العدد 37 - حريات
 

سوسن زايدة

مساء يوم صيفي، كانت هالة تسير مع خطيبها ويد كل منهما حول خصر الآخر عندما اعترضتهما دورية للبحث الجنائي تقل أربعة رجال بلباس مدني. تروي هالة: «وقفت السيارة في منتصف الشارع ونادى السائق على خطيبي وقال: ما تفعلانه عيب وهذا مكان عام لا يجوز فيه هذا السلوك المخل بالآداب. وطلب هوية خطيبي فرفضنا إلا بعد أن أرانا هويته التي تثبت أنه بحث جنائي، فقلت له: نحن لا نفعل أي خطأ وطريقة مشينا ليست من شأن البحث الجنائي، فالأولى أن تنشغلوا بأمور أهم. فرد بنبرة تحد أن هذا من شأنه وهدد باقتيادنا لمركز الأمن لإثبات ذلك. لكن خطيبي حاول مداراتهم لتهدئة الوضع، وبعد عشرة دقائق أخلوا سبيلنا».

وتتساءل هالة: «من الذي نخدش حياءه بسلوكياتنا؟ في منطقتي أغلب الشباب، والفتيات يفعلون ما أفعل. كما أن أسرتي، وأصدقائي، وجيراني، يوافقونني على تصرفاتي».

ما حدث مع هالة ليس حالة فردية، فبحسب ما روى لنا أكثر من ثلاثين شاباً وفتاة، كثيراً ما يحدث بعد مغيب الشمس أن تعترض دورية للأمن العام أو دوريات النجدة أو البحث الجنائي، شاباً وفتاة؛ وتوبخهما وتهدد باقتيادهما لمركز الشرطة لكونهما يجلسان في سيارتهما المصطفة إلى جانب الطريق، أو يمشيان في شارع عام متشابكي الأيدي، باعتبار مثل هذه المشاهد تمثل «خدشاً للحياء العام».

الشبان والفتيات الذين تعرضوا لمثل هذه المواقف لا يعرفون إلى أي قانون استند رجال الشرطة في توقيفهم وتعنيفهم. قلة منهم، كما قالوا، اقتيدوا فعلاً إلى مراكز للأمن حيث سمعوا عبارات مثل كنتم في «ظروف تجلب الشبهة»، أو ارتكبتم سلوكاً «يخدش الحياء العام»، لكن أياً من هؤلاء لم يحول إلى المحكمة.

كان عمر يتناول الشاورما مع صديقته في سيارته المصطفة في منطقة قريبة من بيته حوالي الساعة الثامنة مساء، عندما جاءت سيارة لشرطة النجدة وأنارت الكشاف باتجاهه. ترجل شرطي من سيارة النجدة طالباً رخصه وهويته. «تحدث معي بطريقة سيئة ومستفزة»، يقول عمر. ويضيف «خرجت من السيارة لأتناول رخصي من جيبي بينما عاد هو إلى سيارته، وعندما اقتربت من سيارته لأعطيه رخصي فوجئت بأنه تحرك مبتعداً للأمام لمسافة متر كنوع من الإهانة ليضطرني للمشي نحوه. لكنني لم أتحرك من مكاني، فأشعل الكشاف مجدداً وخرج من السيارة وبيده قنوة، وتوجه نحوي وهو يصرخ فصرخت عليه أيضاً، وأصر على اقتيادي إلى المخفر حيث انتهى كل شيء وطلبوا مني الذهاب بعدما اقتنعوا بأنه ليست هناك قضية أصلاً».

مدير المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام، محمد الخطيب، أوضح أن دوريات البحث الجنائي أو النجدة أو الأمن الوقائي، سواء كانت راجلة أو في مركبات، لها واجبات محددة في الشوارع، وهي واجبات احترازية وقائية لمنع الجريمة قبل وقوعها، وذلك استناداً إلى قانون منع الجرائم. والهدف من هذه الدوريات مراقبة وملاحقة الأشخاص المطلوبين. «وقد يتطلب ذلك أحياناً إيقاف أشخاص للحظات بسيطة لكي يتم التعرف عليهم والتعرف على هوياتهم للتأكد مما إذا كانوا مطلوبين أو غير ذلك، وبخاصة في أوقات الليل».

ونفى الخطيب أن يكون رجل شرطة قد أوقف رجلاً وامرأة فقط من أجل التدقيق على الهويات. «يحدث أحياناً أن يكون هناك شبان من الجيل الجديد في الشارع برفقة فتيات، فإذا قاما بأي فعل يخدش الحياء العام يقوم رجال الأمن العام بإيقافه وتنبيهه إلى هذا الموضوع. وإذا كان الفعل واضحاً وظاهراً نتخذ إجراءات قانونية ونحولهم إلى المحكمة.

وهذا عادة يقع في سيارات، لكن لا يوقف رجال الأمن الرجل الماشي برفقة خطيبته أو زوجته أو غيرها إلا إذا ارتكب فعلاً يسيء للناس أو الحياء العام، عندها نتخذ الإجراءات الإدارية والقانونية».

ولا تعتمد إجراءات الأمن العام على المزاجية، وفقاً للخطيب، «فرجل الأمن يمكنه تقدير ما إذا كان هذا الشخص سائراً مع زوجته أو خطيبته أو أخته، لكن حركات هذا الشخص هي التي قد تثير انتباه رجال الأمن أكثر من الآخرين، لأن هذا هو اختصاصهم. وعندما نشعر أن هناك شبهة ما بحدوث جريمة، فإننا نتعامل ضمن إطار القانون»، في إشارة إلى قانون منع الجرائم لعام 1954.

قانون منع الجرائم، وفقاً للمحامي مراد خريسات، غير دستوري. «لكن للأسف، لا نستطيع الطعن في هذا القانون في ظل غياب محكمة دستورية تراقب مدى دستورية القوانين. يجب ألا يسن أي قانون دون أن يصادق عليه مجلس النواب. ولأن هذه القوانين سنت دون مرورها بالقنوات التشريعية، لا يعترض عليها النواب لأن أغلبهم ذوو خلفيات عسكرية».

أعلنت الأحكام العرفية في العام 1970، يبيّن خريسات، وبناء عليها صدر قانون الدفاع. وعليها كذلك أنشئت المحكمة العسكرية، أو محكمة أمن الدولة، وسن قانون منع الجرائم. وعندما ألغي قانون الدفاع وألغيت الأحكام العرفية، كان الأصل أن يلغى كل ما نشأ عن هذا القانون، مثل المحكمة العسكرية وقانون منع الجرائم. لكنها لم تلغ، وبالتالي فهي غير دستورية.

«كما أن الأصل في القانون» يضيف خريسات، «أن الأعمال التحضيرية للجريمة غير معاقب عليها، إلا إذا دخل هذا العمل التحضيري حيز التنفيذ أو الشروع فيه. والمشكلة أن هذه الحالات ليس لها ضوابط ويحكمها التقدير الفردي لرجال الشرطة».

النائب الحالي، ووزير العدل الأسبق، عبدالكريم الدغمي، يقر بأن عبارات مثل «خدش الحياء العام» و«ظروف تجلب الشبهة»، تبقى عبارات مطاطة تخضع لتقدير رجل الأمن وثقافته وبيئته. «بعضهم قد يعتبر مسك الأيدي بين شاب وفتاة عيباً أو حراماً، وآخرون لا يرون فيها شيئاً. فهي تعود لذوق الإنسان ومزاجه وقناعاته وثقافته».

لكن المحامي خريسات، يشتكي من أن بعض رجال الأمن العام حين توليه قضايا «خدش الحياء العام»، فإنه يماطل في الحضور: «نحن نعاني في المحاكم من رجال الشرطة الموقعين على الضبط ويتأخرون عن الحضور إلى المحكمة لمدد تصل سنة أو سنتين. فالضبط أمام القاضي لا يطعن فيه إلا بحضور الموقع عليه. لذلك يختار الناس راحة بالهم ودفع كفالة والاعتراف بذنب لم يرتكبوه، لكن القضية تسجل في قيدهم بوصفها «جريمة خدش الحياء العام» أو «ظروف تجلب الشبهة»، ارتكبوها، فيصبحوا ذوي سوابق. وهو ما يخدش العدالة في واقع الأمر».

ألفاظ ومعان قانونية

تنص المادة (389) من الباب العاشر من قانون العقوبات لعام 1960 عن جرائم التسول والسُكر والمقامرة، على أنه يعاقب في المرة الأولى بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، كل من: 1- تصرف تصرفاً شائناً أو منافياً للآداب في محل عام... 5- وجد متجولاً في أي ملك أو على مقربة منه أو في أية طريق أو شارع عام، أو في مكان محاذ لهما، أو في أي محل عام آخر في وقت وظروف يستنتج منها بأنه موجود لغاية غير مشروعة أو غير لائقة.

وتنص المادة (2) من القانون نفسه على أنه يكون للعبارات والألفاظ التالية الواردة في هذا القانون المعاني المخصصة لها أدناه، إلا إذا دلت القرينة على خلاف ذلك: ... تشمل عبارة (الطريق العام): كل طريق يباح للجمهور المرور به في كل وقت وبغير قيد، فيدخل في هذا التعريف الجسور والطرق كافة التي تصل المدن أو البلاد بعضها ببعض ولا يدخل فيه الأسواق والميادين والساحات والشوارع الكائنة داخل المدن أو البلدان أو القرى والأنهار. وتشمل عبارة (مكان عام أو محل عام): كل طريق عام وكل مكان أو ممر يباح للجمهور المرور به أو الدخول إليه في كل وقت وبغير قيد أو كان مقيداً بدفع مبلغ من النقود وكل بناء أو مكان يستعمل إذ ذاك لأي اجتماع أو حفل عمومي أو ديني أو كساحة مكشوفة.

ويقصد بلفظتي (الليل) أو(ليلاً): الفترة التي تقع بين غروب الشمس وشروقها.

وتنص المادة 3 من قانون منع الجرائم لعام 1954 على أنه إذا اتصل ، المتصرف او كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوجود شخص في منطقة اختصاصه ينتسب لأي صنف من الأصناف المذكورة أدناه ورأى أن هنالك أسباباً كافية لاتخاذ الإجراءات، فيجوز له أن يصدر إلى الشخص المذكور مذكرة حضور بالصيغة المدرجة في الذيل الأول لهذا القانون، يكلفه فيها بالحضور أمامه ليبين إذا كان لديه أسباب تمنع من ربطه بتعهد، إما بكفالة كفلاء وإما بدون ذلك، حسب الصيغة المدرجة في الذيل الثاني لهذا القانون يتعهد فيه بأن يكون حسن السيرة خلال المدة التي يستصوب المتصرف تحديدها على ان لا تتجاوز سنة واحدة.

1 - كل من وجد في مكان عام او خاص في ظروف تقنع المتصرف بأنه كان على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه.

**

قانون ضد الدستور

في 26/12/1999 أصدرت محكمة صلح/ جزاء عمان حكماً تضمن الامتناع عن تطبيق نص في قانون العقوبات الأردني لعدم دستوريته، ومما ورد في حيثياته( ): أن الفقرة الخامسة من المادة (389) من قانون العقوبات الأردني( )، تتعارض مع المادة (7) من الدستور الأردني التي نصت على أن الحرية الشخصية مصونة وهي تشمل حرية الشخص في التنقل داخل إقليم بلاده، أما الفقرة الخامسة من المادة المشار إليها في قانون العقوبات فإنها تحد من الحرية الشخصية وتعيق تنقل الشخص بحرية وتعرضه للملاحقة والمساءلة لمجرد الاشتباه بأن وجوده كان لغاية غير مشروعة أو غير لائقة.

ووفقا لدراسة المحامي هاني الطهراوي بعنوان «رقابة الامتناع على دستورية القوانين وموقف القضاء الأردني»، فإن الحكم، وهو الأول من نوعه في محاكم الصلح، تضمن إقراراً صريحاً بحق المحاكم في التعرض لدستورية القوانين من تلقاء نفسها باعتبار ذلك من النظام العام، محتجة بأن «تطبيق القاعدة القانونية الأعلى عند تعارضها مع قاعدة تدنوها مرتبة يدخل ضمن اختصاص المحكمة»،

“خدش الحياء العام”: تطبيق متعسف لقانون غير دستوري
 
31-Jul-2008
 
العدد 37