العدد 1 - اعلامي | ||||||||||||||
أبلغنا الراوي الرسمي وعميد التنمية السياسية في الحكومة الأردنية فيما مضى من غابر الزمان، أن الأردن يعمل على إنشاء ساحة للحرية يقول فيها الأردنيون ما يريدون لتكون رمزاً لحرية التعبير في هذا البلد. لكن الحكومة سحبت وعدها بل عملت أحياناً على تضييق مساحات الحرية من خلال عدة قوانين وإجراءات، حتى حاولت مؤخراً المساس بحرية التعبير الإلكترونية التي تمثلت في إخضاع مواقع الأخبار الإلكترونية والمدونات إلى رقابة دائرة المطبوعات والنشر.
الكثير من ردود الأفعال خرجت من الإعلاميين الأردنيين والتنظيمات السياسية رافضة هذا الإجراء، وتم طرح الموضوع في لقاء نقابة الصحافيين مع الملك عبد الله الثاني على إفطار رمضاني تمخض عن وعد مبدئي بعدم المضي قدماً في هذا الإجراء. التركيز كان أكثر على مواقع الأخبار التي انتشرت مؤخرا ولكن القليل من الضوء تركز على المدونات.
تركيبة المدونات الأردنية
بدأت ظاهرة المدونات بالانتشار في الأردن منذ منتصف العام 2005، مترافقة مع نمو المدونات في العالم العربي وسهولة التكنولوجيا المطلوبة لبناء وإدارة المدونات، وقد كان الجيل الأول من المدونين الأردنيين من الشباب المولعين بالتكنولوجيا والمهتمين بالشؤون العامة، وأكثر من نصفهم كان يعيش في الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية ويكتبون باللغة الإنجليزية. وحظي المدونون الأردنيون بشهرة في الإعلام الإقليمي والدولي، لأنهم كانوا يمثلون أسرع وسيلة إعلام نقلت تفاصيل التفجيرات الإرهابية في عمان في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2005. وكان بعضهم ينقل الصور وتسجيلات الفيديو من موقع الحدث، في الوقت الذي كانت فيه الأدوات الإعلامية الرسمية الأردنية تعاني من الرقابة الأمنية التي عطلت دخولها إلى الحدث.
أفراد الجيل الأول من المدونين الأردنيين استمروا في التدوين حتى الآن، ولكن نمو المواقع التي تقدم خدمة التدوين باللغة العربية مثل "البوابة" و"مكتوب" و"جيران" ساهم في زيادة عدد المدونين باللغة العربية. ومع أن بدايات التدوين باللغة العربية كانت معتمدة على الخواطر الشخصية، لكن البعد السياسي والشأن العام أخذ حيزاً كبيراً مع دخول كتاب وصحافيين محترفين إلى مجال التدوين حيث توجد حاليا حوالي 20 مدونة لإعلاميين أردنيين مثل الكاتب كامل النصيرات الذي تجاوز عدد زواره مليون زائر، وكذلك ياسر أبو هلالة، ومحمود الريماوي، ويوسف غيشان، وحلمي الأسمر، وإبراهيم غرايبة، وباتر وردم، ورلى الحروب، وأحمد حسن الزعبي، وزياد ابو غنيمة، ورنا شاور وغيرهم، بينما أوقف كتاب مثل: جميل النمري ومحمد ابو رمان التجديد في مدوناتهم بعد تجربة وجيزة.
لكن معظم المدونين-الصحافيين اكتفوا بنشر مقالاتهم في الصحف اليومية والأسبوعية المحكومة بسقف قانون المطبوعات مع أنها تميزت بفعالية في الردود والتعليقات، وهي الميزة التفاعلية الرئيسية للمدونات، وهذا ما جعل مدوناتهم تكراراً لمقالاتهم الصحافية وأفقدها الحيوية التي ظهرت لدى مجموعة من المدونين الشباب الآخرين.
بعض المدونين الشبان من الجيل الأول احترف الصحافة باللغة الإنجليزية من خلال الانضمام إلى هيئات تحرير المجلات الصادرة باللغة الإنجليزية في الأردن، وأثبتوا احترافية عالية قد تبدو أكثر كفاءة من بعض الصحافيين المعتمدين رسمياً من نقابة الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، مما يثبت أن المدونات قد تكون أداة لإنضاج المواهب الإعلامية وصقلها بعيداً عن الطرق الإعتيادية.
مضمون المدونات
لإعطاء فكرة للقارئ عن نوعية المضمون في المدونات الأردنية يمكن أن نقوم بجولة سريعة على أهم ما تضمنته المدونات الأردنية في شهر ايلول/ سبتمبر الماضي.
في المدونات باللغة الإنجليزية الموضوع الأكثر تأثيراً كان حول قيام أحد المدونين وهو حسين التميمي (www.who-sane.com) المقيم في الإمارات، بنشر تفاصيل معاناة والده الذي غاب عن الوعي أثناء قيادة السيارة، وتم نقله إلى مستشفى الأمير حمزة وبقي في المستشفى لمدة 9 ايام دون أن يقوم المستشفى بإبلاغ العائلة أو الأمن وبدون تقديم الرعاية الصحية الكافية. العائلة نجحت في اكتشاف تواجد الوالد بعد زيارة لمستشفى الأمير حمزة والبحث عنوة في ملف الزوار بعد 4 محاولات هاتفية انتهت بأجوبة سلبية. تلقت هذه المقالة سيلاً من التعليقات والردود، وقام بعض المدونين بكتابة رسائل إلى العناوين الإلكترونية للديوان الملكي ووزارة الصحة. وقام المدون / الكاتب باتر وردم بكتابة مقال في صحيفة "الدستور" حول القضية أثار فيها اهتمام الوزارة والتي أوفدت مدير الرقابة الداخلية لزيارة المريض، ومن ثم وزير الصحة برفقة مندوب عن الديوان الملكي، مع وعد بإجراء تحقيق حول الحادثة ومعاقبة المسؤولين عنها. هذه الحالة تظهر مدى إمكانية العمل الجماعي للمدونين وقدرتهم على التأثير، في تطوير حركة بهدف مشترك وتحقيق هذا الهدف وليس شرطاً أن يكون سياسياً.
المدون نسيم الطراونة صاحب مدونة www.black-iris.com) Black Iri)كتب عن التراجع الكبير في حالة الحريات والديمقراطية في الأردن خلال العام 2007 قائلا :" لا يوجد شك في أن العام 2007 كان سيئا بطريقة لا تصدق. الفجوة بين الأثرياء والفقراء أصبحت واضحة، بحيث أنك تراها مثل النهار والليل والحكومة لم تقم حتى بالقليل لمواجهة ذلك. الإصلاح الإعلامي ما زال ميتاً ويشهد على ذلك التغييب المباشر لتلفزيون آي تي في، وهي القناة الخاصة الإخبارية الوحيدة في الأردن بدور من الحكومة. وهناك ايضا سجن أحد السياسيين وزيادة نسب الفساد وكانت الانتخابات البلدية نكتة تضمنت التلاعب بالأصوات وتعرضنا للكثير من الحالات المتعلقة بسوء الرعاية الصحية، ولم تحظ دائرة المخابرات العامة بحرية أعلى لممارسة السلطة وما زالت جرائم الشرف مستمرة وما زال التضخم يزيد".
المدون خلف الذي يستخدم اسماً مستعاراً قال في مدونته What's Up in Jordan (http://ajloun.blogspot.com) بأن الانتخابات النيابية القادمة يجب أن تكون فرصة لليساريين والقوميين أن يكسروا الحلقة المزدوجة المقتصرة على مرشحي العشائر والاتجاهات الإسلامية، ولكن هذا لن يحدث إلا في حال طور اليساريون والقوميون برامج تعالج الإحتياجات الاقتصادية والتنموية والسياسية الأردنية في المقام الأول. المدون أحمد حميض صاحب مدونة 360 East (www.360east.com) ينتقد الأوضاع المتهالكة في المدارس العامة في الأردن ويطالب بثورة تعليمية تشمل تطوير البنية التحتية للمدارس، والتي هي أهم من أجهزة الحواسيب والشبكات الإلكترونية لخلق جو تعليمي مناسب.
المدون "حريقة" الذي يمارس الطب في الولايات المتحدة يكتب في مدونته http://hareega.blogspot.com عن إمكانية انتشار مرض الإيدز في الأردن بناء على الثقافة الاجتماعية التي تحاول منع تشخيص المرض أو كشفه والتعميم على الإصابات الحقيقية وخاصة من قبل المرتحلين من الأردنيين إلى دول العالم المختلفة سواء من المدنيين أو العسكريين. المدونة خالدة صاحبة مدونة www.anolitasmind.com تكتب عن الحاجة إلى وضع ضوابط على الممارسات العاطفية بين الجنسين في الأردن في الأماكن العامة، وترفض الإدعاء بأن مثل هذه المراقبة هي إعتداء على الحرية الشخصية، نظراً لأن من يقوم بهذه الممارسات يعتدي أيضاً على الحرية العامة للمواطنين في الحفاظ على "المشهد العام" من الممارسات غير اللائقة.
المدونة ناتاشا الطوال وهي صحافية محترفة، عملت سابقا في صحيفة "جوردان تايمز" كتبت في مدونتها www.natashatynes.org/mental_mayhem عن قبول العراقيين في المدارس العامة في الأردن وأن هذا الإجراء يستدعي التقدير من قبل المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والمؤسسات الإعلامية، التي دأبت على انتقاد الأردن بسبب عدم منح "الحقوق الكافية" للعراقيين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية.
المـــــدونة تولــــولي في مــدونتها www.tololy.com تنتقد إجراءات الحكومة الأخيرة لمراقبة الإعلام الإلكتروني وتكتب بأن سجن "شاعر القاعدة" واعتقال النائب السابق أحمد العبادي بسبب مقالات وكتابات عبر الإنترنت هي مرحلة من الرقابة على التعبير الإلكتروني لا تليق بالأردن، وتدل على توجهات لفرض المزيد من التضييق على حرية الرأي.
في المدونات العربية يقدم المدون محمد عمر http://ammannet.net/blogs/momar عشر نصائح للمواطن الذي يفكر في خوض الانتخابات النيابية من أهمها : اذا لم تكن من عشيرة كبيرة جدا، واذا لم تجمع عشيرتك على التصويت لك، فلا تفكر في التصويت ولا في الترشح، حتى لو كنت ممثلاً لتيار سواء أكان علمانياً أم دينياً، فكل التيارات والأحزاب عندنا "يمكن جمعها على منسف"، على قول أحد وزراء الداخلية السابقين". اذا لم تكن من "جالية" كبيرة، كالنوابلسة والخلايلة والكوزة، والشركس والشيشان والمسيحيين والنساء، فلا تفكر لا في التصويت ولا في الترشيح، فحظوظك سوف تكون معــــدومة داخل "الكوتا" وخارجها، ان لم تحصل على اجماع الجالية، ولا تعتقد أنك "مواطن أو حتى أحد افراد الرعية"حتى لو كنت تحمل برنامجاً واضحاً، فما انت سوى "أحد أفراد الجالية وأخيراً لا تفكر ابدا في الترشح للانتخابات إذا لم يكن لديك "نصف مليون دينار" احتياط على الاقل، فلسوف تحتاجها لدفع خمسين ديناراً لكل صوت على الاقل، وللدعاية الانتخابية، ودفع الرسوم واقامة سرادق الدعاية وشراء ذمم الصحفيين والإعلاميين، وأخيرا شراء المناسف والكنافة، هذا ان لم يأكل الناخبون تمرك ويعصون أمرك، ويأكلون خيرك وينتخبون غيرك.". كلها نصائح في منتهى الدقة.
المــــدون هشام غـــانم في مدونة http://hishamm126.maktoobblog.com يكتب هجاء في التيار الوطني الذي تم العمل على بنائه من قبل مجموعـــة من السياسيين في مقدمتهم رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي قائلا: " لا يكفّ «السياسيون» الأردنيــــون عن ادهاشنا و ادهـاش أنفسهم، على حد واحد و سواء. فما كان لاجتماع طائفة من الرجـــال أن ينقــلب حادثة «سياسية»، لولا أن «الســـياسة» عندنا تصْدُر عن أشخـــاص (أو شخوص) و ليس عن مؤسسات و أعراف و سنـن و تقاليـــد مدينية و ديموقراطية.
و الأشخاص هؤلاء، الذين تنادوا و أشهروا و جهـــروا ﺑ«شيء» قيل لنا إنه «تيّار»، آثروا أن يـــطّلوا علينا من عل ٍ، حقيقةً و مجازاً؛ فـــــهم اختاروا أعلى نقــــطة في عمان (الدوار الثالـــث)، و أعلى فندق في الأردن؛ ليعلنوا منه «تيارهم». هذا من الوجه الحقيقي، و أمـــا من الوجــــه المجازي؛ فقد دلّ دليل ردود أصحاب «التيّار» على أسئلة الصحافة، على حجم التعالي الذي وسمَ «تيّارَهم»
بشكل عام يمكن الاستفادة من المدونات الأردنية، وبالذات، تلك التي تنشر باللغة الإنجليزية في الحصول على مصادر معلومات بديلة وأكثر جرأة من الإعلام التقليدي، لكن حاجز اللغة يساهم في تقليص نسبة تأثير هذه المدونات على القارئ والمتابع الأردني، وبخاصة في ظل بقاء المدونات باللغة العربية في حالة من عدم الاهتمام بالشأن العام بالنسبة لمعظم المدونين،واكتفاء الكتاب المحترفين بمقالاتهم المنشورة وعدم استثمار مساحة الحرية المتاحة عبر الإنترنت للكتابة بطريقة أكثر جرأة. |
|
|||||||||||||