العدد 38 - أردني
 

محمد العرسان

مع إشراقة كل شمس ينفض نبيل، شاب في مقتبل العمر، عن وجهه غبار سنين من التعب والكد –على الرغم من صغر سنه- ليبدأ يوم عمل جديد مجبولاًَ بحبا من العرق تتساقط في مصنع للبلاستيك بالقرب من مخيم حطين الذي يعيش فيه.

نبيل يعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، بالإضافة لوالدته وأبيه المقعد، وهو يتقاضى 110 دنانير راتبا أساسيا، الأمر الذي يدفعه للعمل ساعات إضافية عديدة تصل إلى منتصف الليل ليحصل في النهاية على ما يقارب 180 دينارا.

معاناة نبيل لا تنتهي عند أبواب المصنع الذي لا يتردد في استغلاله، كونه لا يحمل الجنسية الأردنية، فنبيل ابن الـ23 عاما، أنهى المرحلة الثانوية بمعدل يؤهله لدخول الجامعات الحكومية، لكنه اصطدم بواقع "لا حقوق لأبناء غزة".

"مواطنون من الدرجة الثالثة"، هكذا يعتبر 118 ألف لاجئ من أبناء غزة في الأردن أنفسهم. هذه الفئة من اللاجئين تسكن في مناطق مختلفة من الأردن، لكن أغلبيتها تسكن في مخيم غزة القريب من جرش، والذي يعاني من تهالك البنية التحتية ومن النقص الفادح في الخدمات المقدمة.

يحتل أبناء غزة أدنى سلم الطبقات الاجتماعية في البلاد، بحسب الترتيب الاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في الأردن، وما زالت أوضاعهم هي الأشد بؤسا، حيث يعملون في مجالات العمل غير المجزي مثل الإنشاءات والمصانع والأعمال اليومية، وذلك بسبب الصعوبة التي يجدونها في الالتحاق بالوظائف الحكومية وبالجامعات الرسمية.

كانت الحكومة الأردنية منحت أبناء غزة المقيمين إقامة دائمة في الأردن، وثائق سفر مؤقتة عام 1987 لتسهيل معاملاتهم وسفرهم، وهذه الوثائق التي تأخذ شكل جواز السفر ويشار إليها بأنها "جوازات"، لا تعني الجنسية، ومع ذلك فإن قائمة المستثنين من منح هذه الوثائق المؤقتة بدأت تتسع، وزادت أعداد المحرومين من امتلاكها لأسباب مختلفة، وفي الآونة الأخيرة بدأت عمليات رفض تجديد الجوازات تتزايد، الأمر الذي أوجد "شريحة واسعة من أبناء غزة ممن لا يحملون أية وثيقة إثبات رسمية سارية المفعول" كما أكد عدد من أبناء مخيم غزة.

وقامت الحكومة قبل سنتين برفع رسوم الجوازات المؤقتة من 20 ديناراً إلى 50 ديناراً عند تجديد الجواز، مع دفع 20 ديناراً عن كل طفل يضمه الجواز، كما تم رفع الرسوم المالية من 20 ديناراً إلى 100 دينار عند إصدار جواز السفر للمرة الأولى.

لكن مدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات مروان قطيشات أكد أن الحكومة عمدت أخيرا إلى "خفض رسوم استخراج الوثائق لأبناء غزة إلى النصف"، حيث خفضت قيمة تجديد جواز السفر من 50 ديناراً إلى 25 ديناراً، وقيمة إضافة المولود إلى الجواز من 20 ديناراً إلى 10 دنانير، و50 ديناراً بدلاً من 100 دينار عند إصدار الجواز للمرة الأولى.

وبالرغم من هذا التخفيض فإن الرسوم ما زالت مرتفعة كما يقول عدد من أبناء غزة ممن تواجدوا في دائرة الجوازات. فأحمد 41 عاما لم يشمل أبناءه الأربعة في الجواز نظرا لارتفاع الرسوم. يقول: "نعاني من ارتفاع رسم الجوازات، فمبلغ 100 دينار كبير جدا، وإذا أردت أن تضيف أطفالك إلى جواز سفرك فعليك أن تدفع 20 ديناراً على الطفل الواحد". والمبالغ المدفوعة لاستخراج مثل هذه الوثائق، "أكبر من أن يتحملها أبناء غزة الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة جداً" كما يؤكد.

يشكو أحمد من سوء الأوضاع المعيشية في مخيم غزة، مشيرا إلى أن معظم الشباب من أبناء غزة متعطلون عن العمل، وفي اليوم الذي يعملون فيه يحصلون على الطعام بسبب تكاليف المعيشة المرتفعة وظروف العمل الصعبة إذا ما وجد مثل هذا العمل، كما أن هنالك تمييزا ضد أبناء غزة كما يقول، فنحن "لا يحق لنا التملك في الأردن. وبالنسبة للوظائف فمن النادر جدا أن نعمل في القطاع الحكومي، لذا يعمل معظم أبناء غزة في القطاع الخاص أو كعمال".

ويشبه أبو هيثم، وضع أبناء غزة بالغريق في وسط البحر الذي لا شاطئ نجاة له. يقول: "نعيش في الأردن منذ 38 عاما، واليوم لا نستطيع معرفة شيء عن مصيرنا".

يزيد سليمان 35 عاما: "أنا لا أقول إن رسوم الجوازات لأبناء غزة مرتفعة، بل هي مجزرة بحقهم. أنا مواطن وأفترض أن من حقي أن أحصل على حقوقي كاملة. أبناء غزة يعيشون في الأردن منذ 38 عاماً. أستغرب لماذا لا يتمتعون بحقوقهم المدنية كاملة!".

يصف الخبير في الشؤون الفلسطينية، الكاتب فرج شلهوب، الأوضاع المعيشية لأبناء غزة في الأردن بأنها من أسوأ الأوضاع. يقول: "لو تحدثنا عن الجانب التعليمي، فإن هنالك تمييزا بين الطلبة من أبناء غزة في الأردن ممن يحملون شهادات أردنية، وبين أقرانهم من الطلبة الأردنيين من حيث القبول في الجامعات الحكومية و الرسوم المدفوعة التي تكون مضاعفة بالنسبة لهم، وهذا يمثل مشكلة كبيرة لأبناء غزة الذين يودون استكمال تعليمهم في الجامعات، أما في الجانب الصحي، فهناك مشكلة فيما يتعلق بالأمراض المستعصية، إذ لا يستطيع أبناء غزة الحصول على إعفاءات لمتابعة علاجهم في المستشفيات الحكومية، خصوصا أن هذه الأمراض تحتاج إلى تكاليف تفوق طاقتهم بكثير". ويرى شلهوب أن الأمر نفسه ينطبق على التوظيف، "كثير من أبناء غزة الذين يحملون شهادات جامعية في الصيدلة والهندسة وغيرها من التخصصات، لا يستطيعون العمل في القطاع العام ويواجهون تضييقاً عليهم من القطاع الخاص".

ويرى أن اسم "أبناء غزة" وصف غير دقيق لهؤلاء اللاجئين اللذي حضروا من أماكن مختلفة من قرى فلسطين ومدنها المهجرة. وهو يعتقد أن نحو 90 بالمئة ممن يطلق عليهم وصف "أبناء غزة المقيمين في الأردن" هم في الحقيقة لاجئون من مناطق فلسطين المحتلة عام 48، وأن اسمهم اقترن بـ"غزة" بسبب لجوئهم الأول للقطاع في العام 48، فيما كان لجوؤهم الثاني للأردن في العام 67. "هؤلاء الذين أقاموا في الأردن على مدى أربعة عقود، وأصبحت لهم بيوت وربما بعض الأملاك، لا يملكون في قطاع غزة شبراً من الأرض".

أقيم مخيم جرش، المعروف محليا باسم مخيم غزة، بوصفه مخيما طارئا عام 1968 ليستوعب 11500 من اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا عام وطنهم عام 1967. يغطي المخيم مساحة 750 ألف متر مربع، ويقع على مسافة 5 كم من مدينة جرش.

أقامت الأونروا في المخيم مرافق للتغذية الإضافية الجماعية وخدمات الصحة البيئية والخدمات الصحية والتعليم في مدارس من الخيام. وتم إغفال خطط الوكالة لتوفير خيام أقوى تتحمل الشتاء القارس من أجل بناء مساكن جاهزة، وبين عامي 1968 و1971 تم إنشاء ألفي مسكن بتبرعات من لجنة التبرعات الطارئة للشرق الأدنى.

يبدي المسؤولون في العادة حذرا في الحديث عن وضع أبناء غزة في الأردن، فالموضوع على درجة من الحساسية بكل تأكيد، ولكن توفير أوضاع إنسانية لأبناء غزة يجب ألا يرتبط بمواضيع سيادية غير ذات صلة مثل التجنيس والتوطين وإقامة الوطن البديل، فالأمر أبسط من ذلك بكثير، ولا يتعدى منح أبناء القطاع فرصا أكبر في الدراسة والتوظيف والعمل.

بعد 38 عاماً من الإقامة: أبناء غزة في الأردن اقامة بلا حقوق وجواز بلا سفر
 
07-Aug-2008
 
العدد 38