العدد 37 - أردني
 

حمزة السعود

إذا كان أحمد عبيدات، الرئيس المستقيل، أو المقال، لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، وقع ضحية للتقارير التي أصدرها المركز حول واقع الحريات في الأردن؛ فإن الرئيس الجديد للمركز، عدنان بدران، سيكون على المحك إذا ما حاول الاستمرار في الحفاظ على استقلالية المركز ومصداقيته.

ربما جاء التخوف من شخص بدران، رئيس الحكومة الذي لم يعمر طويلاً في أرفع منصب في الدولة، من ارتباط مسيرته الأكاديمية بأحداث جامعة اليرموك، التي شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان العام 1986،عندما اقتحمت قوات الأمن حرم الجامعة لقمع تظاهرات طلابية بمطالب أكاديمية بحتة، فقد أخذ ذلك الحدث مأخذه في نفوس العديد من ناشطي حقوق الإنسان، رغم إجماعهم على صعوبة المهمة وتطلبها لإرادة سياسية بغض النظر عن شخص بدران.

وفي هذه الحالة، فإن إصدار التقارير بصفحات ناصعة البياض، لن يظهر الأردن بصورة ناصعة، كما يعتقد البعض، بل على العكس، فقد تساهم هذه التقارير البيضاء في اتشاح الأردن بالسواد وتردي الحريات فيها؛ وهذا ما لا يتمناه المجتمع المدني وناشطو حقوق الإنسان.

يقول سليمان صويص، عضو الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، إن مصداقية التقارير المرفوعة للمركز لن تكون حاضرة بوجود بدران، إذ إن الإطاحة بعبيدات بذريعة بيان ال150 شخصية والاستعاضة عنه ببدران، يعبر بشكل واضح عن إصرار الحكومة على إنضواء المركز تحت جناحها، بل واستخدامه «سلاحاً في وجه التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية».

ويضيف صويص، في إشارة إلى توجيه جمعيته لرسالة تعدد 14 انتهاكاً لحرية التعبير خلال 50 يوما من عمر حكومة بدران 2005: «استقلالية المركز سقطت بإقالة عبيدات، ولن يستطيع بدران أو غيره إعادتها».

ناشط آخر في مجال حقوق الإنسان فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أوضح أن على المركز المحافظة على استقلاليته المنصوص عليها في قانونه، معتبراً أن الانحراف عن هذا المسار يعني التبعية التامة للحكومة وبالتالي مخالفة اتفاقيات حقوق الإنسان. «لا شك في أن مهمة عدنان بدران في المحافظة على استقلالية المركز ستكون صعبة، وتحديداً في ظل خبرته القليلة في مجال حقوق الإنسان، وإذا كان بدران قد جاء خلفاً لعبيدات لتنفيذ سياسة مختلفة فعلى المركز وتقاريره السلام».

ويرى مدير مركز جذور للاستشارات ودراسات حقوق المواطن، توفيق السمهوري، أن الطريقة التي يتم فيها تعيين رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان تنزع منه صفة الاستقلالية، لذا فالأمر لايتعلق بشخص بدران أو غيره وإنما بالإرادة السياسية التي لم تأخذ بأي توصية من توصيات المركز «إلا من أجل الديكور».

ويزيد السمهوري بأن المركز الوطني لم يكن يتمتع على مدى تاريخه بأي من الاستقلالية أو المصداقية إلا في نطاق خطة حكومية مرسومة له، «ومن يعتقد أن عبيدات أقيل من أجل التقارير فهو مخطئ» معتبراً أن بيان ال150 شخصية هو سبب إقالته».

أما مدير عام مركز الأردن الجديد للدراسات، هاني الحوراني، فيعتبر أن بدران ربما كان أكثر ملاءمة من عبيدات لرفع سقف التقارير التي يصدرها المركز، كونه لا يخشى أن يتهم بتبني أجندات سياسية «وهذا ما وقع فيه عبيدات، حيث تعامل كطرف سياسي من جهة، وكرئيس مجلس أمناء للمركز من جهة أخرى، ولم يستطع الجمع بينهما».

وشدّد الحوراني على التحدي الكبير الذي سيواجه بدران في المستقبل القريب، إضافة للحاجة الملحة للتفهم الحكومي الأمني ليتم الحفاظ على هذه الاستقلالية.

«سوف يستمر المركز في التقدم والحفاظ على استقلاليته مع أهمية ظهور الأردن بصورة ناصعة أمام الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية في المجالات المختلفة، والتشديد على البديهيات بتحقيق الأردن لكثير من التقدم في مجال حقوق الإنسان»، يقول الرئيس الجديد لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، عدنان بدران، لـ«ے».

ويضيف: «المركز سيأخذ بالمواد الثلاثين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان من دون استثناء، وسيقوم بالبحث عن مواطن الضعف فيما حققناه في كل مادة ومعالجتها من خلال الحوار وإقناع المسؤولين». وأكد بدران أنهم، في المركز، باشروا فعلياً في إعداد «مؤشرات قياسية» لتحديد موقع الأردن على الخريطة العالمية في كل بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

يقول المحلل السياسي فهد الخيطان في مقالته المعنونة «حقوق الإنسان في عهد بدران» التي نشرها في يومية العرب اليوم، إن على المجتمع المدني عدم الاستسلام للانطباعات السلبية نتيجة الظروف التي أحاطت بتعيين بدران، المتمثلة بإقالة أو استقالة عبيدات، وبالتالي الحكم بشكل سلبي عليه منذ الآن «فهو بالتأكيد يدرك حساسية موقعه، ويعلم قبل غيره أن المس بمصداقية واستقلالية المركز سينعكس سلباً على صورة الأردن والمركز، وعلى صورته الشخصية كرجل يصنف نفسه بأنه ليبرالي يدافع عن حقوق الإنسان».

إلا أن الخيطان يعود في نهاية مقالته ليبدي شيئاً من التخوف، على خلاف دعوته بعدم الانسياق وراء الانطباعات السلبية، ليأمل بألا يكون التغيير في رئاسة المركز الوطني لحقوق الإنسان مدخلاً «لإجهاض دوره».

بين عبيدات وبدران: حقوق الإنسان في الميزان
 
31-Jul-2008
 
العدد 37