العدد 38 - أردني | ||||||||||||||
محمود الريماوي ونهاد الجريري
يمثل الأمن العام الجهاز الأبرز للسهر على القانون وتنفيذه، والأكثر حضوراً واحتكاكاً مع المواطنين وكل مقيم على أرض المملكة. الاهتمام به وتطويره شرط لا غنى عنه لإشاعة الاستقرار والطمأنينة وبناء دولة الحق، وإرساء مجتمع متمدن ونشر ثقافة السلام الاجتماعي القائمة على الاحتكام إلى القانون دون سواه. واكب هذا الجهاز نشوء الدولة الأردنية. فكان أول ظهور له في أول حكومة أردنية تم تشكيلها وهي التي رأسها رشيد طليع في 11/4/1921، وكان أول مدير للأمن العام علي خلقي باشا وعرف باسم "مشاور الأمن والانضباط"، وتشكل جهاز الأمن من قوة الدرك وكتيبة الدرك الاحتياط والكتيبة النظامية، وقوة الهجانة. ارتبط الأمن العام ارتباطاً كلياً بالجيش العربي حتى 1956، عندما تم فصله عن الجيش وتم تعيين الفريق بهجت طبارة أول مدير للأمن العام. قائمون على الجهاز يؤكدون أن الجهاز يخدم كـ«بوليس» في الدولة الأردنية. قائد قوات البادية خالد المعاني يقول:«لا نسعى لأن نكون دولة بوليس». في هذا الإطار يسعى الأمن العام كجهاز للتركيز على الإيجابية في التعاطي مع احتياجات المواطن، للوصول إلى تحقيق شعار «الشرطة في خدمة الشعب.» حدث تطور ذو شأن على الأداء في العقدين الماضيين. من المهم السعي لتحقيق الشعار، والأهم منه هو تشبع أفراد الجهاز ومختلف مستوياته، بثقافة عمومية وشمولية القانون، والتفاني في تنفيذه بغير تهوين أو تعسف، وبصرف النظر كلية عن هوية المتخاصمين او المتنازعين. ولعل الأمر يحتاج خلالئذ أن يتمسك أفراد الأمن أنفسهم بمهماتهم الموكولة اليهم، بمعزل عن هوياتهم هم كأشخاص. وهو ما يلمسه المرء في الدول المتقدمة، التي تضع الجميع وعلى السواء بمن فيهم أفراد الشرطة تحت القانون. تلك واحدة من العوامل الجوهرية التي اسهمت لديهم في إرساء دولة الحق والمؤسسات والقانون، التي نتطلع لاستيفاء أركانها. في إطار التطوير الذي بلغه الجهاز الارتقاء بمستويات التدريب، ومحاكاتها لما بلغته أجهزة الدول المتقدمة، وتخريج أفواج تلو أفواج من كلية الشرطة وأكاديمية الشرطة وفق مواصفات عالمية، والمستوى العالي في استخدام التكنولوجيا لأداء المهمات الوظيفية. وهناك أيضا العمل الاستخباري الجنائي، للحيلولة دون وقوع الجرائم والتعديات وإحباطها قبل وقوعها، وما يتسم به الجهاز من فاعلية في سرعة الحضور الى مسرح الجريمة والمسارعة في تعقب المعتدين.وهو ما يحسب للجهاز وقياداته، وما ضمن في النهاية إشاعة صورة للأردن كبلد ينعم بالاستقرار وطارد للجريمة والمجرمين، وما تبع ذلك من ازدهار طال وإن بتفاوت مختلف مرافق حياتنا. غير أن المشكلة تبقى بعدئذ، في ما يشوب علاقة المواطن ونظرته الى الشرطة ومراكز الأمن. وهي نظرة موروثة حقاً، ويصعب تغييرها بجرة قلم، فمن المفارقة أن المكان المولج بإشاعة الطمانينة في النفوس ما زال يثير بعض مشاعر القلق لدى المواطن، إذا ما اضطره ظرف حياتي ما (غير جنائي! ) لأن يقصد مركز أمن.مصدر النظرة ما يعتقده المواطن بأن الشرطة ذات سلطة لا حدود لها ولا قيد عليها، وأنها قد تزجره أو تطيل مكوثه لديها، أو توقفه مثلاً إذا ما ارتأى مسؤول هناك ولو كان برتبة متواضعة !. بالنسبة للنساء فإن الوضع أكثر صعوبة وحرجاً. يحدث ذلك رغم الثقة التي يمحضها الجمهور للجهاز. إذ بلغت نسبة من يثقون بالأمن العام نسبة عالية نحو 62 بالمئة ، و28 بالمئة يثقون به ثقة كبيرة. وهي نسبة مرتفعة على مستوى العالم تقترب من نسب مشابهة في دول العالم المتقدم مثل: بريطانيا والدنمارك وأستراليا. وربما فسر هذه النتيجة الثقة بقدرة الجهاز على تعقب المجرمين والمعتدين بالدرجة الأولى بفضل التدريب الجيد الذي تتلقاه مرتبات الأمن العام التي تضم جل عناصرها من حملة الشهادات الجامعية العليا. وفي جانب آخر فقد تجاوزت وظائف رجل الشرطة المهام المعتادة من وقاية ضد الجريمة وضبط لها. المعاني يقول "صرنا نمثل همزة وصل بين المواطن والمسؤول" ويبرز هذا الدور من خلال إذاعة أمن إف إم التي تتبع لمديرية الأمن العام وتتلقى شكاوى من المواطنين تتعدى الأمور المعتادة من شكاوى مرورية وازدحام. كما يبرز هذا الدور في الشرطة البيئية التي تعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي والمنطقة، من مهامها ضبط المخالفات البيئية من خلال وضع المواطن والمسؤول أمام استحقاق إصلاح الخلل والحفاظ على البيئة. وقد استحدثت المديرية على مدى السنوات الأخيرة إدارة متعددة تتناول مناحي مختلفة من الحياة المجتمعية مثل إدارة حماية الأسرة، أو الشرطة المجتمعية التي تسعى الى هدفها النهائي بأن يكون كل مواطن "غفيراً" في مجتمعه، ومشاركاً في العملية الأمنية وفي بناء بيانات تساعد على التنبؤ بالجريمة في أي مكان. ذلك لا يحجب بعض الهنات عن الأمن العام بوصفه أداة لفرض القانون.المهام الأمنية قد"تصطدم" أحيانا بتجاوز او تقصير مردهما حسابات شخصية وجهوية وتدخلات عشائرية ووصايا متنفذين، ومع تكرارها تتحول الى "ثقافة أو مرجعية" غير مكتوبة لكنها سارية معمول بها، وتزاحم مرجعية القانون. من قبيل ذلك ما يرويه أكاديمي بارز عن أن ضابطا في الشرطة تعرض للطعن أثناء تأديته لواجبه الرسمي، فكان الإجراء المتخذ بأن قامت عشيرة المعتدي بأخذ عطوة من عشيرته. بهذا فإن الجهاز نفسه قد يتعرض للإيذاء في حال التراخي في تطبيق القانون، او الاحتكام لاعتبارات اجتماعية غير قانونية.ينفي المعاني أن يكون للعشائرية " أي أثر أو تدخل سلبي على الإجراءات الشرطية." ويشرح أن العشائرية "جزء مهم وركيزة هامة من دعائم المجتمع الأردني". ويقول "لا نستطيع أن نخرج من جلدنا" فالمجتمع الأردني مجتمع عشائري على حد تعبيره. غير أن المجتمعات جميعها في عالمنا تتكون من عائلات، وذلك لا يقتصر على الأردن، والفيصل أن لا يطغى اعتبار آخر على مقتضيات القانون. هكذا تلجأ الشرطة إلى العطوات للاستفادة من الأحكام العشائرية في "لملمة" قضية ما، خاصة قضايا القتل التي يخشى فيها من الثأر ورد الثأر. لا بأس بالإجراء العشائري كمساند للإجراءات الشرطية والقضائية.، على أن لا يكون بديلاً عن القانون العام، فمن المفيد الاستعانة بشتى الوسائل والقنوات الاجتماعية المشروعة، شريطة أن لا تزاحم القانون أو تحل مكانه. فذلك يرسل إشارات خاطئة للجمهور. من الملاحظات في هذا السياق ما يتناقله البعض بأن ثمة مناطق في المملكة تعتبر "سوداء"، وهي مناطق تعرف بتجارة الممنوعات من سلاح ومخدرات. المعاني ينفي صحة ذلك، ويشدد على أن قوات الأمن حاضرة في كل مكان وفي كل وقت. وربما تمثل هذا "الحضور" في الوجود "الاستخباراتي" لقوات الأمن في تلك المناطق، فيتم العمل فيها بشيء من التكتم، ما يفسر عدم الظهور العلني والمباشر لرجال الأمن. الناطق الإعلامي في المديرية محمد الخطيب تحدث عن "مباحث المرور" التي تعمل على مراقبة مواكب الأعراس والأفراح قائلاً "لا تستغرب أن يكون ضابط بلباس مدني مشاركاً فعلاً في الموكب ولكنه في الوقت نفسه يدون أرقام السيارات المخالفة" التي يتم استدعاؤها خلال 3 أيام أو ترحيل المخالفة إلى حين الترخيص. يتمتع جهاز الأمن العام بثقة واسعة، يمكن البناء عليها لتطوير أدائه وبناء علاقات اكثر سلاسة مع الجمهور، ولعل الأمر يقتضي أن يمحض الجهاز من جانبه ثقته بالجمهور، ولو أن التشكك من طبيعة عمل الجهاز. |
|
|||||||||||||