العدد 37 - كتاب | ||||||||||||||
سمع كاتب هذه السطور قبل أيام من مسؤول سابق وصفاً قاسياً لمجتمعنا،بأنه "مجتمع الكراهية". لم يفاجأ أحد من الحضور وكان عددهم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة هذا الوصف. لم يعترض أو يصحح أحد. لا شك في أنه يصعب قياس وتصنيف العواطف العامة، الشائعة والمتبادلة بين الناس.غير أنه يمكن الاستدلال على ذلك بوسائل متاحة منها : النظرات التي يتبادلها سائقو مركبات لا يعرفون بعضهم بعضاً، لدى توقف مركباتهم أمام إشارة حمراء أو لهنيهات على مدخل دوار. وطبيعة الحوار الذي ينشأ بين سائقين لدى وقوع أي احتكاك بين مركبتين. ومنها ما يتبادله رواد مرافق مثل: المطاعم، والمخازن الكبرى وحتى الحدائق العامة على قلة عددها من نظرات ناطقة. ومنها ما يحمله بعض الشرطيين من تعبيرات على الوجه، لدى استقبال شخص يقصد مركز أمن. ومنها عدد هائل من تعليقات يكتبها متصفحو الإنترنت، وبخاصة تلك التي تكتب بمفردات عامية، في التعليق على موضوع ما ينشره موقع ما. في بلاد الغرب يمشي الناس ويصوبون أنظارهم إلى الأمام، لا يلتفت أحد منهم الى الآخر مع ما في ذلك من قسوة، بالتجاهل التام لوجود الكائن الإنساني العابر. عندنا يتبدى الأمر بصورة أشد قسوة، فهناك نظرات الشزر، والضيق من مجرد وجود شخص يجاورنا في المكان، رغم أنه لا تربطنا به أدنى معرفة. تتفاوت هذه العواطف بين منطقة وأخرى، بين تجمع سكاني وآخر. كلما ابتعد المرء عن العاصمة وبالذات عن غربها وشمالها، ثم عن المدن المزدحمة كلما تأنسنت أو تحيدت العواطف.كذلك الحال كلما انخفضت أعمار الناس عن الثلاثين عاماً.. فالراشدون الناضجون أكثر ميلاً لمنح الآخرين، فيضاً من كراهية دفينة ومجانية لا سبب لها. للأسف هذه انطباعات عيانية لا تسندها استبيانات واستطلاعات رأي. التحولات السلوكية والقيمية في اختلاط شرائح الناس، لا تحظى بدراسات متخصصة منشورة. الراجح أن شطراً كبيراً من الناس الوافدة الى المدن من الريف، والمخيمات، والبوادي، قد هجرت سلوكياتها وعواطفها السابقة، ولم تتمتع بسلوكيات وذهنية أهل المدن.يتم ملء هذه المنطقة "الفارغة" في النفس، بمشاعر الحذر والتربص والتشكك في الآخرين من قبيل الدفاع الذاتي، وتحت ضغط الرغبة في التفوق على الآخر، حتى لو كان الآخرون جيراناً أو زملاء قدامى في مهنة واحدة. الجموح الاستهلاكي الناشىء عن ثقافة التلفزيون، ومحاولة التشبه بنمط الحياة الخليجية أو الغربية، وتذرر العائلات والتحاسد ما بين أفرادها، وصولاً الى عبادة المال، تشكل أسباباً أخرى للتقوقع في الذات، وإقامة مصدات من العداء المسبق للآخر وبث مشاعر التوتر. قد لا يكون دقيقاً أو مبالغاً فيه وصف مجتمعنا بأنه مجتمع الكراهية. على أنه يصعب اعتبار العلاقات التي تسود أفراد مجتمعنا بأنها سوية، وبخاصة لدى الفئات الأكثر ثقافة وتعلماً ويسر حال. |
|
|||||||||||||