلة عدد من المقاعد يساوي حصتها النسبية من مجموع أعضاء الكتل. كما التقى المشروعان على إضافة لجنتين جديدتين إلى اللجان الـ 14 القائمة حالياً، هما لجنة النظام ولجنة المرأة. وانفرد المشروع الثاني بإضافة لجنة للرقابة الداخلية للتدقيق بقرارات مكتب المجلس الإدارية والمالية، وأخرى تعنى بالموازنة العامة للدولة، إعداداً ومراقبة وتدقيقاً.

المهام التي أناطها المشروع الأول بلجنة النظام، تشتمل على: النظر في الشكاوى التي تقدم من قبل النواب ضد أي جهة كانت، النظر في مخالفة أحكام النظام الداخلي، التحقق من الشكاوى ضد النواب بصفتهم النيابية، والنظر في أي تصرف يسيء إلى سمعة المجلس وأعضائه. ومنح المشروع رئيس المجلس، صلاحية حرمان العضو المخالف من المشاركة في الوفود، ومن حضور عدد من جلسات المجلس.

أما المهام التي أناطها المشروع الأول بلجنة المرأة، فتشتمل على القضايا التي تتعلق بشؤون المرأة والطفل، وتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة. كما أوكل المشروع للجنة القانونية مهمة جديدة تتمثل في متابعة إجراءات قضايا الفساد لدى الجهات المختصة.

كما اقترح هذا المشروع رفع عدد أعضاء اللجان الدائمة من 11 إلى 21 عضواً. وأن تسمي الكتل مندوبيها في كل لجنة، على أن يفقد عضو الكتلة عضويته في اللجان في حال انسحابه من الكتلة التي لها الحق عندئذ في استبداله. ونص المشروع على تمثيل الأعضاء المستقلين في اللجان بشكل نسبي.

على صعيد آخر، اقترح مشروع حدادين وزملائه أن يتم تخصيص نصف ساعة في بداية كل جلسة لأسئلة شفوية تقدمها الكتل البرلمانية وتجيب الحكومة عليها.

التقى المشروعان أيضاً على إضافات تتعلق بالكتل النيابية: " لأعضاء المجلس تشكيل الكتل النيابية التي يرونها مناسبة". واشتركا في تأكيد واجب الكتلة إبلاغ رئيس المجلس بتشكيلها وعضويتها ونظامها الداخلي، وانتخاب رئيس ومقرر لها وناطق إعلامي باسمها.

وبينما نص المشروع الأول على أن لرئيس الكتلة التنسيق مع رئيس المجلس بشأن الأمور السياسية والبرلمانية، دعا الثاني إلى توفير مكاتب مستقلة وسكرتاريا وكادراً وظيفياً للكتل، وكذلك تخصيص موازنة للصرف على احتياجات عملها.

تعديل النظام الداخلي فرصة للتطوير، وإذا لم يغتنمها المهتمون بإصلاح العمل البرلماني والسياسي، سوف تذهب سدى. فالأجواء العامة في مجلس النواب قد تدفع باتجاه اعتماد التعديلات الأقل أهمية، إذ لا يقبل النعديل "إلا إذا وافقت عليه أكثرية المجلس"، أي 56 عضواً. منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية من ضمنها، معنية أن لا تبقي رؤاها حبيسة الغرف المغلقة والتقارير المنمقة، بل ينبغى أن يصل صداها إلى أروقة مجلس الأمة في كل وقت.

النظام الداخلي لمجلس النواب قيد المراجعة: اقتراحات تقلص صلاحيات الرئيس وتغيّب الشفافية في العلاقة مع الجمهور
 
07-Aug-2008
 
العدد 38